الصمود حتى النصر

أمريكا وأخلاقيات اللص الإمبريالي..

الصمود||مقالات||إبراهيم محمد الهمداني

إن المتتبع لمسار السياسَة الأمريكية، في نهجها التسلطي الاستعماري، وتموضعها في مركز الهيمنة، سيجد – أمامه لا محالة – أسوأ النماذج الإمبريالية، وأكثرها تطرفًا وتناقضًا، فقد تجاوز كُـلّ مستويات القبح والانحطاط الفكري والسلوكي، في تاريخ الوجود الاستعماري البشري، حَيثُ حرصت القوى الاستعمارية المتعاقبة، على التقنع والتظاهر بشيء من الأخلاق والفضيلة، حتى وهي تمارس أبشع صور القمع والتسلط، بزعم إخضاع المتمردين، والحفاظ على الأمن المجتمعي، انطلاقًا من مقتضيات واجباتها ومسؤوليتها القيادية السلطوية – بحكم سلطة الأمر الواقع – معززة ذلك الدور السلطوي الاستبدادي، بأساليب مختلفة لاستمالة الموقف الشعبي، ونيل التعاطف والتأييد الجمعي، من خلال التظاهر باحترام وتقديس، عادات وتقاليد وأعراف المجتمع، وإعلان حمايتها من أدنى مظاهر استهدافها أَو انتهاكها، لتذوب بذلك أعتى الحواجز الفاصلة، بين المستعمِر الحاكم، والمستعمَر الشعب المضطهد، الذي قد يتغاضى عن إجرام المستعمِر الحاكم بحقه، مادام يحفظ له ثوابته، ولا يتدخل في خصوصياته – ولو ظاهريًّا – ويفي بوعوده والتزاماته الأخلاقية تجاهه، ولو في أدنى مستوياتها، بينما كان انتهاكها أَو التحلل منها، إهانة كبرى لمقام وقيمة المجتمع، لا يمكن السكوت عليها، ولا يمكن محو ذلك العار، سوى الثأر الجمعي العارم، للشرف المستباح والكرامة المهدورة، باقتلاع وجود المستعمر نهائيًّا، إلى غير رجعة.

ربما أمكن القول إن ثنائية – أَو تعددية – هيمنة الأقطاب الاستعمارية، مقابل واحدية خضوع الشعوب المستعمَرة، قد أرسى مرتكزات العلاقة الجدلية، القائمة على ضرورة تودد الأول المتعدد، للثاني (الواحد) المستهدف، والسعي لاستقطابه، من خلال تقديم عروض استعمارية تنافسية، وتخفيضات إمبريالية مغرية، في مجالات استثمار الهيمنة، بما يتيح للشعوب اختيار ما يناسبها، من عروض قوى الاستعمار المتعددة، بمواصفاتها وضوابطها المختلفة، وعلى العكس من ذلك، فَــإنَّ هيمنة القطب الواحد، ترغم الأنظمة المنبطحة وشعوبها المستضعفة، على تقديم العروض التنافسية، في سباقها المحموم، لنيل الحظوة لدى القطب الواحد، والفوز بمواقع متقدمة في قائمة تفضيلاته، والاستماتة في تثبيت مقام القرب، من المستعمر/ القطب الواحد، ولن يحظى بذلك المقام، إلا من امتلك الجرأة العالية، في تقديم أكبر قدر من التنازلات السيادية، والاستمرار في المقامرة بالثروات والتبعية دون خوف، وُصُـولًا إلى المضاربة بالوطن أرضًا وإنسانًا، دفعة واحدة، في بورصة المصالح الاستعمارية، التي يديرها القطب الإمبريالي الواحد.

لم يكن تفرد الولايات المتحدة الأمريكية، بمركز هيمنة القطب الواحد، هو السبب الوحيد، لتحللها من أخلاقيات وأعراف الاستعمار الموروثة، وتنكرها لما سلف عنها، من الالتزامات والوعود، بممارسة السلوكيات الإنسانية والأخلاقية، في تعاملها مع الشعوب المستعمَرة، بل علاوة على ذلك، فَــإنَّ القارة العجوز – أُورُوبا – حين لفظت خبثها الإجرامي، لم يكن هدفها التخلص منه، بوصفه شرًا وعارًا وتشويها لمسارها الحضاري، وإنما تعمدت إعادة إنتاجه، بكل ما يحمله من القبح والتوحش والإجرام، وأنشأت منه كيانًا وظيفيًّا استعماريًّا غاصبًا، صبَّت فيه كُـلّ سلوكيات الإجرام، وأخلاقيات الانحطاط، وخلاصة التوحش والقذارة، وجعلته يتشبع بالصلف والعنجهية، إضافة إلى حمقه الفطري، ليكون يدها الطولى، في الهيمنة على العالم الجديد، ومنحته مسمى (الولايات المتحدة الأمريكية)، رافضة الاعتراف به وريثًا شرعيًّا لهيمنتها، بل قدمته لقيطا هجينًا، وقطعت كُـلّ جذوره وصلاته بالماضي، وجعلته ابن لحظته الآنية، في انتمائه إلى المكان المغتصب، وانتسابه إلى مجتمع القتلة المأجورين، الذي تشكل على أيدي المجرمين الأوائل، من (رعاة البقر)، وتنامى بفعل الجريمة المنظمة، حتى بلغ صورته المؤسّسية، في تموضع كيانه الوظيفي الإحلالي، وولائه المطلق للصهيونية، ليمارس؛ مِن أجلِها، أقبح وأبشع وأقذر، الأدوار الإجرامية التوحشية، غير متحرج من أداء دور القاتل الإمبريالي واللص المهيمن، على مختلف دول وشعوب العالم، فلا أخلاق تزجره، ولا دين يردعه ولا حسب يثنيه، وذلك هو نهج الأدعياء اللقطاء عبر التاريخ – سواءٌ أكانوا أفرادًا أَو كيانات – في تموضعهم السلطوي الاستبدادي، وسلوكهم الإجرامي الإرهابي، وإيمانهم بعقيدة العنف والمحو والإبادة، التي لا يستقيم وجودهم إلا بها.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com