الوعد والوعيد يبدأ من الدنيا وينتهي في الآخرة
الصمود| من هدي القرآن الكريم |
كل نفس لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت، كل إنسان يصدر منه عمل {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} (الزلزلة7 ـ8) آثار الأعمال، آثار عملك كإنسان كفرد، آثار عمل الأمة، آثار عمل المجتمع أي مجتمع كان، عمل الإنسان كإنسان، وعمل المجتمع كمجتمع، عمل الأمة كأمة كله مرصود، وكله له آثاره هنا في الدنيا، له عواقبه هنا في الدنيا، كما له آثاره الطيبة أو عواقبه الوخيمة في الآخرة أيضاً.
نحن نقرأ في كتاب الله الكريم: قصة أبينا آدم ـ أول إنسان ـ أكل من شجرة نهاه الله عنها، فلم يسلم من آثار مخالفته لنهي الله، أكل منها فشقي هو وزوجته، وأُخرجا من الجنة، ونُزعت عنهما ملابسهما، وقال الله لهما: {أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ}(الأعراف: من الآية22) أكل من شجرة نهاه الله عنها فناله في الدنيا آثار مخالفته لنهي الله، عمله ذلك الذي يبدو عملاً بسيطاً، أكل من شجرة يقال: إنها شجرة البر، أو شجرة العنب، أو شجرة التين، فشقي.
تكررت هذه القصة في القرآن الكريم كثيراً، ويقال أيضاً: إنها تكررت في كتب الله القديمة أيضاً؛ لأن فيها عبرة مهمة، فيها درس عظيم لنا ـ نحن بنو آدم ـ أن نعرف أن كل أعمالنا هنا في الدنيا نحن ننال جزاءها، أو نموذجا من جزاءها، ومن عواقبها الوخيمة هنا في الدنيا قبل الآخرة، وهذا هو الشيء الطبيعي، وهو الشيء الصحيح.
الله الذي خلق الإنسان وهو يعلم أن الإنسان يخاف من العاجل أكثر مما يخاف من الآجل، ويحب العاجل أكثر مما يحب الآجل {كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ} (القيامة:21).من الطبيعي: أن الله سبحانه وتعالى الذي عمل كل شيء من أجل أن يدفع بهذا الإنسان إلى صراطه المستقيم، أن يجعل هنا في الدنيا وعداً ووعيداً.
إذا كان الإنسان هو ممن يحب العاجلة فإن الله أيضاً يعجل جزاءً طيباً لأعماله الصالحة هنا في الدنيا، إضافة إلى ما وعده به في الآخرة من النعيم والجزاء العظيم، وهو أيضاً ينيله عقوبة أعماله هنا في الدنيا؛ ليخاف من المعصية، ليخاف من التقصير، ليخاف من التفريط، كما أنال أبانا آدم عاقبة أكله من تلك الشجرة.
أوليست معصية تبدو بسيطة؟ تاب عليه فيما يتعلق بالإثم، فيما يتعلق بالجزاء الأخروي، لكن كان لا بد أن ينال جزاءه فيما يتعلق بالأثر لمعصيته في هذه الدنيا؛ ليفهم أبناؤه: أن كل معصية تصدر منهم سواء من الفرد، أو معصية مجتمع، أو معصية أمة، المعاصي تختلف: هناك معاصي لأفراد، ومعصية مجتمع بأكمله، ومعصية أمة. ويقال: أنه أيضاً هكذا يكون الحساب يوم القيامة يحاسب الناس كأفراد، ثم يحاسبون كمجاميع، ويحاسبون كأمم {يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ}(الإسراء: من الآية71) بقائدهم الذي كانوا يعتزون إليه في الدنيا، يا أتباع فلان، يا أصحاب فلان.
قضية مهمة جداً: أن نعرف أن هناك وعداً ووعيداً في الدنيا، إضافة إلى الوعد والوعيد في الآخرة، وكما أسلفت في أثناء درس من الدروس: أن جهلنا بهذه النقطة، جهلنا بأن هناك وعيداً على كل عمل نقترفه، على كل طاعة نقصر فيها، على كل واجب نفرط فيه، على كل أمر إلهي لا نستجيب له، أن هناك وعيداً.
تقصيرنا في فهمنا لهذه القضية هو ما جعلنا نجهل وضعيتنا التي نحن فيها؛ لنعرف أن ما نحن فيه هو عقوبة لتفريط حَدَثَ منا، لتفريط حصل منا فيما يتعلق بأوامر الله سبحانه وتعالى، جَهِلْنَا هذا حتى آل الأمر إلى أن أصبحنا نتعبد الله سبحانه وتعالى بالبقاء على وضعية هي في واقعها عقوبة! والعقوبة أساساً هي للازدجار، ليرتدع الإنسان، ليخاف.
فلماذا نظل في حالة هي عقوبة على تفريطنا؟! ثم نقول لأنفسنا: هكذا حال الدنيا! الدنيا هكذا يكون حالها، يكون فيها بلاوي مصائب، وأهل الحق يكونون هكذا مستضعفين، مستذلين، مساكين، وهكذا. فنحمِّل المسؤولية الله، أو نحمل المسؤولية الدنيا!.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
من ملزمة معرفة الله وعده ووعيده الدرس الرابع عشر
ألقاها السيد/حسين بدرالدين الحوثي
بتاريخ 6/2/2002 م
اليمن – صعدة