صمود وانتصار

المقاطعة الاقتصادية.. جهادٌ بلا دماء في مواجهة الكيان الصهيوني

 

عبدالحكيم عامر

شهر رمضان المبارك، بما يحملُه من قيم روحية إيمانية واجتماعية، يعد فرصةً ثمينةً لتفعيل وتكثيف الجهود الرامية إلى مقاطعة البضائع الأمريكية والإسرائيلية، خَاصَّة في ظل العدوان المُستمرّ على غزة والذي يكشف عن وجه آخر للتواطؤ الغربي مع الكيان الإسرائيلي، ففي الوقت الذي يتزايد فيه الوعي الجماعي بأهميّة المقاطعة كأدَاة فعالة للضغط على الاقتصاد الإسرائيلي والشركات الداعمة له، نجد أن بعض الأصوات تحاول التقليل من شأن هذه الحملات، متجاهلة الأدلة والإحصائيات التي تؤكّـد نجاحها وتأثيرها الكبير.

يحاول البعض التقليلَ من جدوى حملات المقاطعة، مدعين أنها بلا تأثير يُذكَر، لكن الأرقام والإحصاءات تكشف عكس ذلك تمامًا، فقد أكّـدت تقاريرُ اقتصادية إسرائيلية وغربية أن المقاطعة الشعبيّة للمنتجات الإسرائيلية، وللشركات الداعمة لها، تسببت في خسائر مالية فادحة، ودفعت بعض الشركات إلى تغيير سياساتها أَو تقديم عروض لاستعادة ثقة المستهلكين، ومثال ذلك شركة القهوة العالمية التي اضطرت لتوزيع القهوة مجانًا في شوارع لندن في محاولة للحد من خسائرها.

إن المقاطعةَ ليست مُجَـرّد موقف أخلاقي، بل سلاح ٌاقتصادي فعّال يمكن أن يضعفَ العدوّ من الداخل؛ إذ تؤدي إلى تقليص أرباح الشركات الداعمة له؛ مما يؤثر على قدرتها على تمويل أنشطته العسكرية والسياسية؛ ولأن الاقتصاد الإسرائيلي يعتمد بشكل كبير على الاستثمارات والتصدير، فَــإنَّ أيَّ تراجع في المبيعات أَو انسحاب للمستثمرين يمكن أن يكون له تأثير مباشر على سياسات الاحتلال.

ويشكل شهر رمضان فرصةً استثنائيةً لتعزيز حملات المقاطعة، حَيثُ يزداد الإنفاق الاستهلاكي في الدول الإسلامية، مما يجعل توجيهَ هذه الأموال نحو المنتجات المحلية أَو البديلة أكثر تأثيرًا من أي وقت آخر. فالمقاطعة لا تتطلب خبرة أَو تدريبًا، بل فقط إرادَة صادقة والتزاما عمليًّا، كما أنها توفر فرصةً للمسلمين لتطبيق عملي لنصرة الدين التي تدعو إلى نصرة المظلومين والتصدي للظلم.

في هذا السياق، يؤكّـد قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي على أهميّة تصعيد المقاطعة الاقتصادية؛ باعتبَارها سلاحًا استراتيجيًّا، يجب أن يستخدمه الجميع لمواجهة الهيمنة الصهيونية والغربية، خَاصَّة في ظل العدوان المُستمرّ على غزة.

ولا يقتصر تأثيرُ المقاطعة على الجانب الاقتصادي فحسب، بل يمتدُّ ليشملَ الجانب السياسي والإعلامي، فحينما تنتشر حملات المقاطعة في مختلف وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، يتحول الضغط الشعبي إلى أدَاة ضغط على الحكومات والشركات الغربية؛ مما يجبرها على مراجعة سياساتها الداعمة لـ “إسرائيل”، وكما أن اتساع رقعة المقاطعة ليشمل الدول الأُورُوبية يعكس تحولًا في الرأي العام العالمي تجاه القضية الفلسطينية؛ وهو ما يعزز من عزل الاحتلال سياسيًّا.

وإن إحدى أهم فوائد المقاطعة أنها تحرّر وعي المستهلك المسلم من التبعية الاستهلاكية للغرب، وتحثُّه على البحث عن بدائل محلية وعربية وإسلامية؛ مما يساهم في تقوية الاقتصاد الوطني والاستقلال الاقتصادي، فكما أن المقاطعة تمنح الشعوب وسيلة عملية للتعبير عن رفضها للظلم، بدلًا عن الاكتفاء بالغضب أَو الشعارات غير المؤثرة.

وفي الأخير، يجب أن ندركَ أن المقاطعة ليست مُجَـرّد خيار، بل واجبٌ ديني وإنساني، فالامتناع عن شراء المنتجات الداعمة للاحتلال هو شكل من أشكال الجهاد الاقتصادي، وهو رسالة واضحة بأن المسلمين لن يكونوا شركاء في تمويل الجرائم بحق الفلسطينيين.

وكما قال النبي صلوات الله علية وآله: “من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان”، والمقاطعة هي أضعف الإيمان في نصرة القضية الفلسطينية.

لذلك، اجعل من شهر رمضان نقطةَ انطلاق جديدة للمقاطعة، وشارك في نشر الوعي حول أهميتها؛ لأَنَّ كُـلّ اختيار استهلاكي تقوم به هو إما دعمٌ للعدوان، أَو مساهمةٌ في إضعافه.