صمود وانتصار

صنعاء في قلب البردوني : تنبؤات بنهاية العداون السعودي

البردوني متنبئ عصره، ليس عصره فحسب، بل تنبأ بأحداث عصور لم تأتِ، فسابق الزمن بُعداً وحضوراً، ونبأ، كنت أظن أني سأجده يتساءل عن ما يحدث، فإذا بي أجده يخبره عن كل تساؤل، وهذا المنحى ليس غريباً على كل من قرأ أو اطلع على شعر البردوني، فلا نجد استحضار شعر يصف صنعاء أو يتغنى بها، بل نجدنا أمام نص أدبي يحتم علينا استبطانه، ومحاولة اكتشاف أو استكشاف رموزه وإيماءته، لمعرفة رؤية شاعرنا عن ما يحدث، وإلى أين تؤول الأحداث، وما مدى حضور صنعاء في شعره، وبأي شكل، وكيف تناولها، فعن صنعاء يتساءل، بل يقف مخبراً بصيغة المستفسر:

ماذا جرى ..؟ لم يجر شيء هنا

صنعاء لا فرحى … ولا آسفه

القات ساهٍ … والمقاهي على

أكوابها محنّيه عاكفه

ماذا جرى ..؟ لا حسّ عما جرى

ولا لديه ومضة هادفه

ماذا يعي التاريخ ..؟ ماذا رأى ؟

ولّى بلا ذكرى … بلا عاطفه

وكأني به عندما طال العدوان قبره الشريف ينهض ساخراً:

أتدرين يا صنعاء ماذا الذي يجري

تموتين في شعب يموت ولا يدري

تموتين … لكن كلّ يوم وبعدما

تموتين تستحين من موتك المزري

تموتين … لكن في ترقب مولد

فتنسين أو ينساك ميعاده المغري

وهنا يخرج إلينا لا ليسأل ما الذي حدث، بل ليروي لنا تفاصيل ما يحدث، لكنه تتزاحم في مخيلته تفاصيل كثيرة من أحداث يراها بنور بصيرته، فيتساءل من أين يبتدئ:

من أين أبتدىء الحكاية ؟

وأضيع في مد النهاية

وأعي نهاية دورها

فتعود من بدء البدايه

تصل الخطيئة بالخطيئة

والجناية بالجنايه

من عهد من ولدوا بلا

سبب وماتوا دون غايه

المسبلين على الذئاب

البيض أجنحة الرعايه

ويود شاعرنا أن يصغي الكون بكله لما يدور بخلده من رؤى، فيذهب لمناداة الهدهد يستدعيه ليمكث غير بعيد منه يودعه مكنونه، كي ينطلق مرةً أخرى في مهمته، ليس نحو سليمان هذه المرة، بل من البردوني نفسِه إلى كل ذي سمع في هذا الزمن محدثاً عن صنعاء، ويخاطب العالم أجمع: {أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ} لكن بعد أن يسمع البردوني وهو يقول:

يا ((هدهد)) اليوم ، الحمولة

فوق طاقتك القويّه

هذي حقائبك الكبار

تنمّ عن خبث الطويّه

هل جئت من سبإ ؟

وكيف رأيته ؟.. أضحى سبيه !

ولّى ، عليه عباءة

من أغنيات (الدودحيه)

سقط المتاجر ، والتجارة

والمضحّي ، والضحيه

حتى البقاع هربن من

أسمائهن الحميريّه

هل للقضيّة عكسها ؟

هل للحكاية من بقيّه؟

ويمقت العمالة بسخرية لاذعة، ويجعل من الشعر سلاحاً قوياً:

أوليس فلسفة الهزيمة

أن أموت تعقليه؟

وهل العمالة حكمة؟

وهل الشجاعة موسمية؟

ويبدأ شاعرنا بذكر الأحداث جامعاً بين الربيع والعاصفة والحرب، والثورة:

وذات يوم ربيعي الضحى نبحت

(صنوان) عاصفة تعوي وتنفجر

من ذا أهاج رماد الأمس فاشتعلت

في أعين الريح من ذراته شرر

أهذه الحرب يا تاريخ كيف ترى

من خلف (جنات عدن) أومأت (سقر)

ومر عام جحيمي روائحه

دم بحشرجة البترول متزر

ودب ثانٍ خريفي المدى قلق

يفني ويفنى ويحيا وهو ينتحر

وطال كالسهد حتى انهد في دمه

تثاءبت من بقايا وجهه الحفر

وغاب خلف الشظايا فابتدت سنة

تعبئ النار ثدييها وتعتصر

فأجهد الموت شدقيه وقبضته

حتى تجلمد في أنيابه الضجر

وقال كل نهار: لن تنال يد

من ثورة مات في ميلادها الخطر

لا يتفاجأ شاعرنا من القصف؛ لأنه يدركه، كيف لا وهو القائل:

فليقصفوا لست مقصف

وليعنفوا أنت أعنف

وليحشدوا أنت أدرى

أن المخيفين أعنف

أغنى ولكن أشقى

أوهى ولكن أجلف

أبدى ولكن أخفى

أخزى ولكن أصلف

لهم حديد ونار

وهم من القش أضعف

يخشون إمكان موتٍ

وأنت للموت أألف

بل نجده يرحب بها، مشيراً إلى أحداث الجنوب، ويتجلى سر تزامن أحداث الجنوب مع العدوان السعودي، في ربطه بين العاصفة وبين الجنوب:

أهلاً بعاصفة الحوادث، إنها

في الحي أنفاس الحياة تردد

لو هزت الأحداث صخراً جلمداً

لدوى وأرعد باللهيب الجلمد

بين الجنوب وبين سارق أرضه

يوم تؤرخه الدما وتخلد!

ويشيد بالشعب اليمني وصموده واستبساله، وسقوط الطغاة، وانهزام الغاصبين:

الشعب أقوى من مدافع ظالمٍ

وأشد من بأس الحديد وأجلد

والحق يثني الجيش وهو عرمرمٌ

ويفل حد السيف وهو مهند

لا أمهل الموت الجبان ولا نجا

منه، وعاش الثائر المستشهد

يا ويح شرذمة المظالم عندما

تطوى ستائرها ويفضحها الغد!

وغداً سيدري المجد أنا أمةٌ

يمنيةٌ شما، وشعب أمجد

وستعرف الدنيا وتعرف أنه

شعب على سحق الطغاة معود

فليكتب المستعمرون بغيظهم

وليخجلوا، وليخسأ المستعبد

ويتحدث عن التحالف كاشفاً أن وراءه أمريكا في أسئلة استنكارية:

و كيف استثار علينا القطيع ؟

و من ذا هداه ؟ و كيف اهتدى ؟

هنا موكب أبرقت سحبه

علينا وحشد هنا أرعدا

وهزّ القصور فمادت بنا

و أشغل من تحتنا المرقدا

و كادت جوانحنا الواجفات

من الذعر أن تلفظ الأكبدا

فماذا رأت دولة المخجلات ؟

قوى أنذرت عهدها الأنكدا

بمن تحتمي ؛ واحتمت بالرصاص

و عسكرت اللّهب الموقدا

ويستنكر تكالب قوى العدوان مع العدو السعودي على الشعب اليمني الأعزل:

وجبن القوى أن تعدّ القوى

لتستهدف الأعزل المجهدا

و أردى السلاح لأردى الأنام

و أجوده ينصر الأجودا

و يوم البطولات يبلو السلاح

إذا كان وغدا حمى الأوغدا

فأيّ سلاح حمى دولة

تغطّي المخازي بأخزى ردا ؟

و تأتي بما ليس تدري الشرور

و لا ظنّ ” إبليس ” أن يعهدا

لمن وجدت ؟ من أشذّ الشذو

ذ و من أغبن الغبن أن توجدا

ويشير إلى تعدد أنواع القصف، واختلاف مكانه بقوله:

ألا اقتلْ كل مَن تلقى

إذا استبقيت لن تبقى

لأن القتل بعد القتل

طبّ الأمة الحمقى

قتلت قتلت، لا جدوى

غدوت الأقتلَ الأشقى

أبتّ جذورها، تنمو

أحزّ رؤوسها، ترقى

وأدفن مَن تُسمّيهِ

نقيّاً، يصعد الأتقى

وفي نهاية هذا المقطع من هذه القصيدة كأنه يشير إلى رد اليمنيين على العدوان:

وتبدو أنجماً خضراً

ربىً وردّية زرقا

ترود قرارة الأغوار

كي تستبطن العمقا

ويؤكد رد الشعب على العدوان في موضع آخر:

هو الشعب طاف بإنذاره

على من تحدّاه و استعبدا

وشقّ لحودا تعبّ الفساد

و تنجرّ تبتلع المفسدا

و أوما بحبّات أحشائه

إلى فجره الخصب أن يولدا

ويأخذنا شاعرنا الكبير لنتخيل أنه مبتعث في رحلة خارجية، يظهر فيها بشاعة العدوان، وحجم الدمار، ولكن ليس إلى جنيف، وليس لدى مبعوث الأمم المتحدة، بل لدى أبي تمام ليقف أمامه يقلب بين يديه بصمات العدوان، ويشكو واقع العرب بقوله:

(حبيب) وافيت من صنعاء يحملني

نسر وخلف ضلوعي يلهث العرب

ماذا أحدث عن صنعاء يا أبتي؟

مليحة عاشقاها: السل والجرب

ماتت بصندوق »وضاح«بلا ثمن

ولم يمت في حشاها العشق والطرب

كانت تراقب صبح البعث فانبعثت

في الحلم ثم ارتمت تغفو وترتقب

لكنها رغم بخل الغيث ما برحت

حبلى وفي بطنها (قحطان) أو(كرب)

وفي أسى مقلتيها يغتلي (يمن)

ويستمر في توضيح نكبة بلاده وما تعرضت له، وكأنه في قصيدة “سفاح العمران” يخاطب سلمان:

يا قاتل العمران .. أخجلت

المعاول .. والمكينة

ألأنّ في فمك النفوذ

وفي يديك دم الخزينة ؟

جرّحت مجتمع الأسى

وخنقت في فمه .. أنينه

وأحلت مزدحم الحياة

خرائبا ، ثكلى ، طعينه

ومضيت من هدم الى

هدم ، كعاصفة هجينه

ويستنكر عليه قيادته هذا التحالف على اليمن بما أسماها عاصفة الحزم:

عرفتَ اليومَ كيف ترى

بدأتَ أوانكَ الذهبي

ستثني كل عاصفةٍ

بهذا المشجب القصبي

بأفواجٍ مِن الأغراب

تدعى: الفيلق العربي

وهذا ما ارتكبتُ أنا

فهل تبني على كَذِبي؟

وعن الحصار الاقتصادي المترافق مع القصف، يسأل سلمان متنبئاً بمصيره:

لماذا لي الجوع و القصف لك ؟

يناشدني الجوع أن أسألك

و أغرس حقلي فتجنيه أنـ

ت ؛ و تسكر من عرقي منجلك

لماذا ؟ و في قبضتيك الكنوز ؛

تمدّ إلى لقمتي أنملك

و تقتات جوعي و تدعى النزيه ؛

و هل أصبح اللّصّ يوما ملك ؟

ويفصل أكثر في توصيف سلمان وحكمه، مستنكراً عقد الأمل عليه، أو رجاء خير منه:

يدني إلى الموت حكما يخوض

من العار مستنقعا أسودا

و يجترّ أذيال ” جنكيزخان ”

و يقتات أحلامه الشردا

و يحدو ركاب الظلام الأثيم

فيبلغ الصمت رجع الحدا

و يحسو النّجيع و لا يرتوي

فيطغى ؛ و يستعذب الموردا

رأى الشعب صيدا فأنحى عليه

وراض مخالبه واعتدى

فهل ترتجيه ؟ و من يرتجي

من الوحش إصلاح ما أفسدا ؟

و هل تجتدي ملكا شرّه

سخيّ اليدين … عميم الجدا ؟

و حكما عجوزا حناه المشيب

و ما زال طغيانه أمردا

تربّى على الوحل من بدئه

و شاخ على الوحل حيث ابتدا

فماذا يرى اليوم ؟ جيلا يمور

و يهتف ” لا عاش حكم العدا ”

ويتنبأ بمدة العدوان ونهاية سلمان فيقول:

سيلقى ليلةَ خلَفي

على كفيكَ مُنقلبي

فمنذ الآن يرقبهُ

مصيرٌ كان مرتقبي

وأنت ستحتمي سَنَةً

وتهوي، لاحقاً عقبي

وخلال رحلته يلتقي بخونة الوطن الفارين إلى أحضان المترفين، فيصف حالهم:

ذات يوم كانت ممرات(صنعاء)

من نبيذ ومن زهور نوادي

تتهادى النجوم في كلّ درب

كالغواني . فأين ذاك التهادي ؟

سألوا من أنا … وصرّحت باسمي

كاملا … أنكروا بأني (مرادي)

قلت (ابّي) .. (عنسي) .. (زبيدي) أشاروا:

الريالات نسبي وبلادي

أضحكتهم كتابة اسمي … وفورا

بيضت خضرة النّقود مدادي

عنده نعجة فأمسى مديرا ..!

نهد أنّى مؤهّل غير عادي

لحليب الذي يسمّى جلودا

طازجات .. أمسى سرير (ابن هادي)

وفي استنكار لما آلوا إليه يحاول شاعرنا أن يقترب من حالتهم ليشخص ما أصابهم:

فظيع جهل ما يجري وأفظع منه أن تدري

وهل تدرين يا صنعاء من المستعمر السري

غزاة لا أشاهدهم وسيف الغزو في صدري

فقد يأتون تبغا في سجائر لونها يغري

وفي صدقات وحشي يؤنسن وجهه الصخري

وفي أهداب أنثى في مناديل الهوى القهري

وفي سروال أستاذ وتحت عمامة المقري

وفي أقراص منع الحمل وفي أنبوبة الحبر

وفي حرية الغثيان وفي عبثية العمر

وفي عَود احتلال الأمس في تشكيله العصر

ثم ينتقل البردوني العظيم ليحكي على ألسنتهم:

شعاري اليوم يا مولاي نحن نبات إخصابك

لأن غناك أركعنا على أقدام أحبابك

فألًهناك قلنا: الشمس من أقباس أحسابك

فنم يا (بابك الخرمي)على (بلقيس) يا (بابك)

ذوائبها سرير هواك وبعض ذيول أربابك

وبسم الله جل الله نحسو كأس أنخابك

أمير النفط نحن يداك نحن أحد أنيابك

ونحن القادة العطشى إلى فضلات أكوابك

ومسئولون في (صنعاء) وفراشون في بابك

ومن دمنا على دمنا تموقع جيش إرهابك

لقد جئنا نجر الشعب في أعتاب أعتابك

ونأتي كل ما تهوى نمسح نعل حجابك

ونستجديك ألقابا نتوجها بألقابك

فمرنا كيفما شاءت نوايا ليل سردابك

نعم يا سيد الأذناب إنا خير أذنابك

وخلال عودته وعلى متن الطائرة، الطائرة حاضرةٌ في شعره، لكن لا أدري هل هي أيضاً لم يسمح لها بالهبوط، كل ما في الأمر أنه في قصيدته “صنعاء في طائرة” يصور حال صنعاء وما وصلت إليه، بقوله:

على المقعد الراحل المستقرّ

تطيرين مثلي … ومثلي لهيفه

ومثلي … أنا صرت عبد العبيد

وأنت لكلّ الجواري وصيفه

كلانا تخشبنا الأمنيات

وتعصرنا الذكريات العنيفه

فقدنا الخليفة … مذ باعنا

إلى كلّ سوق … جنود الخليفه

أصنعا إلى أين ..؟ أمضي أعود

لأمضي … كأني أؤدي وظيفه

وفي موضع آخر يستحضر الطائرة مربوطة بالسلام الذي يرمز إليه بالحمام، ويشير إلى أنه قد تغير مسماه وشكله وهدفه، متسائلاً:

فهل سيُمسي حصان الأمس طائرةً

لأن أصل (حَمام) اليوم (حيّاتُ)؟

هذي التغايير، تشكيل الشكول، إلى

أخرى، وتذييت ماتفني به الذّاتُ

يادُورَهُم، يابيوت الشعب، ياوطني

هل هذه الخِرَق الرخوات راياتُ؟

وياتمادي رُبَى الإِسمنت قل لهمو

مستعمر اليوم: نبّاشٌ وسَمّاتُ

في كل منبت عنقود وسنبلةٍ

تعلو بيوتٌ، وما فيهن بَيّاتُ

ومثل تحضر الطائرة في شعر البردوني، تحضر أيضاً “مريم” في قوله:

وحكى عن ((مريم)) جيرتها

ميعـاداً ولقـاء نذلا

حتـى عرّاهـا أخوتـها

من أكفان الحسب الأعلى

وانحلت عن (يحيى) قمر

واستهوت مطلاقاً كهلاً

وحال وصوله إلينا في رحلة سفره يتوجه نحونا، يخاطبنا، ويشرح حال أولئك، بشيء من العتاب والاستنهاض لنا:

أيد كأيدي الأخطبوط

وأوجه مثل الصخور

فتساقطت شرفاتك النّعسا

كأعشاش الطّيور

وانصب إرهاب المغول

من البكور إلى البكور

وامتدّ من باب إلى

باب كغابات النّمور

حتى رآى ((نقم)) ذراك

تخرّ دامية الظّهور

ثم يسترسل بالبوح لنا وعينا قلبه مشدودتان نحو المستقبل، متوقعاً خسارة العدوان، ومبشراً بآتٍ يشع ظفراً ونصراً:

أما آن يا ريح أن تهدئي

ويا راكب الريح أن تتعبا

وأين ترى شاطىء الموج با

(براش) ويا نسمات الصّبا

ويا آخر الشوط : أين اللقاء ؟

ويا جدب أرجوك أن تخصبا

ويا حلم ، هل تجتلي معجزا

تحيل خطاه الحصى كهربا

يبيد بكف ، نيوب الرياح

ويمحو بكف ، حلوق الربى

ويغرس في الذئب رفق النّعاج

ويمنح بعض القوى الأرنبا

أيأتي ؟، ويحتشد الانتظار

يمد له المهد والملعبا

ويبحث عن قدميه الشروق

ويحفر عن ثغره المغربا

وعادت كما بدأت غيمة

توشّي بوارقها الخلّبا

وتفرغ أثداءها في الرمال

وتهوي تحاول إن تشربا

و(صنعاء) ترتقب المعجزات

وتحلم بالمعجز المجتبى

وبتطلع عميق كأنه يتحدث عن تفاصيل قادمه يضيف:

وغداة يوم أو مضت

من حيث لا يدري إشاره

فأطل نجم من هناك

ومن هنا لمعت شراره

حتى تنهّد ((حزيز)) … وتناشد الصمت انفجاره

نبض الهدوء الميت واحمرّت على الثلج الحراره

ماذا ؟ أقمرت النوافذ والسطوح بكل حاره

وتناغمت ((صنعاء)) تسأل جارة ، وتجيب جاره

حرّية ((دستور)) صغناه … وأعلينا شعاره

((سجل مكانك )) وانبرى … التاريخ يحتضن العباره

وأطل جوّ لم تلد … أمّ الخيالات انتظاره

وفي نفس الوقت يشير إلى ولادة جديدة، يؤكدها بقصيدة “صنعاء والميلاد الجديد”

ولدت صنعاء بسبتمبر

كي تلقى الموت بنوفمبر

لكن كي تولد ثانية

في مايو … أو في أكتوبر

في أوّل كانون الثاني

أو في الثاني من ديسمبر

ما دامت هجعتها حبلى

فولادتها لن تنأخّر

ويشير إلى النصر وكأنه يراه رأي العين بقوله:

زحفنا إلى النصر زحف اللّهيب

و عربد إصرارنا عربدا

و دسنا إليه عيون الخطوب

و أهدابها كشفار المدى

طلعنا على موجات الظلام

كأعمدة الفجر نهدي الهدى

و نرمي الضحايا و نسقي الحقول

دما يبعث الموسم الأرغدا

لنا موعد من وراء الجراح

و ها نحن نستنجز الموعدا

وهل يورق النصر إلاّ إذا

سقى دمنا روضه الأجردا

أفقنا فشبت جراحاتنا

سعيرا على الذلّ لن يخمدا

رفعنا الرؤوس كأنّ النجوم

تخرّ لأهدابنا سجّدا

و سرنا نشقّ جفون الصباح

و ننضج في مقلتيه الندى