“سهم باشان” خرافة يهودية .. ما حاجة الصهيونية لتبرير أطماعهم ؟!
الصمود||تقرير|| يحيى الشامي
يرد “سهم باشان” في الموروث العقائدي اليهودي كإشارة إلى الأراضي الخصبة والغنية التي تقع شرق نهر الأردن، والتي كانت تُعَدُّ جزءاً مما يسميه اليهود بـ”أرض الميعاد”. حيث جاء في تحريفات اليهود التوراتية في “الكتاب المقدس” أن “باشان” كانت تُعرف بقطعانها الوفيرة، وخصوبتها الفائقة، ووجود غابات كبيرة”، ما جعلها مكاناً مثالياً وهدفا مغرياً لأطماعهم التوسعية، ولأن الأرض بهذا القدر من المثالية فقد حاك اليهود لها خلفية فكرية مستوحاة من أساطير قديمة، وجعلوا منها معتقدا مقدسا، على منوال الطريقة الصهيونية في تقديس الأطماع وتحويلها إلى معتقدات، ومع الوقت تغدو جزءا من موروثهم “الديني” وبالتالي من المسلّمات والحقوق المشروعة “التي لا يجوز التفريط فيها أو التنازل عنها”، ويمكن لخرافة “سهم باشان” أن تقدم لنا مثالا واضحا عن الطريقة التي يحوّل بها اليهود أطماعهم التوسعية إلى “معتقدات دينية”.
“باشان” الأسطورة المناسبة للفرصة السانحة:
تُعد أسطورة -أو خرافة- “سهم باشان” واحدة من رموز الأطماع التوسعية والتطلعات المستقبلية المتجذرة في الفكر اليهودي في تحقيق دولتهم المزعومة. يُنظر إلى هذه الخرافة على أنها تجسيد لما يسمونه “الوعود الإلهية”، في رمزيتها: السهم يرمز إلى القوة والقدرة على السيطرة على الأراضي الخصبة، وإليكم كيف استغل الصهاينة التحولات الناجمة عن سقوط نظام الأسد لتحقيقها:
يسقطُ نظامُ الأسدِ في سوريا على يدِ الجماعاتِ المسلحة، وتسقطُ معه المنطقةُ العازلةُ تحتَ أقدامِ “جيشِ” الاحتلالِ الصهيوني، يدخلُ الجولاني قصرَ الشعبِ في دمشق، وبالتزامن يصعدُ نتنياهو قمةَ جبل الشيخِ دونَ أية مقاومة؛ يُطلُّ منهُ -بعد عقود من الحرب والحرب الباردة- على الشامِ بكلِّها من بيروتَ فدمشقَ حتى عمّان وإن كانت السماء صافية فيمكنه مشاهدة مرتفعات غرب آسيا. يحدث هذا في وقتٍ تطلق فيه ما تسمى هيئةُ تحرير الشام الرصاصَ إلى الهواءِ أو تقتلع بلاط السجون بحثا عما لا وجود له، نتنياهو المتباهي بنصر بارد يطرب في أعلى قمة شامية بنصر بارد بينما يتراقصُ في ساحة الأمويين “ثوار الشام” من طربٍ، يفعلون وسوريا تنقص من أطرافها الجنوبية وتدمر مقدراتها الاستراتيجية.
من قمةِ جبل الشيخِ يستغلُّ الصهاينة فراغ اللحظةِ المصطنع في غفلةٍ من العرب، والصمتِ الدوليِّ فيه ليصادقَ على عمليةِ “سهمِ باشان”، الهادفةِ إلى تدميرِ بنية سوريا العسكرية، فيشنُّ سلاحُ الجو الصهيوني أكبرَ عمليةٍ عسكريةٍ جويةٍ في تاريخهِ: قصفت قرابة 500 هدفٍ في أولِّ 48 ساعةٍ نتج عنها تدمير 85% من الدفاعات الجوية السورية و50% من سلاح الجو السوري علاوة على تدمير القوةِ البحرية السورية بشكلٍ كامل وضرب مخازن صواريخ سكود ومراكز بحوث عسكرية وغيرها بحسبِ صحيفة “يديعوت أحرنوت” العبرية… كي تظلَّ سوريا بلدا آمنا لا يشكلُّ خطرا لكيانِ العدو المحتل.
“سهم باشان” ودلالات التسمية
تسميةُ العمليةِ لم يكن اعتباطيا بل ذا مدلولٍ خرافي متجذر في الفكر اليهودي، يوحي للمنطقةِ الواقعةِ جنوب سوريا، كما يقالُ أيضا -في التحريفات التوراتية- “إنّ ملكَ باشان كانَ اسمُه “عوج” وأصلُهُ من الرفائيين “العمالقة الكنعانيون” وهم شعوبٌ ساميةٌ استوطنت في المنطقةِ قبل 12 قرناً قبلَ الميلاد؛ إذ سقطَ هذا الملك على يدِ بني إسرائيل بقيادةِ النبي موسى عليه السلام فكانت هذه الأرضُ رمزا للقوةِ والثراء”.
ليست هذه المرة الأولى للصهاينة، فقد دأبَ كيانُهم ِعلى إدخال الخرافات التوراتية على عملياتِهِ العسكرية منذُ أكبرِ عملياتِه العسكريةِ على أرضِ فلسطين عام 1948 التي سماها “يوآف”، وهو اسمُ قائدِ جيشِ النبيِّ داود، ثم «عملية قادش» المستوحى من اسمٍ خرافي توراتي لمدينةٍ في سيناء خلال العدوان الثلاثي على مصر عام 1956،
وأطلق العدو أيضا عملية «قوس قزح» عام 2004، عندَ توغُلِهِ في غزة، من دلالةٍ دينيةٍ مستوحاةٍ من قصةِ قوسِ النبي نوح في “التوراة”، مروراً بعمليةِ «عمود السحاب» عامَ 2012، التي تستند إلى سِفرٍ يقول: «خروجُ الربِّ ليسيرَ أمامَ بني إسرائيلَ نهاراً في (عمود سحاب) ليهديهم في الطريق». ودائما ما يُذكِّرُ نتنياهو جيشَهُ حيثُ يقول: “تذكروا ما فعله عماليق بكم”، في إشارة إلى قبيلة العماليق وهم من البدو الرحل سكنوا شبه جزيرة سيناء وجنوبي فلسطين المذكورة في “التوراة”، لتبرير هجماتهم على غزة. وتعني في الثقافةِ اليهودية ذروةَ الشرِّ الجسدي والروحي.
هذه اللمحة التاريخية تؤكد مدى اعتماد الحركة الصهيونية على الخرافات العقائدية للتعبئة وتحشيد صفوف قواتهم، ولشد معنوياتهم، في توظيف مستخف بالقيم السماوية والشرائع الممتدة من دين الله السماوي الواحد.
الصهيونية ضد البشرية:
منذ تأسيسها، عرفت السياسة الإسرائيلية بتوظيفها للأيديولوجيات التاريخية و”الدينية” في تشكيل خطابها الاستيطاني والعسكري، وما جرى مع “سهم باشان” ليست خطوة جزافية أو عودة هامشية لأسطورةٍ تاريخية بقدر ما هي استراتيجية عميقة متأصلة، وتهدف إلى محاولة ربط الحاضر بالماضي وتستحضر من خلالها “الشرعية” وتبرر الإفراط في القوة ضد خصومهم، وجميع أعدائهم ليسوا بشرا وفق معتقدهم هذا.
ويجدر هنا التأكيد على أن الصهيونية تستحضر كل هذه الأساطير والخرافات والعقائد المزيفة في سبيل إقناع الداخل اليهودي وتعبئته، أما المجتمع البشري وكيف ينظر غير اليهود إليهم وإلى سلوكهم الدموي وجرائمهم الوحشية فمسألة لا يكترث الصهاينة إليها، وليست في حساباتهم، ولنا من جرائمهم في غزة ولبنان والتصريحات المصاحبة -التي تَعُدُّ الفلسطينيين وحوشاً- دليل قطعي لا جدال فيه في التعامل مع أعدائهم، وكذلك من طريقة تعاملهم وتعاطيهم مع محكمة العدل الدولية وبعد صدور مذكراتها بحق مجرمي الحرب الصهاينة.