العالم بين خيارين.. تحقيق العدالة أو هيمنة الأشرار
إبراهيم يحيى الديلمي
وأخيرًا وبعد عام ونيف من مسلسل جرائم الإبادة الجماعية المتواصل حتى يومنا هذا، بحق مواطني قطاع غزة المظلوم والمحاصر، والذي ينفذه جيش الكيان المؤقت الإسرائيلي المحتل بدعم أمريكي وغربي لا محدود ولا متناهي، وتواطؤ عربي مفضوح، على مرأى ومسمع من العالم أجمع، أصدرت محكمة الجنايات الدولية يومنا هذا الخميس الموافق 21 نوفمبر 2024 مذكرتي اعتقال للإرهابيين نتنياهو وغالانت بتهم جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
ومع أن قرار إصدار هاتين المذكرتين قد جاء في وقت متأخر إلا أنه يحسب لمحكمة الجنايات الدولية، وإن كان قد تأخر فذلك لأسباب تعود للمحكمة، وصدوره اليوم كان أفضل من أن لا يأتي نهائيًا، كونه صدر من محكمة تقع في نطاق جغرافي غربي، يتمتع كيان العدو الإسرائيلي بدعم معظم الأنظمة الواقعة فيه، وبالتالي فقد كان صدوره حسب التصور الفلسطيني والعربي المناهض والمواجه للعدو الإسرائيلي أشبه بالمستحيل.
وبطبيعة الحال فإن هاتين المذكرتين الصادرتين اليوم من الجنايات الدولية، لا تقبلان الطعن أو الاستئناف فيهما أو أيا من ذلك، كون محكمة الجنايات الدولية قد أعطت للدول الرافضة لهذا القرار أو التي ترغب في الطعن فيه، المدة الكافية التي تزيد على ستة أشهر لتقديم كل دفوعها واعتراضاتها عليه، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى أن الجنايات الدولية لم يسبق لها في تأريخها أن تراجعت عن أي قرار من قرارتها التي اتخذتها منذ إنشائها وإلى اليوم، وبالتالي فقرارها اليوم يعدُ باتا ونهائيا غير قابل للطعن بأي حال من الأحوال.
خلفية إصدار القرار:
يقول تراستينو مارينلو أستاذ القانون الدولي في جامعة ليفربول وعضو الفريق القانوني لضحايا الحرب في غزة أمام محكمة الجنايات الدولية في مداخلةٍ له على قناة الجزيرة القطرية، معلقا على إصدار الجنايات الدولية لقرار الاعتقال: إن صدور هذا القرار كان متوقعا لأن الجرائم التي أصدرت بشأنها مذكرتي اعتقال نتنياهو وغالانت، جرائم موثقة بشكل واسع إضافة إلى الكثير من الأدلة التي تثبت مسؤولية نتنياهو وغالانت عن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وأضاف أن هذا القرار تاريخي وأنها المرة الأولى في تأريخ محكمة الجنايات الدولية التي تصدر فيه قرار مذكرة اعتقال ضد مواطنين إسرائيليين دائما ما تمتعوا بالفرار من العقوبة.
مسؤولية تنفيذ القرار:
مع استمرار الولايات المتحدة الأمريكية والغرب ككل في دعمهم المطلق والمتحيز لربيبتهم اللقيطة إسرائيل، واستخدام الولايات المتحدة منذ عدة أيام خلت لحق النقض الفيتو بغية منع أي محاولة لاستصدار قرار دولي ينص على وقف ملزم لسفك دماء الغزاويين، ومع استمرار حالة صمت وتخاذل الأنظمة العربية التابعة لأمريكا، يبدو جليا أن إمكانية تنفيذ قرار محكمة الجنايات الدولية ليست ممكنة في الوقت الحالي لعدة أسباب سياسية من ضمنها: حالة الارتباط الوثيق لكل الدول الأوروبية الأعضاء في محكمة الجنايات الدولية بالكيان الصهيوني المجرم، ولأن تلك الدول كما يقول السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي (يحفظه الله) هي من أتباع الصهيونية المتوحشة الإجرامية، وبالتالي فحديثها عن الحرية وحقوق الإنسان والحضارة هو عناوين براقة ومخادعة.
أيضا لأن الصهيونية كما قال السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي (يحفظه الله) في خطابه اليوم تعتبر مشروعا عالميا تؤمن به تلك الدول، ما يعني استحالة قيامها بتنفيذ القرار إلا إذا قوبلت بضغط عربي ودولي حازم وكبير، وهذ أيضًا من تاسع المستحيلات، ومع كل ذلك فالمعلوم أن المسؤولية القانونية لتنفيذ هذا القرار تقع على كاهل كل الدول التي صادقت على نظام روما الأساسي (نظام محكمة الجنايات الدولية) بما فيها كل دول الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى 125 دولة عضو في المحكمة صادقت على ذلك النظام، الأمر الذي يعني أن كل تلك الدول باتت ملزمة باعتقال نتنياهو وغالانت إذا ما سافرا إليها وإرسالهما إلى لاهاي.
رد الفعل العربي تجاه القرار:
تثبت الأنظمة العربية سواءً العملية للغرب وأمريكا أو المطبعة مع كيان العدو الإسرائيلي أو كليهما معا، عدم جدوايتها في اتخاذ المواقف السليمة والمنسجمة مع إرادة شعوبها، وانسلاخها المخزي والمفضوح عن كل الأحداث المؤلمة التي تمر بها فلسطين ككل وغزة بشكل خاص، حيث أنها مازالت تقف منذ أول أيام طوفان الأقصى موقف الساكت الذي لا يعني اليوم إلا موقف المؤيد والمتواطئ في الخفاء مع العدو في كل ما يمارسه ويرتكبه من جرائم وفظائع يندى لها جبين الإنسانية، سواءً أكان ذلك في غزة المكلومة أو في لبنان الحبيب.
ولعل أكبر ما يدلل على صدقية السردية الخاصة بحقيقة مواقف معظم الأنظمة العربية المتخاذلة، وتخلفها عن سبق إصرارٍ في نصرة القضية الفلسطينية ولبنان، هو ذلك الصمت المريب لهذه الأنظمة القبيحة أمام قرار الجنايات الدولية، حيث كان يتوجب عليها على أقل تقدير وباعتبارها دول وأنظمة عربية تربطها بفلسطين صلة الأخوة والعروبة، القيام بواجبها المفروض عليها، والمتمثل في إصدار بيانات الترحيب والإشادة بهذا القرار، ودعوة كل دول العالم إلى القيام بواجبها الإنساني والأخلاقي تجاهه، وذلك بتنفيذه خدمةً للعدالة، ناهيك عن دعوتها إلى رفع حالة الاستعداد والجهوزية لاعتقال هذين المجرمين الإرهابيين، وليس اتخاذ موقف الصمت وكفى.
وختامًا فإنه يتوجب على كل دول العالم اليوم، وخاصة التي تتعامل مع العدو الصهيوني المجرم أن تعي جيدًا حقيقة هذا الكيان الإرهابي، وأن تدرك أهمية قيامها بواجبها الأخلاقي والإنساني والقانوني في مواجهته بما يخدم تحقيق العدالة وانتصارا للحق والقضايا الإنسانية التي لا مجال لنكرانها والتغطية عليها استجابة لأي مصالح سياسية، وإلا كانت شريكة لذلك الكيان اللقيط والمجرم في إجرامه، وكان بديل هذا الخيار كما قال السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي (يحفظه الله) في خطابه اليوم هو هيمنة الأشرار واستكبارهم على العالم.