الصمود حتى النصر

حقيقة العملية البرية بواسطة المرتزقة بدعم خليجي

ما بين أهداف الحرب النفسية، والحاجة الفعلية لتعويض فشل العدوان على اليمن، تتأرجح التقارير التي تتحدث عن تخطيط أمريكي لدعم عملية برية بواسطة المرتزقة وبدعم خليجي.

وتكشف هذه التقارير عن أزمات ومشاكل متعددة تواجهها إدارة ترامب وأدواتها الإقليمية والمحلية، في مواجهة الجاهزية العالية التي تتمتع بها القوات المسلحة اليمنية للتعامل مع كل الاحتمالات، في إطار القرار الراسخ والصلب بمواصلة معركة إسناد الشعب الفلسطيني مهما كانت الأثمان والتحديات.

الأنباء التي بدأت صحيفة “وول ستريت جورنال” بنشرها ثم تلتها وسائل إعلام أمريكية أخرى، بشأن مساعي إدارة ترامب لتنسيق عملية برية تنفذها ميليشيات المرتزقة في اليمن بدعم خليجي، عبرت عن حاجة أمريكية واضحة لتعويض عجز القصف الجوي والبحري، بما في ذلك هجمات القاذفات الشبحية، عن تحقيق أي أهداف عملياتية، خصوصًا في ظل تراكم التكاليف الهائلة، الأمر الذي أبرز ملامح “خطة بديلة” تدرسها الإدارة الأمريكية للخروج من مأزق الاستنزاف والفشل وإلقاء العبء على الأدوات المحلية والإقليمية.

مع ذلك، فقد اصطدمت هذه الأنباء بنفي خليجي، حيث نقلت وكالة “رويترز” عن مسؤولين سعوديين وإماراتيين قولهم إن الرياض وأبو ظبي لا تشاركان في أي مناقشات بشأن العملية البرية، وأن التقارير بشأن ذلك كاذبة.

هذا النفي جعل قصة العملية البرية تبدو وكأنها بالكامل مجرد “حرب نفسية” من قبل إدارة ترامب التي بات واضحًا أنها تعتمد بشكل رئيسي على الدعاية لتعويض غياب الإنجازات العملية.

 

ومع ذلك فإن القصة لا تخلو من بعض حقائق، فميليشيات المرتزقة قد أبدت عدة مرات استعدادها بالفعل للتحرك عسكريًا ضد صنعاء في إطار التوجه العدواني الأمريكي الصهيوني، كما أن الولايات المتحدة قد حاولت بالفعل تحريك المرتزقة بريًا منذ أواخر عام 2023، في إطار مساعي الانتقام من صنعاء وعرقلة عمل جبهة الإسناد اليمنية لغزة، لكن هذه المساعي اصطدمت بواقع الردع الذي فرضته صنعاء ضد الداعمين الإقليميين للمرتزقة والذين تتفوق مخاوفهم من رد الفعل اليمني على رغبتهم في التصعيد، حتى الآن على الأقل.

وبالتالي فإن مسارعة السعودية والإمارات لنفي تورطهما في خطة العملية البرية تعكس مشكلة أساسية مستمرة تواجهها الولايات المتحدة في التعامل مع الجبهة اليمنية، وهي الفشل في تجنيد الشركاء والأدوات الإقليميين (والدوليين كذلك) ضد اليمن، لعدة أسباب؛ منها عدم رغبة العديد من الدول في الظهور بمظهر الداعم لكيان العدو الصهيوني (وهو أمر حاولت إدارة ترامب معالجته من خلال رفع عنوان حماية الملاحة، لكن بدون جدوى)، بالإضافة إلى الخوف من الاشتباك المباشر مع القوات المسلحة اليمنية التي أثبتت قدرتها على خوض معارك متعددة الجبهات بقوة وفاعلية.

ويمكن القول إن هذا الخوف هو الدافع الأساسي لإحجام السعودية والإمارات حتى الآن عن المشاركة المباشرة في التصعيد الأمريكي، كونهما تعرفان جيدًا ما ذا تستطيع القوات المسلحة اليمنية فعله.

ومع ذلك، لا يمكن الجزم تمامًا بأن إحجام السعودية والإمارات عن التورط المباشر في التصعيد سيبقى ثابتًا، فالتوجه العدائي لدى الرياض وأبو ظبي تجاه اليمن لا يزال قائمًا، والرغبة في التصعيد ليست مفقودة، بل مقيدة باعتبارات معينة، منها مستوى وحجم الدعم الأمريكي والاندفاع العدواني ضد اليمن.

وإن كانت تجربة محاولة استهداف القطاع المصرفي خلال العام الماضي قد فشلت بسبب وعيد السيد القائد للنظام السعودي، فإنها قد كشفت بالمقابل إمكانية انجرار الرياض نحو التصعيد إذا رأت فرصة لذلك.

والحقيقة أن هذه الإمكانية قد زادت نظريًا بشكل ملحوظ بعد عودة ترامب إلى الحكم، ومسارعة السعودية لتقديم ترليون دولار له، بالإضافة إلى حقائق الدعم اللوجستي والإعلامي الكبير الذي توفره الرياض للعدوان الأمريكي حاليًا.

وقد نقلت وكالة “بلومبرغ” الأربعاء عن مصادر مقربة من القيادتين السعودية والإماراتية قولها إن هناك شعورًا داخل النظامين الخليجيين بأن اندفاع ترامب يشكل فرصة لقلب الموازين، حسب ما نقلت الوكالة.

لقد عبرت القيادة اليمنية بوضوح عن إدراكها الكامل لرمادية الموقف السعودي والإماراتي من خلال التحذيرات المتكررة التي وجهتها في عدة مناسبات من عواقب التورط في العدوان الأمريكي خدمةً للكيان الصهيوني، وهي تحذيرات عبرت عن جاهزية عالية وتامة للتعامل مع كل الاحتمالات.

ووفقًا لذلك، سواء كانت قصة العملية البرية “حربًا نفسية” أو واقعًا، فإنها لا تشكل فرقًا كبيرًا بالنسبة لموقف صنعاء، لأن جاهزية القوات المسلحة والشعب اليمني لكل السيناريوهات تجعل الحديث عن أي تصعيد جديد يدور بشكل أساسي حول مشاكل الأطراف المشاركة فيه وقدرتها على تحمل عواقبه، وهو ما يشكل نقطة لصالح استراتيجية السقف المفتوح التي اعتمدتها جبهة الإسناد اليمنية لغزة منذ البداية، حيث لا تترك هذه الاستراتيجية للعدو وكل شركائه وأدواته أي مجال لترهيب صنعاء بتصعيد جديد، أو “مفاجأتها” بأي تحرُّك عدواني مختلف.

وبالمحصلة، فإن كل ما يمكن استخلاصه من قصة العملية البرية حتى الآن هو عدة أمور ثابتة، أولها أن الولايات المتحدة قد اصطدمت بسرعة بفشل عدوانها على اليمن، وباتت تدرك انسداد أفق استمرار القصف الجوي والبحري، وعجز كل وسائلها الرادعة (بما في ذلك القاذفات الشبحية) عن تحقيق أهداف العدوان.

الأمر الثاني هو أن الولايات المتحدة تواجه مشاكل كبيرة وعميقة فيما يتعلق بمحاولة تعويض فشل عدوانها المباشر والالتفاف على تداعيات استمراره، فسواء كان هناك إمكانية لتجنيد السعودية والإمارات والمرتزقة في تصعيد جديد ضد صنعاء أو لا، من الواضح أن الرياض وأبو ظبي لديهما قائمة طويلة من المخاوف الكبرى التي لا تستطيع الولايات المتحدة ضمان تجنبها بشكل كامل، وهو ما يجعل مسألة الانخراط في التصعيد انتحارية مهما بلغ مستوى الاندفاع الأمريكي.

الأمر الذي يعني أن هدف ردع صنعاء، أو وقف جبهة الإسناد لغزة، سيظل مستحيلاً كما هو الآن، والنتائج الوحيدة التي سيجلبها التصعيد ستكون عكسية على الأطراف المشاركة فيه.

المسيرة

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com