صمود وانتصار

قراءه في العقيدة النووية الروسية المحدثة ..

كامل المعمري |
في خطوة لافتة تُمثل تحولا في الاستراتيجية الدفاعية الروسية، أقر الرئيس فلاديمير بوتين العقيدة النووية المحدثة التي تهدف إلى تعزيز قدرات الردع النووي لروسيا في ظل الدعم الامريكي والغربي لأوكرانيا وامدادها بصواريخ بعيده المدى وسماح ادارة بايدين لكييف باستخدام هذه الاسلحة لضرب العمق الروسي العقيدة الجديدة تُعد بمثابة إعادة تقييم شاملة للأوضاع الجيوسياسية الحالية،حيث تأخذ في اعتبارها التهديدات المتزايدة من القوى الغربية وحلفائها، وتُعلن عن استعداد روسيا لاستخدام أسلحتها النووية كوسيلة ردع في حالة تهديد وجودي.

المرسوم الذي صدر في 19 نوفمبر 2024 جاء ليؤكد الطابع الدفاعي للسياسة النووية الروسية، وهو ما يختلف عن التوجهات الهجومية التي قد تُفسر في بعض الأحيان بشكل خاطئ.

العقيدة تُؤكد أن استخدام الأسلحة النووية سيكون في إطار سياسة الردع، وهي خطوة يُنظر إليها باعتبارها إجراء أخيرا وحتميا في مواجهة تهديدات خطيرة. وبذلك، تعكس روسيا موقفا حذرا، حيث تضع خطا أحمر واضحا في مواجهة التهديدات المباشرة ضد سيادتها، وهو ما يعكس تفاعلها مع التوترات العالمية وتزايد الدعم الغربي لأوكرانيا.

أحد أبرز عناصر العقيدة الجديدة هو الاعتراف بأن أي عدوان على روسيا أو حلفائها من قبل دولة غير نووية، إذا كان مدعوما من دولة نووية، سيُعتبر تهديدا مشتركا مما يعكس تحولا استراتيجيًا في كيفية النظر إلى التحالفات العسكرية.

في هذا السياق، تُظهر العقيدة استشعارا دقيقا للتحولات في توازن القوى الدولية، لا سيما في ضوء دعم الولايات المتحدة وحلفائها لأوكرانيا، وهو ما قد يُنظر إليه في موسكو كتصعيد يؤدي إلى توريط روسيا في مواجهة مباشرة مع القوى الغربية.

العقيدة تعزز أيضا مبدأ “الردع الاستراتيجي”، حيث تُبقي على حالة من الغموض بشأن كيفية وحجم الرد النووي، وهو ما يهدف إلى بث حالة من الشك وعدم اليقين لدى أي خصم محتمل، مما يعزز قدرة روسيا على استخدام الردع النووي بشكل فعال.

مثل هذا المبدأ يعكس فهما عميقا لمبادئ القوة العسكرية، حيث يُعتبر إبقاء الخصوم في حالة ترقب حيال الإجراءات الروسية خطوة مهمة لتجنب التصعيد. أيضا، توضح العقيدة موقف روسيا من التحالفات العسكرية وتوضّح كيف يمكن أن يتوسع نطاق الرد النووي ليشمل أي تهديد من التحالفات العسكرية ضد روسيا أو حلفائها.

مما يعني أن الرد الروسي لن يقتصر فقط على الطرف المباشر المهاجم، بل سيمتد ليشمل الحلفاء العسكريين الذين يدعمون العدوان، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى تصعيد إقليمي أو عالمي في حال استخدام الأسلحة النووية.

وتؤكد العقيدة الجديدة على أهمية الحفاظ على الجاهزية الدائمة للقوات النووية، وهو مبدأ أساسي في الردع النووي الروسي وفي هذا الإطار، تتفهم موسكو تمامًا أهمية الاستعداد الفوري لاستخدام الأسلحة النووية في حال تفاقمت الأوضاع إلى مستوى يهدد الأمن القومي.

كما تركز العقيدة على ضرورة التحكم المركزي في الأسلحة النووية، بما في ذلك الأسلحة المتمركزة خارج الحدود الروسية، مما يعكس الحاجة إلى تكامل استراتيجي في القدرة على الرد السريع والفعّال على أي تهديد نووي.

موسكو تدرك تماما المخاطر التي قد تترتب على أي تصعيد نووي، لذا فإن التوجه نحو سياسة الردع النووي يهدف إلى إرسال رسالة قوية للعالم مفادها أن أي محاولة لتهديد روسيا أو حلفائها باستخدام القوة التقليدية أو النووية ستقابل برد فعل قاسي.

بالتالي، فإن روسيا تبدو جادة في تعزيز قدرتها على الردع النووي كجزء من استراتيجيتها الدفاعية، لكنها في الوقت ذاته تستخدم هذه العقيدة كأداة ضغط للتأكيد على أن أي تدخل غربي قد يؤدي إلى تداعيات غير مقبولة.

العقيدة النووية الجديدة هي بمثابة تحذير ضمني، يوجه رسالة إلى القوى الدولية بأن موسكو لن تتردد في الدفاع عن مصالحها بكل الوسائل المتاحة، لكنها في نفس الوقت تأمل في تجنب التصعيد النووي الذي قد يكون مدمرا للجميع. -صحفي متخصص في الشأن العسكري