صمود وانتصار

اليمنُ الذي لم يحسبوا حسابَه

اليمنُ الذي لم يحسبوا حسابَه

الصمود ـ بقلم ـ محمود المغربي

أغلب صهاينة الكيان يؤمنون بضرورة إقامة دولة “إسرائيل الكبرى” ويعملون طوالَ الوقت لتحقيقها، وهم يرفضون قرارات الأمم المتحدة بخصوص التقسيم وإقامة دولة فلسطين، وَلا يلتفتون إلى اتّفاق أوسلو الذي أوجد السلطة الفلسطينية، التي أصبحت شرطي حراسة للكيان وتنفّذ الأعمال القذرة في التجسس على المقاومة وتعتقل كُـلّ من يشكل خطراً على آمن الكيان، وتحبط أي عمل مقاوم للاحتلال.

وقد وضعوا سيناريو خبيثاً منذ زمن طويل ويتم تهيئة الأجواء لتنفيذه وينتظرون الوقت المناسب لذلك، وقد وجدوا في المحنة التي تسببت بها عملية 7 أُكتوبر منحةً وفرصةً للشروع في تنفيذ المخطّط، خُصُوصًا أن التفاعل العربي والإسلامي مع العملية كان محبطاً، ولم يستثمر العرب والمسلمون عظمةَ ونتائج العملية التي جعلت الكيان يترنح ويوشك على السقوط وكشفت ثغرات وهشاشة الكيان وضعفه، وكان بالإمْكَان البناء عليها لمحو الكيان الصهيوني، إلا أن صهاينة العرب سارعوا إلى إنقاذ الكيان ومنعوا سقوطه ومعالجة تداعيات الـ 7 من أُكتوبر السلبية على الكيان وتم منحها الدعم والضوء الأخضر لمعاقبة غزة وأبنائها أسوأ عقاب، وشيطنة ومحاربة كُـلّ من دعم وساند ودافع عن غزة، ومنح الجناح المتطرف والمتصهين بقيادة نتن ياهو الدعم والتغطية لتنفيذ ذلك المخطّط وإطلاق العنان للنازية الصهيونية المتعطشة للدماء والمجازر ولإبادة أبناء غزة ولسحق محور المقاومة، وقد رسموا وخططوا بدقة وعملوا حسابًا لكل شيء، فلسطين ولبنان وسوريا وهناك المزيد.

لكنهم لم يعملوا حساب اليمن، وربما طرح أحدهم سؤالاً بخبث أَو سخرية وماذا عن اليمن؟ فيضحك البعض ويرد البعض وماذا بوسع اليمن أن يعمل بعد أن تم تدميره وأصبح مثقلاً بالصراعات والانقسامات والفقر والبطالة والمعاناة ومشغولاً بنفسه، وغفلوا أن اليمن قد جعل من القضية الفلسطينية قضيته الأولى والمركزية، وبأنه قد كسر وهزم عدواناً عالميًّا كانوا شركاء فيه، وحقّق المعجزات وأشعل أرامكو السعوديّة وجعل النظام السعوديّ يتوسل هدنة، ولم يعلموا أن اليمن هو القشة التي سوف تكسر ظهر البعير، والصخرة التي سوف تتكسر عليها المؤامرات والمخطّطات والأحلام الصهيونية والأمريكية.

لم يدركوا أن يمنَ الإيمان والحكمة الذي أغفلوه، ولم يعملوا له أي حساب بعد أن أفقروه وقتلوا أبناءه ودمّـروه بعدوان عالمي لثماني سنوات وفتن وصراعات سوف يفاجئ ويذهل الجميع، ويقلق مضاجعهم ويحرم عيونهم النوم، ويشكل بتدخله في أحداث غزة مفاجأة كبيرة وغير سارة أَو متوقعة لهم ولمن كتب سيناريو شرق أوسط جديد، وبأنه يمتلك أهم الأوراق بعد إيمان وثقة لا تتزعزع بالله، ومشروعًا قرآنيًّا وشعبًا عمرُه عشرة آلاف عام، تعود خوض الحروب والانتصار فيها ودفن الغزاة وقهر الصعاب وتجانس مع طبيعة وتضاريس اليمن الصعبة والقاسية فأصبح أقوى منها، وهو يتشوق وجاهز لمواجهة أمريكا والكيان الصهيوني، وينتقمُ للدماء الطاهرة التي سُفكت بالطائرات والصواريخ والقنابل الأمريكية.

هكذا فاجأ اليمن الجميع بقرار تاريخي غير متوقع وفعل بإغلاق باب المندوب والبحر الأحمر أمام السفن المتجهة إلى الكيان نزل على العدوّ والصديق كالصاعقة، أما مرتزِقة اليمن فقد تعاملوا مع القرار بسخرية وهستيريا خُصُوصًا أنهم قد جعلوا من أمريكا والكيان رباً يعبد، إلا أن الأحداث المتعاقبة للقرار قد جعلت حالة الصدمة والسخرية تتلاشى وتتحول إلى رعب بعد أن ثبت لدى الجميع أن اليمن لا يمزح، بل هو جاد ويدرك ماذا يفعل، وهو ذاهب إلى أبعد من هذا القرار وأبعد مما تتخيل عقول الخبراء والمحللين والعبيد، الذين يؤمنون بأن الكيان لا يقهر، وأن أمريكا على كُـلّ شيء قادرة، وأحمق من يفكر مُجَـرّد التفكير بمخالفة الرغبة الأمريكية فكيف بمن يدخل معها في مواجهة مباشرة، بل هو فاقد عقله ومجنون، ومن ذا الذي يستهدف سفن وبوارج وأساطيل أمريكا التي لم يتجرأ الروس أَو الصينيون على ذلك.

لكننا نتحدث عن حالة استثنائية، عَمَّن صنعوا المعجزات، عن بلد الإيمان والحكمة، وعن قيادة ربانية منهجها القرآن وإمامها حيدرة الكرار، اليمن الذي قال كلمته وبادر إلى إغلاق أهم معبر وطريق بحري عالمي أمام السفن المتجهة إلى الكيان وأمام سفن أي بلد يتعامل مع الكيان مهما كان، ولم يكن ذلك القرار إلا البداية، ولم يشاهد العالم من الجمل إلا أذنه.

أما أُولئك العبيد وصهاينة العرب فقد دخلوا في غيبوبة وانفصلوا عن الواقع بعد تلك السخرية والهستيريا التي تعاملوا بها مع موقف اليمن العظيم والإنساني والأخلاقي، وبعد وصفهم لما يحدث بالمسرحية فإذا هم أمام فلم رعب واقعي وحقيقي، وبدلاً من العودة إلى الواقع وإلى الحق والعدل وتذوق لذة الشعور بالعزة والكرامة والفخر والانتماء إلى رجال الرجال، الذين رفعوا اسم اليمن فوق السحاب وسجلوا أعظم موقف، إذَا بهم قد فجروا بالخصومة، وتنكروا لدينهم وعروبتهم وأوطانهم، وذهبوا للتبرع بأنفسهم ليكونوا عوناً وسنداً وخط دفاع عن عدو الله ورسوله والأمة والبشرية، ويتسابقون على من يحصل على رضا واختيار أمريكا والكيان ليكون عميلاً وخادماً وعبداً لهم، لكنهم أعجز من أسيادهم ولن يحصدوا إلا الذل والخزي والعار والهزيمة بإذن الله وتوفيقه ونصره، ولن يكون بوسعهم أَو بوسع غيرهم إيقاف البركان اليماني، لن يوقفوا أعمال القوات المسلحة اليمنية المساندة والمدافعة عن أطفال ونساء غزة، ولن تتوقف الطائرات والصواريخ اليمنية عن إقلاق مضاجع النتن ياهو والصهاينة وإدخَال الرعب والخوف في نفوسهم، ولن يسمح اليمن بإبادة أبناء غزة وتصفية القضية الفلسطينية وتنفيذ المشاريع الأمريكية.