صمود وانتصار

وضعية الأمة اليوم أسوأ بكثير من وضعية بني إسرائيل نتيجة إعراضها عن دين الله

الصمود| من هدي القرآن الكريم |

يقول الله سبحانه وتعالى أيضا: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}(المائدة:41) أليس هذا وعيدا يبدأ من الدنيا وينتهي بالآخرة على نمط واحد؟ خزي في الدنيا يكون وراءه عذاب عظيم.

{لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ تَرَى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ} (المائدة:80) ألم يسخط عليهم في الدنيا؟ ألم يلعنهم في الدنيا؟ اللعنة في الدنيا ماذا تعني؟ طردا من رحمة الله، ورحمة الله عندما تأتي لتتلمس الكثير الكثير من مظاهرها تجد كم هي خسارة كبيرة جدا عليك أو على أمة من الأمم أن يلعنها الله، طرد من رحمة الله، لم يعد يحظى برحمة من قبل الله، تطرد من عالَم التوفيق والألطاف، من عالم العناية والرعاية الإلهية؛ فتصبح فريسة للشيطان، فريسة للمضلين، تصبح إنسانا شريراً تنطلق كما انطلق الشيطان.
ألم يلعن الله الشيطان بعد تلك المعصية التي اقترفها عندما استكبر عن السجود لآدم؟ بعد أن لُعِن ماذا حصل؟ ألم يتعزز لديه الضلال والإضلال والخبث حتى أصبح شيطاناً لعيناً، رجيماً، أصبح رمزاً للشر، أصبح رمزاً للسوء، أصبح رمزاً للضلال، أصبح رمزا للباطل؛ لأن الله لعنه، وأمة إذا لعنها الله تخذل، وتذل، وتقهر وتهان.

{لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} وما تزال اللعنة قائمة عليهم.. لكن لماذا نراهم هكذا أقوى منا ونرى أنفسنا نحن المسلمين تحت أقدامهم؟ لماذا؟ لأننا لو أتينا إلى دراسة واقعنا نحن، وإلى عظم الجريمة التي ارتكبناها نحن المسلمين لوجدنا أنفسنا أننا قد طردنا أكثر منهم ولعنا أكثر منهم. حقيقة هذه.
هل أن اللعنة رفعت عن بني إسرائيل؟ فلماذا رأينا أنفسنا تحت أقدامهم؟ إلا لأن هذه الأمة فيما اقترفته من جرائم في إعراضها الكبير عن دين الله، في تخليها عن مسؤوليتها وهي آخر الأمم، والمسؤولة عن إصلاح الأمم الأخرى جميعا، عن النهوض بهذا الدين، عن أن تقطع أيدي اليهود والنصارى الذين قد لعنوا.أصبحت وضعية هذه الأمة أسوأ بكثير من وضعية بني إسرائيل التي لعنوا بها فكأن الأمة في لعنة أشد من لعنة بني إسرائيل.

إذا ما غلبك ضعيف فماذا يعني ذلك؟ ألا يعني أنك أضعف منه، إذا ما أذلك ذليل ماذا يعني ذلك؟ أليس هذا يعني أنك أذل منه؟ هكذا.. أو نقول بأن هناك ربما اللعنة قد ارتفعت عن بني إسرائيل؟ هل أن بني إسرائيل اتجهوا إلى الأفضل؟ أم أنهم ازدادوا سوءاً وازدادوا ضلالاً وإضلالاً، وحركة في الدنيا بالإفساد؟ فأصبحوا مستحقين للعنة أكثر وأكثر، لكن وستلعن أمة؛ لأن الله سبحانه وتعالى لم يلعن أشخاصا لألوانهم، أو لأسمائهم، أو لمواقعهم في هذه الدنيا، إنما لأعمالهم فكما لعنت بنو إسرائيل لأعمالهم ستلعن أمة أي أمة كانت، إذا ما اقترفت تلك الأعمال أو أسوأ منها، وستكون اللعنة عليها أشد وأعظم إذا ما اقترفت أعظم مما اقترفه بنو إسرائيل.

تعالوا إلى هذه الآية: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ} أين هم اليهود الذين هم كافرون بالتوراة بأنها ليست من الله أو كافرون بالله كإله؟ هل هناك أحد؟ هم ما يزالون إلى الآن يطبعون التوراة ويهتمون بالتوراة، لكن الكفر ذلك الرفض، الرفض الذي هو موجود لدينا ولديهم، لعنوا لماذا لعنوا على لسان داوود وعيسى بن مريم؟ {ذَلِكَ} وتجد كلمة:{ذَلِكَ} أمامك في كل مقام و{ذَلِكَ} تعني تعليلاً.. لأنهم كذا. والله لا هوادة بينه وبين أحد من عباده.

إذا ما انطلق منك ما استحق به الآخر اللعنة فستُلْعَن كمثله {ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} لعنوا بماذا؟{بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} هل أن الآخرين إذا ما عصوا واعتدوا لن يلعنوا؟ سيلعنون، وإن كانوا من أهل بيت رسول الله سيلعنون، بل الحديث عن بني إسرائيل هو عبرة لأهل البيت أنفسهم، أنهم لا يعتمدون على مسألة أن الله فضلهم في هذه الأمة، فيركنون على هذه وحدها، هو فضّل قبلهم بني إسرائيل، لكن التفضيل إذا ما حصل معه عصيان، إذا ما حصل معه تفريط، إذا ما حصل معه واقع هو في نفس الوقت يعتبر كفراً من حيث أنه رفض لشيء من كتاب الله، مما هو منوط بهم وهم ورثته، فسيلعن أولئك الفضلاء كما لعن أولئك الفضلاء، هذا شيء لا شك فيه ولا هوادة بين الله وبين أحد، وهو الذي يقول هنا:{ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} لأنهم عصوا؛ لأنهم اعتدوا، وإلا فليس لي موقف منهم أن اسمهم [بنو إسرائيل] أو أن اسمهم [يهود] أو أنهم من سكان المنطقة الفلانية، لا.
هو فضلهم هو اصطفاهم، جعل فيهم النبوة والكتاب، والحكمة، والملك، وآتاهم ما لم يؤت أحدا من العالمين. لكن عندما حصل منهم عصيان، وعندما حصل منهم اعتداء، عندما كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه ولا ينهون الآخرين عن منكر يفعلونه، وعندما انطلقوا يتولون الذين كفروا.

هل هنا في واقعنا من هذا النوع أم لا؟ هناك عصيان هناك اعتداء، هناك قعود عن النهي عن المنكر والأمر بالمعروف، هناك تولي للكافرين، هناك تولي للظالمين، أليس هذا الذي هو موجود في الأمة هذه وبشكل ربما أكثر وأسوأ مما هو عند بني إسرائيل، ويعتبر أسوأ اعتباريا أيضا من حيث أن هذه الأمة كان المفترض منها هي أن تنطلق لتصحح وضعيتها، فتكون هي التي تنشر هذا الدين في العالم كله، فكانت المعصية والاعتداء والتولي، بما أنه أيضا قعود عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بما أنه معصية في نفسه هو أيضا معصية من جانب أمة جعلها تتخلى عن مسئوليتها الدينية، وعن مسئوليتها في قيادة الأمم الأخرى، وهداية الأمم الأخرى فكانت الجريمة هنا أكبر، لهذا رأينا أنفسنا ـ نحن كمسلمين ـ تحت أقدام من لعنوا أي: أن واقع هذه الأمة خطير وسيء جداً.
فكيف يقال: بأنه ليس هناك حاجة إلى أن نتحدث عن كيف نعرف وضعيتنا، وكيف نعي واقعنا، وكيف ننطلق إلى أي عمل مهما كان لنعمل على إرضاء ربنا حتى يفك عنا تلك اللعنة التي هي في واقعها أعظم من اللعنة التي وقعت على بني إسرائيل؟! ألا يجدر بنا أن نبحث عن أي عمل كان ولو بشكل صرخة نعلنها وشعار نردده نعبر فيه عن موقف.

[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

دروس من هدي القرآن الكريم

من ملزمة معرفة الله وعده ووعيده الدرس الرابع عشر

‏ألقاها السيد/حسين بدرالدين الحوثي

بتاريخ 6/2/2002 م

اليمن – صعدة