موقفُ العزة لا بديل عنه
حميد دلهام
ما من شك أن موقف الشعب اليمني قيادة وشعباً مما يجري من تعنت وصلف وعدوان وحشي، وحصار خانق ضد أهلنا في غزة خُصُوصًا، وَبقية المناطق الفلسطينية بشكل عام، ما من شك أن هذا الموقف هو الموقف الحق، الموقف الذي نتعلمه من رسول الله وهو يجابه مؤامرات اليهود، ويقف بالمرصاد لكل حركة أَو جولة عدوان جديدة تصدر منهم، وبما يناسبها من العقاب والتأديب، والزجر والردع.
لم يكن رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- هو البادئ، ولا المتحرش بهم في كُـلّ معاركه وغزواته التي خاضها ضدهم، فهو الرحمة المهداة، والنبي الخاتم الذي أرسله ربه رحمة للعالمين، بعد أن منحه كُـلّ صفات الجلال والكمال، والتي في مقدمتها الوفاء بالعهود واحترام خصوصيات وحريات وحقوق الآخرين، حتى في الجانب الديني، فقد نزل عليه قول ربه الأعلى: (لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ)..
بل أكثر من ذلك، فما إن وطئت قدمه الشريفة أرض المدينة المنورة، حتى وضع الخطوط العريضة التي ترسم سياسته في بناء المجتمع الجديد الناشئ في المدينة المنورة، وكان من أولى خطواته عليه وآله أفضل الصلاة والسلام، كتابة صحيفة كوثيقة عهد وميثاق يسير عليها المجتمع الناشئ، بشكله وخليطه الجديد من مهاجرين وأنصار ويهود وغير ذلك.. وكان اليهود طرفاً فيها، ثم اتبع ذلك بالمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار..
ما احتويت عليه الصحيفة من حقوق لليهود كان أكثر بكثير مما فرضت عليهم من واجبات وشروط، وكان أهم شيء فيها أنهم أقروا على دينهم وأموالهم وحرياتهم وأعراضهم وحتى تجارتهم وأعمالهم..
ماذا يريدون أكثر من ذلك..؟؟؟
إنهم معشر يهود، أهل غدر وخسة ودناءة ونفاق، لا هَمَّ لهم سوى المكر والخديعة، ونقض العهود والمواثيق، حَيثُ تلاحقت مؤامراتهم وَدسائسهم ضد الإسلام ورسول الإسلام والمسلمين كمجتمع جديد ناشئ على أرض المدينة..
ولعل أشهر مؤامراتهم وأشدها إيلامًا لرسول الله ولمجتمع المدينة، كانت في غزوة الأحزاب، فهم من خطط وَتابع، وسعى لجمع القبائل، وألب الأحزاب لحرب رسول الله وغزو المدينة، وَهم من نقض العهد مع رسول الله، وطعن مجتمع المدينة في الظهر، وذلك في أحلك الظروف وأصعبها، في تلك المعركة التي رميت فيها المدينة عن قوس واحدة، من كُـلّ ما حولها من قبائل الأعراب المتربصة بها الدوائر، يقول سبحانه وتعالى في وصف تلك المعركة وشدتها: (إذ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا) (هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْـمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا).
وما إن انتهت المعركة ووضعت الحرب أوزارها مع الأحزاب، حتى اتجه رسول الله صلوات عليه وعلى آله، إلى أوكار الخديعة والمكر، وَحاصر تلك الأوكار بما تحتوي عليه من أفاعٍ يهودية سامة، اقتضت الضرورة وضع حَــدٍّ لمؤامراتها وَدسائسها، ضد الإسلام، ومجتمعه الناشئ في مدينة رسول الله، وَذلك بقطع دابر الشر، وإزالة مصدره بشكل حاسم..
وبعد أن اشتدت وطأة الحصار عليهم، نزل بهم من الله ما لم يحتسبوا، وأخذهم أخذ عزيز مقتدر، يقول سبحانه وتعالى (وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أهل الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا) (وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأموالهُمْ وَأَرْضًا لَـمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللهُ عَلَى كُـلّ شَيْءٍ قَدِيرًا)..
هذا هو ديدنهم، وهذه طباعهم وأخلاقهم التي جبلوا عليها، محاربة الحق وغمط الناس، وقتل الأنبياء والصالحين المصلحين من عباده، لا عهد لهم ولا ميثاق، ولا فرق بين حيي بن أخطب وبين نتنياهو إلَّا في زمن الظهور، والحزم والشدة والغلظة هي ما يجب أن يواجهوا به، ومن يداهنهم أَو يحاول التطبيع معهم، فعليه أن يستقرئ التاريخ، وليسأل نفسه أهو أعلم أم الله؟؟ وَأهو أحكم أم رسول الله؟؟