عملية القوات المسلحة اليمنية في “يفنة” بأسدود.. الرسائل والدلالات
جدَّدَت القواتُ المسلحة اليمنية، الاثنين، استهدافَ عمق الكيان الصهيوني في عملية عسكرية نوعية استهدفت هدفًا حيويًّا في منطقة “يفنة” بمغتصبة أسدود الصهيونية.
ويحتاجُ المتأمّل في البيان الصادر عن المتحدِّث باسم القوات المسلحة اليمنية العميد يحيى سريع إلى قراءةٍ متأنية، تأخُذُ في الاعتبار الجوانب الاستراتيجية والتوقيتية والرمزية، والرسائل السياسية والعسكرية التي حملتها هذه العملية المباركة.
ويمكن تناوُلُ هذه العمليةُ في قراءةٍ سريعة من ثلاثة محاور رئيسية:- الأول: يتمثل بالتوقيت، وارتباطها بالوضع القائم في غزة؛ إذ يوضح العميد سريع، أن العملية جاءت كإسنادٍ للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، حَيثُ يشهد القطاع تصعيدًا إسرائيليًّا عنيفًا منذ 14 شهرًا، على مرأى ومسمع العالم أجمع.
فاختيارُ هذا التوقيت يعكسُ رغبةَ القيادة السياسية والعسكرية اليمنية في الدفع نحو توحيد الجبهات العربية ضد كيان العدوّ الإسرائيلي وخلق إحساس بالتضامن والمساندة الإقليمية؛ كون العملية تأتي في ظل اهتمام عالمي غير مسبوق بالصراع القائم في سوريا، وبات الصراع الفلسطيني الصهيوني يشكّل محورًا ثانويًّا في الاهتمام العالمي.
كما أن استغلال هذه اللحظة منح العملية صدى أوسع، وأعاد بُوصلة الاهتمام العالمي إلى ما هو حاصل في غزة، وكرسالةٍ إقليميةٍ ودولية، مفادها أن اليمن، الذي يواجه عدوانًا مُستمرًّا وحصارًا خانقًا منذ عشرة أعوام، يثبت أنه ورغم الضغوط، لديه القدرة على التأثير في موازين القوى الإقليمية، ولن يترك العدوّ الصهيوني ينفرد بعزة بأي شكلٍ من الأشكال.
المحور الثاني في هذه القراءة يتمثل بالهدف الحساس في “يفنة” بمغتصبة “أسدود”، واختيار هذا الهدف يبرز تطورًا في القدرات الاستخباراتية والتكنولوجية للقوات المسلحة اليمنية؛ كون “يفنة” منطقة جنوبية مما يطلق عليها الكيان “تل أبيب الكبرى”، وذات أهميّة استراتيجية لقربها من منشآت حيوية وصناعية داخل الكيان.
وبالتالي فالعملية تشير إلى أن القوات المسلحة اليمنية لم تعد فقط تدافع عن أراضيها، بل بإمْكَانها أن تهاجم أهدافًا خارج حدودها، حتى في العمق الإسرائيلي، وهذا من جهة يعزز من قوة الردع اليمنية التي تسعى لبنائها، ومن جهة أُخرى فأي هجوم دائمًا ما يُظهِرُ هشاشة الأمن الإسرائيلي ويترك تأثيرًا كَبيرًا على جبهته الداخلية، ويزيد من الضغوط السياسية على حكومة المجرم “نتنياهو”.
العميد سريع في بيانه، وفي إطار المحور الثالث، ذكر أن الطائرة الانقضاضية اليمنية أصابت هدفها بدقة؛ ما يعكس تطورًا كَبيرًا في قدرات الطيران المسيّر اليمني، خُصُوصًا في مجالات الملاحة الدقيقة والاتصالات بعيدة المدى، والتحدي التكنولوجي، وفي تحقيق إصابة دقيقة على مسافة كبيرة؛ ما يؤكّـد أن اليمن تجاوز كُـلّ العقبات المعقدة؛ مثل أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية (القبة الحديدية، وثاد الأمريكية) وغيرها.
وهذا الأمر دائمًا ما يثير عاصفة من الأسئلة والمناقشات في الأروقة البحثية وعلى مختلف وسائل الإعلام ومنها الصهيونية، حول التكنولوجيا اليمنية المستخدَمة، وما إذَا كانت محلية الصنع أم حصلت على دعمٍ من حلفائِها، إلا أن نجاحَها لا يعزِّزُ من الروح المعنوية للمقاومة الفلسطينية ومحور المقاومة ككل، فحسب، بل ويقدِّمُ دليلًا عمليًّا على القدرة اليمنية على اختراق التفوُّق العسكري الإسرائيلي والأمريكي والغربي مجتمعًا.
ومن خلال الرؤية الاستراتيجية العامة لهذه العملية تظهر أن اليمن ليس فقط لاعبًا محليًا، بل يمكن أن يؤثر في سياقات إقليمية ودولية أوسع؛ ما يعيد تعريف ما تسميه حكومة الكيان بالتهديد؛ كونها الآن تواجه تهديدات من عدة جبهات، بما في ذلك الجبهة اليمنية البعيدة جغرافيًّا، إلى جانب الاستهداف في البحر؛ ما يفرض على الكيان استنزافًا عسكريًّا وماليًّا أكبر.
وأيضًا؛ حملت هذه العملية رسائل للخصوم الإقليميين، ومنها تلك الدول التي تدعم الكيان بشكلٍ مباشر أَو غير مباشر، خُصُوصًا من دول المنطقة، التي يجب أن ترى في هذه العملية رسالة ضمنية مفادها أن استمرار مواقفها وتخاذلها وعدائها للمقاومة الفلسطينية قد يجعلها عرضة لمواقف مشابهة.
وعليه؛ فَــإنَّ هذه العملية تكشف عن تحولٍ نوعي في الاستراتيجية اليمنية من الدفاع إلى الهجوم كجزءٍ من محور الجهاد والمقاومة، وتعكس تقدمًا ملحوظًا في التكنولوجيا العسكرية اليمنية، التي بات الجميع يدرك أنها محلية الصنع والتشغيل؛ ما يعيد صياغة توازن القوى في المنطقة، والأخذ بعين الاعتبار لكل التحَرّكات المستقبلية ضدها.
المسيرة – عبد القوي السباعي