“الإعلام التنموي”: رافد استراتيجي لتحقيق التنمية المستدامة وتعزيز الوعي المجتمعي
الصمود||تقرير||يحيى الربيعي
المهندس المداني: يرتكز دور الإعلام التنموي الأساسي في إشراك المجتمع والأفراد والمؤسسات في جميع عمليات التنمية، لتحويل المجتمع إلى كيان مساند للعملية التنموية والتغيير.
الفضيل: العمل التنموي في العقود الماضية كان مهملًا، لأن الاعتماد على الاستيراد مثل قاعدة تلبية الاحتياجات الأساسية.
مطهر: على الإعلام التنموي أن يكون رافدًا مهمًا في التوعية والتثقيف، واستسقاء المعلومات من مصادرها الصحيحة.
عبدالكريم صورج: الوسائل الإعلامية في توعية المجتمع بأهمية العمل التنموي والتعاون الجماعي والمشاركة المجتمعية منذ العام 2016
في عالم متسارع يتطلب التغيير المستدام والتطور المستمر، يظهر الإعلام التنموي كحلقة وصل أساسية بين القيادة القرآنية الرشيدة والفكر الإنساني العميق حول التقدم الاجتماعي والاقتصادي.
إن موجهات القيادة إلى الحكومة والمجتمع تسعى للوصول إلى خلق رؤى وطنية تنموية تنطلق من الهوية الإيمانية والثقافة القرآنية والأعراف والتقاليد المحلية تضمن الرخاء وتحسين مستوى الحياة، بينما يقدم الفكر الإنساني إطارًا نظريًا يدعو إلى التأمل النقدي والتفكير المستقبلي، وبما يجسد عملاً مشتركًا يسهم في بناء أجيال قادرة على تحقيق التنمية المحلية المستدامة.
إن تضافر الجهود المحلية في سياق العمل التعاوني المشترك بين الحكومة والمجتمع والجمعيات التعاونية والقطاع الخاص وكافة القوى الاجتماعية والاقتصادية الفاعلة يقود إلى خلق استراتيجيات مبتكرة يمكن أن تُحسن الأداء التنموي وتعزز من الوعي الجماعي بأهمية استنهاض قدرات وطاقات المجتمعات المحلية نحو إحداث حراك تنموي زراعي صناعي واسع النطاق، مما يسهم في تحقيق الأهداف المرجوة.
في سياق هذا التقرير، نحاول استكشاف كيف يمكن للإعلام التنموي أن يشكل رافدًا حيويًا لهذه الجهود، مسلطين الضوء على التحديات والفرص التي تواجهها المجتمعات المحلية في اليمن اليوم في سعيها نحو التنمية المستدامة.
في رحاب موجهات أعلام الأمة
في تحليل عميق لوضع الأمة، أكد الشهيد القائد (رضوان الله عليه) في إضاءات مشرقة تم اقتباسها من عدة محاضرات (*) أن “الأمة تُواجه بصراع جاد” وأن هذا الصراع يتطلب منا “أن نفهم جيدًا ما يدور حولنا”. حيث تبرز وسائل الإعلام كأداة مؤثرة تسعى لتوجيه النفوس نحو ولاءات مع أعداء الخير، مشيراً إلى أن “العمل الجاد” هو الذي يمكن أن يخرج الأمة من حالة السخط والمأساة التي تعيشها.
وقد أكد (رضوان الله عليه) أن “الوضعية التي يعيش فيها العرب هي وضعية سخط”، مضيفًا أن “الأمة أضاعت دينها الذي فيه ذكرها، وفيه شرفها، وفيه عزتها”. وفي هذه الظروف، تظهر الحاجة الملحة للعودة إلى الدين وتعزيز الهوية الإسلامية كمصدر للقوة والكرامة.
وأشار إلى أن “من يتبنى سلاح البصيرة والوعي” سيجد أمامه مجالات واسعة من العمل. فالعائد إلى القرآن الكريم، كما قال: “لن يجد إلا الأبواب مفتوحة أمامه”، إذ أن الإيمان والوعي يفتحان آفاقًا جديدة أمام أبناء الأمة.
كما أوضح الشهيد القائد بقوله: “إذا ما عززنا البصيرة والوعي في نفوسنا، فإنها اللحظة الإيجابية لأن يقف الله سبحانه وتعالى معنا”، مؤكدًا أنه لا يجب على أحد أن يشعر باليأس أو بالعجز.
دعوته للعودة إلى الدين وتحقيق الوعي تمثل أساسًا لتحول الأمة إلى سيدة الميادين، حيث أكد في أكثر من موضوع بقوله: “سيصبحون هم سادة الدنيا، وسيفكر الآخرون باللحاق بهم”.
إن تعزيز الهوية الإيمانية والوعي الجماعي يمكن أن يكون مفتاحًا للخروج من التبعية والهيمنة، وبذلك يستطيع أبناء الأمة استعادة مواقفهم وتحقيق الهدف المنشود. وعليه، فإن هذه النظرة التحليلية الذي تسديها إلينا إضاءات الشهيد القائد، رضوان الله عليه، ترسم صورة واضحة عن القوى المسيطرة على الإعلام والسوق العالمية وتظهر تأثيرها السلبي على الدول العربية، وعلى وجه الخصوص اليمن. فالإعلام الذي تمتلكه هذه القوى هو وسيلة للسيطرة على العقول وتحويل المجتمعات من الإنتاج إلى الاستهلاك، مما أثر بشكل كبير على الهوية الاقتصادية والاجتماعية لليمنيين.
كما تشير هذه الإضاءات من محاضرات الشهيد القائد، رضوان الله عليه، إلى أهمية العودة إلى الاستقلالية الاقتصادية وتعزيز الإنتاج المحلي، خاصة بعد ثورة 21 سبتمبر 2014 والتي تسعى لإعادة تعزيز مكانة اليمن. من خلال نشر الوعي وإعادة توجيه المجتمعات المحلية في الريف والحضر نحو قيم الإنتاج والاكتفاء الذاتي، يمكن تجاوز هيمنة القوى الخارجية.
الشهيد القائد يتناول هذا الموضوع بنظرة قرآنية، ويشدد على ضرورة العودة إلى الدين والهوية التي تضمن للشعوب مكانتها ومكانتها في العالم. ويشير إلى أن الوضع الراهن هو نتيجة لسخط الله، وأنه لا يمكن تحقيق النصر إلا من خلال العودة للهوية الإسلامية وتعزيز البصيرة والوعي بتثقيف الناس حول طبيعة القوى المسيطرة وكيفية تأثيرها على حياتهم اليومية.
إن التحفيز على الإنتاج المحلي، يتطلب دعم المشاريع الصغيرة والأصغر والأسر المنتجة وتحفيز الإنتاج المحلي لتحسين الاكتفاء الذاتي، وذلك من خلال إعادة بناء الهوية الثقافية وتوجيه الجهود نحو تعزيز القيم والثقافة المحلية لمواجهة الثقافات المستوردة المغلوطة، والاستفادة من الأطروحات العلمية المتوافقة على أصول الهوية الإيمانية والثقافة القرآنية، وتطبيق الفهم القرآني من خلال استخدام النصوص القرآنية كمرجعية لحل القضايا الاجتماعية والاقتصادية.
دور الإعلام
كان الشهيد القائد (رضوان الله عليه) يتابع الأحداث ويحلل حالة الأمة، مشيراً إلى ما يعانيه العرب والمسلمون من ضياع وغياب الهوية في ظل هيمنة العدو الذي يمتلك قدرات إعلامية هائلة تساهم في تغيير مفاهيم الناس.
إذ أكد أن وسائل الإعلام والثقافة تستخدم لخلق ولاءات وعداوات، وهي كذلك من استطاعت أن تعيد إنتاج قناعات المجتمعات العربية بتحويلها من شعوب منتجة تأكل مما تزرع وتلبس مما تصنع إلى شعوب مستهلكة لمنتجات المصانع والشركات, وحتى المزارع في أمريكا وبريطانيا وغيرهما من دول الاحتكار الرأسمالي.
وفي محاضراته، أوضح أن الأمم تواجه صراعًا جادًا جعلها تابعة لدول الاستكبار العالمي، وأن الواقع الحالي يعكس سخط الله بسبب إهمال الدين وترك الهوية, ودعا إلى العودة إلى الدين ليتحقق العز والكرامة، مؤكدًا ضرورة تعزيز الوعي والبصيرة لمواجهة التحديات. ومن أجل التغلب على هذه الوضعية، أكد الشهيد القائد (رضوان الله عليه) على أهمية بناء الوعي والبصيرة، ليتمكن الناس من رؤية مجالات العمل المتاحة لهم، مؤكدًا في أكثر من محاضرة أن العودة للدين هي السبيل الوحيد للنهوض بكرامة الأمة واستعادة هويتها, وأن رفع مستوى الإنتاج المحلي هو الخطوة العملية التي يجب على اليمنيين أن يخطوها نحو الاستقلال الاقتصادي.
ومن وهج الإضاءات الربانية إلى ينابيع القول السديد، حيث أشار قائد الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي في الدرس الثامن من وصية الإمام علي لابنه الحسن عليهما السلام، الذي ألقاه في 26 يونيو 2023، إلى أهمية مستوى النشر والتوزيع في هذا الزمان, فقد أوضح (يحفظه الله) أن “مستوى النشر والتوزيع كان لا يزال محدودًا، لكن في هذا العصر، أصبح الانتشار هائلًا جدًّا، حيث يمكن في اللحظة الواحدة نشر المعلومات إلى مختلف البلدان” وهذه القدرة على الوصول إلى مئات الملايين من البشر تعكس أهمية العمل الإعلامي والثقافي في تغيير المفاهيم وتعزيز الهوية بين المجتمعات.
كما أشار إلى “وجود نشاط تثقيفي توعوي واسع جدًّا”، يتيح للقنوات الفضائية ووسائل الإعلام المختلفة تقديم التثقيف الديني والتوجيه، مما يعزز الوعي العام بأهمية الهوية الإسلامية والرد على الفكر الضال.
وفي هذا الإطار، أشار السيد القائد إلى أنواع من الفئات الضالة التي انتشرت مؤخرًا، والتي تتبنى عقائد جديدة تتنافى وروح الإسلام الحنيفية، مما يشدد على الحاجة الملحة لمواجهة هذه الظواهر.
وفي ضوء هذه التحديات، وعند إحياء ذكرى استشهاد الإمام زيد بن علي عليهما السلام، أكد السيد القائد في 12 أغسطس 2023 على أهمية “هذه الفريضة المقدسة: وهي الجهاد في سبيل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى،” على أساسٍ من الوعي والبصيرة.” وأوضح أن التحرك في المجالات المختلفة – سواء كانت سياسية أو إعلامية أو اقتصادية – يتطلب وعيًا ومسؤولية. إذ قال إن “المجتمع مضطر إلى التصدي لأعداء الله الذين يرتكبون الجرائم والاحتلال، وهذا يستدعي تحركًا جهاديًا ثوريًا في كل المجالات.”
وبهذا يتضح أن الوعي الثقافي والفكري، المتمثل في تعزيز الهوية الإيمانية والثقافة القرآنية ومحاربة الأفكار الضآلة، ضرورة ملحة للتصدي للتحديات التي تواجه الأمة. ومن خلال تعزيز هذه الجهود والعمل على تحسين التواصل والإعلام، يمكن تحقيق الأهداف المرجوة في بناء مجتمع قوي وقادر على مواجهة الأعداء اجتماعيًا واقتصاديًا وعسكريًا وسياسيًا وفي جميع المجالات.
منصات إعلامية متخصصة
في السياق، أكد المهندس محمد حسن المداني، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الإدارة والتنمية المحلية والريفية، المدير التنفيذي لمؤسسة بنيان التنموية في عدة (لقاءات مسجلة) بكوكبة من رواد العمل الإعلامي في وسائل الإعلام المحلي -الرسمية والأهلية – أن الاعلام التنموي هو ما يفترض أن تنشأ له منصات إعلامية متخصصة؛ من أجل العمل على تأسيس وتجهيز وسائل إعلام تنموية وطنية تعبر عن قضايا اليمن, وتعزز الإنتاج المحلي والثقافة الإنتاجية اليمنية على المستوى الزراعي والصناعي والحرفي، حيث يعد الإعلام التنموي الجهاز العصبي لعملية التنمية، ويرتكز دوره الأساسي في إشراك المجتمع والأفراد والمؤسسات في جميع عمليات التنمية، لتحويل المجتمع إلى كيان مساند للعملية التنموية والتغيير, ويتم ذلك باستخدام أدوات المعرفة والوعي، التي تعزز من ثقافة التفاعل والتعاون بين جميع المكونات المجتمعية.
الإعلام هو الوسيلة الأنجح لتعريف الجمهور والمجتمع ككل بخطوات رائدة للدولة في مجال الاستدامة. فهو لا يكتفي بتقديم المعلومات، بل يعمل أيضًا على زرع الوعي بمتطلبات الاستدامة، وتأسيس فكر مستدام يمكّن المجتمعات من السير على خطى التنمية التي تلبي احتياجات العصر, من دون الإضرار بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها من المصادر الطبيعية, وبالتالي، يمكن القول: إن وسائل الإعلام تعمل كأدوات للتدعيم والتعزيز أكثر منها للتغيير، حيث تقوم بدور كبير في تحقيق أهداف التنمية المستدامة بشكل يكمل الجهود المبذولة في هذا الإطار, ويسرّع من تحقيق الأهداف والتطلعات في جميع فروع التنمية، سواء كانت اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية.
وأضاف “إن قدرة الإعلام التنموي على خلق آراء حول الموضوعات والقضايا, وإدراك أبعاد جديدة للرؤية الطموحة لبناء مجتمع معرفي مزدهر، تحقق معايير الاستدامة في مختلف المجالات, وتقوم وسائل الإعلام بتوظيف أسلوب يوائم بين تقديم الخدمات ومتطلبات التنمية، فضلاً عن المساهمة الفعالة في تفعيل المشاركة المجتمعية الواسعة في التنمية في المرحلة الحالية والمستقبلية”.
وتابع “ورغم التحديات، تمتلك بلادنا ثروات وخيرات لا تزال ركودًا ونائمة. لكن مع وجود القيادة الحكيمة التي أبدت استعدادها لتحريك وإدارة واستغلال الموارد التنموية، يمكن تحقيق الاستدامة والأمن الغذائي، بالإضافة إلى الاكتفاء الذاتي على جميع الأصعدة والمجالات الحيوية والتنموية. يتطلب ذلك استخدام الأساليب المتاحة من الوسائل الإعلامية، والاستفادة من العقول المنيرة والكوادر البشرية القادرة على رفع مستوى القدرة التنموية إلى أعلى مستوى ممكن، مما يسهم في بناء مجتمع أكثر ازدهارًا واستدامة”.
محذرًا “العامل الخارجي لطالما سعى إلى وضع استراتيجيات حربية تسعى لحصر عجلة التنمية، وإبعادها عن أجواء الإعلام، رغم أن الإعلام يلعب دورًا حساسًا في تلخيص وبلورة الأفكار، وإيصالها إلى شرائح المجتمع بطرق يفهمونها، مما يسهم في إدارة عجلة التنمية, باعتبار المجتمع اللبنة الأساسية في تسارع ونمو عمليات التنمية من خلال التوعية والإرشاد الإعلامي”.
مسؤولية الإعلام في تعزيز النهضة التنموية
الجدير بالذكر أن الإعلام التنموي بدأ في النهوض بعد فترة من الركود الذي كان يعاني منه في السابق، حيث كان دوره مهمشًا ومقتصرًا على سياسات خاصة لا يمكن له تجاوزها، بسبب الأجندات والسياسات الخارجية التي فرضت قيودًا على الإعلام التنموي. هذه القيود كانت تعيق إنارة الفكر ودعم وتشجيع مسار التنمية، مما جعل تحقيق تنمية مستدامة وتطور ملحوظ في المجالات الاقتصادية والتربوية والسياسية مهمة صعبة.
من جهتهما، أوضح الإعلامي أحمد المالكي، مسؤول الصفحة الاقتصادية بصحيفة الثورة، والإعلامي محمد صالح حاتم، مدير تحرير صحيفة اليمن الزراعية, أن الإعلام التنموي اليوم بات يلعب دورًا هامًا في كافة المجالات، ولا سيما في المجال التنموي، الذي يعد بالغ الأهمية حيث يمثل بين 50% إلى 70% من الأنشطة التنموية. أصبح العالم اليوم قرية صغيرة، ما يزيد من مسؤولية الإعلام في تعزيز النهضة التنموية من خلال التوعية التي تتوزع على ثلاث مسارات رئيسية: التوعية في الجانب الحكومي، التوعية المجتمعية، والتوعية للقطاع الخاص ورجال الأعمال.
هذه الأدوار تتطلب من الإعلاميين العمل بجدية لتشجيع الإنتاج المحلي وتحقيق الاكتفاء الذاتي، فضلاً عن إبراز أهمية الأمن الغذائي وتنمية المجتمع المحلي من خلال تفعيل المشاركة المجتمعية الواسعة في التنمية والتحفيز على حشد الطاقات والإمكانيات والقدرات نحو مسارات تعزيز العمل التنموي في المجالات الزراعية والصناعية والتسويقية.
وأشار المالكي وحاتم إلى أن وسائل الاعلام تٌشكل وعيًا متناغمًا ومتجانسًا بين الحكومة والمجتمعات والقطاع الخاص، حيث تبرز أهميتها في المشاركة والتعاون لتحقيق نهضة تنموية شاملة. مشددًا على أن من المهم توثيق ونقل المعارف التنموية القديمة والحديثة في كافة المجالات، وخاصة في المجال الزراعي والتصنيع الغذائي وإبراز مواهب الإبداع والابتكار في كافة المسارات التنموية.
ونوها بأن حوالي 70% من السكان في اليمن يعملون في هذا القطاع الزراعي. وأن بلادنا اليمن حققت في الماضي الاكتفاء الذاتي، بل وكانت تصدر فائضًا كبيرًا من إنتاج من البن والحبوب والعسل والفواكه والخضروات والمكسرات وغيرها, وليس من المستحيل أن يتم تحقيق ذلك اليوم، خاصة مع وجود التقنيات الحديثة التي تعمل على زيادة الإنتاج وتقليل التكاليف.
مشيرَين إلى أن من بين التحديات التي تواجه المزارعين اليوم هي مشكلات التسويق والتوزيع للمنتجات، مؤكدَين “هنا يأتي دور الإعلام التنموي في تحقيق التوازن والتوزيع العادل في كافة المناطق والمحافظات، بالإضافة إلى القيام بدور الإرشاد اللازم في جميع الصعد الكفيلة بغرس ثقافة تفضيل المنتج المحلي على سواه من المنتجات الأجنبية”.
تغيير الأحداث وقلب الطاولة عبر الوسائط المختلفة
يحتل الإعلام أهمية كبيرة في نشر الوعي والإسهام في التنمية، فمنذ بدء الثورة التنموية برز الدور الإعلامي الكبير في تحديد المسارات وتوجيه الجهود وتغيير الأفكار وإيصال المعلومات بسهولة, وحسب الإعلامي التنموي رشاد الفضيل، تمكن الإعلام اليوم من تغيير الأحداث وقلب الطاولة عبر الوسائط المختلفة، سواء كانت مرئية أو مسموعة أو مقروءة أو من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.
وأشار الإعلامي الفضيل إلى أن العمل التنموي في العقود الماضية كان مهملًا، وكانت الأفكار بعيدة عن تشجيع الإنتاج المحلي، حيث كان الاعتماد على الاستيراد هو القاعدة لتلبية الاحتياجات الأساسية.
مع انطلاق الثورة المباركة في 21 سبتمبر، أصبح التوجه نحو التنمية الشاملة في جميع المجالات أمرًا حيويًا, وخرجت البلاد بخطوط رئيسية لهذه السياسة الاقتصادية، حيث تم التخلي عن دور المؤسسات والمنظمات التقليدية، وهنا جاء الدور الجوهري للإعلام التنموي الذي بدأ بتغيير أفكار المجتمع وإحياء العادات التعاونية اليمنية القديمة.
البداية في العام 2016
أما الإعلامي عبدالكريم صورج مدير الإعلام بمؤسسة بنيان التنموي، فقد أوضح أن معظم الوسائل الإعلامية عززت من نشاطها في تغيير الوضع التنموي والإنتاجي، وبدأت في توعية الناس بأهمية العمل التنموي من خلال التعاون الجماعي والمشاركة المجتمعية منذ العام 2016، مشيرًا إلى أن من بين الوسائل الهامة التي ساهمت في إنعاش الإعلام التنموي كانت إذاعة صنعاء، وإذاعة سام، وصوت الشعب، وقناة سبأ، وقناة الإيمان، بالإضافة إلى المداخلات في قناة اليمن والمسيرة. فبفضل الله ثم بفضل القيادة الحكيمة، وصل الإعلام التنموي إلى نقطة الانطلاق الرئيسية وبدأت مرحلة تنموية قوية.
وفي سياق متصل، يؤكد المهندس جمال مطهر، إعلامي متخصص في الشأن الزراعي، ونموذج يتجسد فيه العمل التنموي الإعلامي، على أهمية الدور الإرشادي في توجيه المزارعين بأساليب زراعية صحيحة، وكيف ينبغي الاستفادة من برنامج الحكيم اليماني, ومؤلفات القاضي يحيى العنسي، وكذلك الاستعانة بخبراء في مجالات التعليم والزراعة, ودعا أيضًا إلى ضرورة إشراك القطاع الخاص في تطوير المنتجات وإدخال الصناعات الغذائية والتحويلية، مؤكدًا على أن أي برنامج زراعي إرشادي يجب أن يشرف عليه مهندسون زراعيون مؤهلون.
مشيرًا إلى أن هذه الأمثلة توضح كيف يمكن للإعلام التنموي أن يكون رافدًا مهمًا في التوعية والتثقيف، واستسقاء المعلومات من مصادرها الصحيحة، ما يسهم في بناء مجتمع وطني يعتمد على نفسه ويستثمر موارده بشكل فعّال, وفي النهاية، تحتاج جهود التنمية إلى تضافر جميع الجهود من جميع الجهات المعنية، مع الاعتماد على الإعلام كحلقة وصل فاعلة في هذا السياق.
أخيرًا،
في ختام تقريرنا حول الإعلام التنموي، يتضح أن هذا الميدان يشكل عنصرًا حيويًا ومؤثرًا في مسارات التنمية المستدامة. فقد برزت أهمية الإعلام في توعية المجتمعات وتعزيز الفكر التنموي، مما يدعم الجهود الحكومية والمجتمعية لتبني ممارسات جديدة تهدف إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي وتعزيز الإنتاج المحلي.
كما أكدت الأبحاث والدراسات أن الإعلام التنموي يعزز من تفاعل المجتمع مع القضايا التنموية من خلال نشر المعلومات الدقيقة والمشجعة، مما يسهم في تغيير العقلية الجماهيرية نحو المبادرات التنموية ويحفز على التعاون والمشاركة, وبهذا يلعب الإعلام دورًا كبيرًا في بناء مناخ إيجابي يشجع على الابتكار والاستثمار في الموارد المحلية.
إضافةً إلى ذلك، يجب الاستمرار في تطوير أدوات الإعلام والتوعية، ورفع مستوى الوعي بالتحديات والفرص المتاحة، لتلبية احتياجات المجتمعات المتزايدة. وعليه، تجدر النصيحة بالاستمرار في الدعم وتبني استراتيجيات إعلامية فعالة، تجذب اهتمام الفئات المختلفة من المجتمع، وتساهم في تحقيق الأهداف التنموية المنشودة.
إن الإعلام التنموي، بما يمتلكه من قدرة على التأثير والتغيير، يعد أحد الركائز الأساسية نحو تحقيق التنمية المستدامة، مما يستدعي تكاتف الجهود من جميع المعنيين لتحقيق النتائج المرجوة وبناء مستقبل أفضل للأجيال القادمة.
—-
(*) الإضاءات مقتبسة من (قراءة الشهيد القائد لواقع الإعلام العربي..إمكانيات كبيرة وفشل ذريع في صناعة رأي عام عالمي ضد إسرائيل) – نشرها موقع أنصار الله في يناير 19, 2021