السيد حسين الحوثي : ما هي مهمة التدخل الإلهي في المعركة؟
? – إذا كانت القافلة القرشية بقيادة أبي سفيان قد نجت من أيدي المسلمين فما الذي دفع بالأمور نحو الاشتباك العسكري المباشر لاحقا؟
? – كيف اتخذ الرسول قرار المواجهة مع الجيش القرشي مع أن أصحابه في عدد قليل وعدة أقل؟
? – ما التدخلات الإلهية التي تجلت قبل خوض المسلمين المعركة في بدر؟
? – كيف تجلت فطنة النبي وحنكته في قيادة المعركة الحربية؟
? – تعد راية النبي في معركة بدر أول راية في الإسلام في معركة يخوضها الحق في وجه الباطل، فمن الذي حمل هذه الراية؟
? – قبل بداية المعركة هل عرض النبي على أعدائه الصلح والسلام قبل التحام الجيشين؟
? – ما هي مهمة التدخل الإلهي في المعركة؟
? – ما أبرز الدروس والعبر والعظات التي حملتها لنا غزوة بدر؟
???????
مرحلة الصراع المسلح
بعد هجرة النبي (صلوات الله عليه وعلى آله) تحول مجتمع مكة المجتمع الذي لم يستجب للحق لم يستجب لله وخسر بذلك خسارة كبيرة تحول هو بدلا من أن يكتفي بأن يكون مجتمعا يخذل الحق إلى مجتمع محارب وبدأ مشوار كبير من الصراع والحروب والمعارك والوقائع الكبيرة مع الإسلام.
غزوة بدر الكبرى
(17 رمضان 2هـ – يناير 624م)
لا يخفى موقف قريش العدائي من رسالة النبي (صلوات الله عليه وعلى آله) وممن التحق بهذا الدين إلى درجة اضطر فيها النبي (صلوات الله عليه وعلى آله) أن يهاجر من مكة إلى المدينة بعد أن وصلت بهم الحال إلى محاولة قتله (صلوات الله عليه وعلى آله) وظل ذلك الموقف العدائي حتى بعد الهجرة فكانوا يستخدمون نفوذهم وقوتهم وتسلطهم على أبناء الجزيرة العربية في الصد عن سبيل الله مما جعل المواجهة العسكرية مع هؤلاء الطواغيت شيء لا بد منه كما ذكر الله سبحانه وتعالى
لأن الحرب بنفسها تكون أحيانا شيئًا ضروريًا في إطار التدبير الإلهي العام لإقامة دين الله، فإرادة الله أحيانا تقتضي أن يتخذ هو ويهيئ لتنفيذ إرادته ومشيئته ويهيئ الأسباب والعوامل التي تدفع الطرفين إلى القتال: {ويريد الله أن يحق الحق بكلماته} {ليقضي الله أمرا كان مفعولا} لأن نتائج المعركة هي بيده سبحانه وتعالى.
ولذلك كان الخروج إلى هذه المعركة بتوجيهات وترتيبات إلهية كما قال تعالى: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ} الأنفال5.
?النبي كان قائدًا عظيمًا
النبي (صلوات الله عليه وعلى آله) كان قائدا عظيمًا هو يمثل أعظم قائد عرفته البشرية على الإطلاق ولذلك كان مدركًا بأنه لا بد من المواجهة مع هؤلاء المشركين وغيرهم ممن لا يريد خيرًا للبشرية ولا يريد أن تتحرر البشرية ممن يرون في حريتها وإنقاذها من الضلال تهديدًا لمصالحهم الشخصية الضيقة، وهكذا هم الطواغيت في كل زمان ومكان يعمدون إلى أن تظل الأمة ضالة ضائعة غبية لتظل تحت سيطرتهم وطغيانهم.
ولمعرفة الرسول بأن هناك من يتربص بهذا الدين الشر والعدوان كان يجهز نفسه لمواجهة كل هذه التهديدات فكان يبعث بمجموعات للرصد والرقابة ومن خلال هؤلاء أبلغ النبي (صلوات الله عليه وعلى آله) في السنة الثانية للهجرة بعودة قافلة كبيرة جدًا لقريش من الشام حيث تقول الروايات أنه لا يوجد أحد من أهل مكة إلا ومعه فيها نصيب. فكان رسول الله يريد ضرب طواغيت مكة اقتصاديًا ليردعهم عن محاربة الإسلام والتضييق على المسلمين.
وكان المسلمون أمام حالتين: إما مواجهة القافلة التي يمثل استهدافها ضربة كبيرة لقريش اقتصاديا لأنهم يعتمدون في قوتهم العسكرية على الجانب المادي وهذه ستمثل ضربة كبيرة لهم إضافة إلى أنه كان ضمن القافلة أبو سفيان بن حرب قائد المشركين هو ومجموعة معه سهل القضاء عليهم.
فالمسلمون خرجوا وهم أمام فائدتين: الضربة الاقتصادية للعدو ويتقوون هم اقتصاديًا وكانوا ينظرون بأنها فرصة للسيطرة على أبي سفيان نفسه وفي قتله أو أسره ضربة كبيرة للمشركين؛ وهكذا تحركوا على هذا الأساس.
أبو سفيان جاءت له الأخبار بتحرك النبي (صلوات الله عليه وعلى آله) فأرسل رسولا إلى مكة يبلغ قريش بذلك ويستنفر أهل مكة وسلك بالقافلة طريقًا أخرى. وعندما وصل الخبر إلى أهل مكة أثارهم ذلك جدًا فكان الاستنفار كبيرًا في مكة وخرجوا بجيش كبير في عدده وعدته وإمكانياته بالنسبة لإمكانيات النبي (صلوات الله عليه وعلى آله).
وأقبلت قريش تشق طريقها نحو بدر فلا تنزل منزلًا إلا وتنحر الجزور وتشـرب الشراب وتغنيهم القيان.
أبو سفيان يرسل رسولًا إلى قريش ولكن هذه المرة يخبرهم بنجاة القافلة ويطلب منهم الرجوع إلى مكة.
أبو جهل مخاطبًا أشراف قريش عندما وصلهم رسول أبي سفيان: لا والله لا نرجع حتى نَرِدَ بدرًا فنقيم فيها ثلاثًا ننحر فيها الجزور ونشرب الخمور وتعزف علينا القيان وتسمع العرب بمسيرنا فلا تزال تهابنا.
وقد أنزل الله في ذلك قوله سبحانه وتعالى: {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاء النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} (الأنفال:47).
الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) وصلته الأخبار بأن القافلة قد نجت وأن قريشًا قد خرجت لاستئصال المسلمين ولكنه كان يسير وفق ترتيبات إلهية في الموضوع، كل هذه الترتيبات تلمس فيها التدبير الإلهي وهنا يجمع المسلمين ويستشيرهم في الموضوع.
رسول الله: ((أيها الناس: إن قريشًا قد أقبلت في جيش لحربنا فما ترون)).
المقداد: والله يا رسول الله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل (اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون) ولكن نقول اذهب أنت وربك إنا معكما مقاتلون.
رسول الله: ((أشيروا علي)) وكان يريد الأنصار.
سعد بن معاذ: والله لكأنك تريدنا يا رسول الله.
رسول الله: (أجل).
سعد بن معاذ: قد آمنا بك وصدقناك فامضِ يا رسول الله فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك إنا لصُبُرٌ عند الحرب صُدُقٌ عند اللقاء.
فسر رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) بهذا الجواب القوي وأثلج صدره وهو جواب كل مؤمن قوي في إيمانه مخلص لله في عمله.
رسول الله: (سيروا على بركة الله فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين والله لكأني انظر إلى مصارع القوم) ويتلو عليهم {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ} (الأنفال:7).
لقد وعد الله سبحانه وتعالى المسلمين بأن إحدى الطائفتين ستكون لهم إما القافلة أو النصر في المعركة ولكن الرغبة كانت {الغنائم} كما قال الله سبحانه: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ} الأنفال7.
هنا التدبير الإلهي لم يأت على مزاج النفوس والأهواء لأن الهدف كان أكبر من مجرد قافلة وإنما كان لغرض كبير وهو إحقاق الحق وإبطال الباطل. وإحقاق الحق يعني سيادة المشروع الديني في واقع الحياة.
وهكذا التقى الفريقان في وادي بدر بينما نجت القافلة. المسلمون كانت عدتهم قليلة جدًا قياسا إلى ما عند الأعداء وحتى الإمكانيات. وكان هناك من الطرفين من لا يريد الحرب لكن الله كان يريد ذلك لذلك كانت المواجهة شيء لا بد منه وكما يقول الله سبحانه وتعالى: {إِذْ أَنتُم بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُم بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدتَّمْ لاَخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَـكِن لِّيَقْضِيَ اللّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ} الأنفال42.
وقبل المعركة حدثت تدخلات إلهية كانت تدفع وتشجع على المواجهة منها:
{وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ} الأنفال44
كذلك ما يتعلق بالنبي (صلوات الله عليه وعلى آله) يقول: {إِذْ يُرِيكَهُمُ اللّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَلَـكِنَّ اللّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} الأنفال43
يقول المؤرخون بأن الفريقان باتا قريبًا من بعضهما ولا يعلم أحدهما بالآخر.
رسول الله: ((انطلق يا علي أنت والزبير وبعض الرجال فأتوني بأخبار عن الماء)).
انطلقت المجموعة إلى الماء فوجدوا عليه بعض رجال قريش فأسروهم وأفلت بعضهم فأخبروا قريشًا فاستاءوا وباتوا يتحارسون فجاء علي والزبير بالسقاة إلى رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) فسألهم: ((أين قريش؟)).
أجاب السقاة: خلف هذا الكثيب.
الرسول: ((كم عددهم؟)).
السقاة: لا ندري وهم كثير.
رسول الله: ((كم ينحرون كل يوم؟)).
السقاة: ينحرون يوميًا عشرة أباعر ويومًا تسعة.
رسول الله القائد الحكيم: ((هم ما بين الألف والتسعمائة)).
ثم قال (صلوات الله عليه وعلى آله) للمسلمين: ((هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ أكبادها)).
هنا الله سبحانه وتعالى يذّكر المسلمين بحالهم يوم كانوا في مكة وما صاروا إليه من العزة والكرامة والتمكين بعد الهجرة لكي يذكروا الله كثيرًا ويستقيموا ويثبتوا عند لقاء عدوهم قال تعالى: {وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْـرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ
ملزمة الأسبوع, [٢٧.١٢.١٦ ٠٤:٤٣]
الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (الأنفال:26).
ملزمة الأسبوع, [٢٧.١٢.١٦ ٠٤:٤٤]
لم يعد يفصل بين الجيشين إلا مسافة قليلة تقدر بليلة واحدة.
الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) يخطط للمعركة ويحث المسلمين على الصبر والثبات ثم يأمرهم أن يتحركوا ليسبقوا المشركين إلى مصدر الماء وهي بئر بدر، فتحرك جيش المسلمين وسيطروا على الماء.
الرسول: يتفقد المكان ويرسم الخطط وأمر الجيش بالتمركز في العُدْوَةِ الدنيا من الوادي وأن يستقبلوا المغرب والشمس خلفهم وأمرهم ببناء حوض للماء يشـربون منه حال المعركة.
ثم بات المسلمون ليلتهم يصلون ويذكرون الله ويجهزون سيوفهم وسلاحهم ويدعون {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُـرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} (البقرة:250) وأخذوا يتجهزون ويستعدون ليوم الغد فيغشاهم النعاس فينامون ليلتهم في سكينة واطمئنان كأنهم في منازلهم وهي تثبيت من الله سبحانه وتعالى.
ثم أنزل عليهم الله سبحانه وتعالى غيثًا من السماء لِيُلَطِّفَ الجو ويثبت الأرض حتى لا تغوص الأقدم فيها حال المعركة عكس قريش فإنه حصل لهم من المطر ما آذاهم ولم يكن بين الجيشين إلا مسافة قليلة وذلك قول الله سبحانه وتعالى: {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ} (الأنفال:11).
طلع الفجر فجر يوم جديد غيرَّ الله فيه موازين القوى وتغيرت فيه الأمور لصالح المسلمين بنصر الله لهم، إنه فجر يوم العزة والكرامة والنصر الإلهي، أشرقت شمس ذلك اليوم العظيم على ساحة العزة والشرف تشع على ميدان الجهاد الاستبسال بضوئها الناصع البياض لترسم للأجيال في تاريخهم يومًا مشهودًا.
بدأت طبول الحرب تدق.
والقائد العظيم والمعلم المصطفى محمد (صلوات الله عليه وعلى آله) في كل ميدان يجهز الجيش، يرص الصفوف، يرسم الخطط، يعطي رايته علي بن أبي طالب، ويعطي لواء المهاجرين لمصعب بن عمير، ولواء الخزرج للحباب بن المنذر، ولواء الأوس إلى سعد بن معاذ، يحث الجميع على ذكر الله وإخلاص العمل لله ويتلو عليهم من كتاب الله.
أقبل المشركون فكان لا بد لهم من النزول بالعدوة القصوى من الوادي واستقبال الشمس؛ لأن المسلمين قد سبقوهم والرسول والمسلمون ينظرون إليهم لوضع اللمسات الأخيرة للمعركة.
أبو جهل: ينظر إلى جيش المسلمين في غرور وتكبر ويُحدِّث مَنْ حوله ولا يدري كيف سيكون مصيره بعد ساعات فيقول: ما هم إلا أكلة رأس لو بعثنا إليهم عبيدنا لأخذوهم أخذًا باليد.
عتبة: أترى لهم كمينًا أو مددًا.
فبعثوا عمير بن وهب الجمحى وكان فارسًا شجاعًا فجال بفرسه حول معسكر رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) ثم رجع فقال: القوم ثلاثمائة إن زادوا زادوا قليلًا وليس لهم كمين ولا مدد ولكن الولايا تحمل المنايا نواضج يثرب تحمل الموت الناقع قوم ليس لهم منعة ولا ملجًا إلا سيوفهم يتلمضون تلمض الأفاعي ما أرى أنهم يولون حتى يُقْتلوا ولا يُقْتلون حتى يَقْتلوا بعددهم.
أبو جهل: كذبت وجبنت.
فنزل قول الله سبحانه وتعالى: {وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} (الأنفال:61) فبعث رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) إليهم أن ارجعوا فلئن يلي هذا الأمر مني غيركم أحب إلي.
عتبة: ما رد هذا قوم قط فأفلحوا ثم ركب جملًا أحمر وخطب خطبةً قال فيها: يا معشر قريش أطيعوني اليوم واعصوني الدهر فإن يك صادقًا فأنتم أعلى عينًا به وإن يك كاذبًا كفتكم ذؤبان العرب أمره.
وتحمل عتبة دم الحضرمي الذي قتله المسلمون بنخلة على أن يرجعوا.
أبو جهل: كلا لن نرجع أجبنت وانتفخ سحرك.
عتبة: أمثلي يجبن “وشتم أبا جهل وأخذته حمية الجاهلية فقرر القتال معهم”.
واصطف المشركون للقتال وتجهزوا واستعدوا وبدأت المناوشة بين الطرفين.
الأسود المخزومي: أقسم باللات والعزى لأهدمن الحوض الذي بناه المسلمون للشرب فشدَّ على فرسه حتى دنا من الحوض فاستقبله أسد الله وأسد رسوله حمزة بن عبد المطلب فضربه ضربة أطن قدمه فقطعها.
فزحف إلى الحوض فهدمه برجله الأخرى فعطف عليه حمزة فقتله فكان أول قتيل من المشركين.
فكبر المصطفى (صلوات الله عليه وعلى آله) واستغاث الله، فكبر المسلمون وأخذوا يجأرون بالدعاء {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُـرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} (البقرة:250) فميدان المعركة هو محراب الدعاء المستجاب.
وقد أخبر الله عن ذلك في كتابه الكريم {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ} (الأنفال:9).
وتحمس للقتال عتبة بن ربيعة وأخوه شيبة وولده الوليد بن عتبة وأخذتهم حمية الجاهلية وخرجوا من بين صفوف المشركين مستلين سيوفهم فتقدموا إلى جيش المسلمين ينادون من يبرز لنا؟ ألا هل من مبارز؟
فتقدم للبراز ثلاثة من الأنصار.
فنادى منادي المشركين يا محمد أَخْرِجْ لنا أكفاءنا من بني قومنا.
القائد العظيم يقدم أقرب الناس إليه في سبيل إعلاء كلمة الله ومقارعة المستكبرين فقال: ((قم يا حمزة بن عبد المطلب قم يا علي بن أبي طالب قم يا عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب)) فخرج حمزة وعلي وعبيدة متقلدين سيوفهم وتقدموا نحو الميدان في ثبات وإيمان واستبسال وعليهم لباس أبيض حتى وقفوا أمامهم.
عتبة: تكلموا نعرفكم فإن كنتم أكفاءنا قاتلناكم.
حمزة: لم تعد تعرفنا أنا حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله.
عتبة: كفوٌ كريم وأنا أسد الحلفاء ومن هاذان معك.
حمزة: علي وعبيدة بن الحارث.
عتبة: كفوان كريمان.
فبرز حمزة لعتبة وعبيدة ابن الحارث لشيبة وبرز علي للوليد.
وبدأت المبارزة بين الفريقين في وسط الميدان فالكل في حالة من الذهول والترقب عما ستسفر عنه المبارزة فما لبثوا لحظات إلا وعلي بن أبي طالب يتحفهم بالانتصار الأول عندما ضرب الوليد على عاتقه وأخرج السيف من إبطه وضربه ثانية فصرعه فبدت ملامح النصر تلوح في الأفق.
القلوب تخفق وتزداد وتزداد نبضات القلب لحظة لحظة وتستمر المبارزة فإذا بحمزة يضرب عدو الله عتبة ضربةً صرعته ولم يتبقَ إلا عبيدة وخصمه وتستمر المبارزة فيختلفان ضربتين، ضربه عبيدة ضربة على رأسه فلقت هامته، وشيبة ضرب عبيدة ضربة قطعت ساقه وانتهت المبارزة بهزيمة ساحقة للمشركين ونصر عظيم للمسلمين فارتفعت هتافات التكبير والتهليل من معسكر المسلمين واستبشـروا بنصر الله وتأييده بينما قريش بمقتلهم ذلت وشعرت بالهزيمة والخزي.
والتحم الجيشان وجهًا لوجهٍ وخاض أنصار الله وأنصار رسوله المعركة كالأسود متلهفين للشهادة ينتزعون أرواح المشـركين انتزاعًا، شعارهم (يا منصور أمت) تحفهم ملائكة الله وتثبتهم.
وأصوات التكبير ترتفع من كل ناحية وحمزة أسد الله وعلي الكرار يصولان ويجولان في أرض المعركة كالليوث الضارية يقطعون رؤوس أئمة الكفر قطعًا ويحمى وطيس المعركة فيخرج القائد الحنون من عرينه ويخوض المعركة بنفسه وهو يقول: ((سيهزم الجمع ويولون الدبر والذي نفس محمد بيده ما يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابرًا محتسبًا إلا أدخله الله الجنة)).
فسارع المسلمون في القتال وأبلو بلاءً حسنًا واقتتل الناس قتالًا شديدًا فاخذ رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) كفا من التراب فرمى بها نحو القوم وقال: ((شاهت الوجوه اللهم ارعب قلوبهم وزلزل أقدامهم)) ولما جاء وقت الظهيرة انهزم المشركون وولوا هاربين لا يلوون على شيء يرمون الدروع عن أجسادهم لشدة خوفهم وهلعهم على الرغم من أنهم كانوا ثلاثة أضعاف المسلمين وأقوى تسليحًا ولكن النصر بيد الله قال الله سبحانه وتعالى: {كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} (البقرة:249) وقال سبحانه وتعالى: {وَلَقَدْ نَصَـرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (آل عمران:123).
وما وضعت الحرب أوزارها وانجلت الغبرة عن أرض المعركة إلا وقد سقط فيها من جيش المشركين وصناديدها وزعمائها 70 رجلًا أضف إلى ذلك من جرح 74 أسيرًا.
قتل منهم علي بن أبي طالب (عليه السلام) 24 وفي رواية أخرى 35 سوى من شارك في قتله مع غيره.
وقتل في هذه الغزوة فرعون قريش [أبو جهل ولما وقف عليه رسول الله مقتولًا قال: ((الحمد لله الذي أخزاك يا عدو الله)) وأمية بن خلف وعتبة وشيبة ابنا ربيعة وحنظلة بن أبي سفيان وعقبة بن أبي معيط والكثير من زعماء قريش.
أما الذين اختارهم الله من المسلمين في ذلك اليوم 14 رجلًا من الأنصار و6 من المهاجرين شهداء عند ربهم يرزقون.
ولم يتم التمثيل بأي جثة من المشركين على الرغم مما حصل منهم بل حتى أن الرسول أمر بجمع قتلاهم ووقف عليهم رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) وخاطبهم رجلًا رجلًا: ((يا عتبة يا شيبة يا أمية بن خلف يا أبا جهل هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقًا إني وجدت ما وعد ربي حقًا بئس القوم كنتم لنبيكم كذبتموني وصدقني الناس وأخرجتموني وآواني الناس وقاتلتموني ونصرني الناس)).
??حجم التدخل الإلهي
?ـ أمد الله المسلمين بالملائكة.
لقد كان حجم التدخل الإلهي في هذه المعركة كبيرًا جدًا بالشكل الذي جعل سير المعركة لصالح المستضعفين. فعندما لجأ المسلمون إلى الله القوي العزيز أمدهم بنصره وتأييده ورعايته بما جعل معنوياتهم عالية كما قال سبحانه وتعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ} الأنفال9 حتى نوع الدعاء يدل على الحالة التي كان يعيشها المسلمون.
?ـ النعاس ونزول المطر
النعاس ونزول المطر كان له دور كبير وبارز {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ} الأنفال11
?ـ وعند المواجهة يتدخل هو سبحانه وتعالى
وعند المواجهة يتدخل الله بصورة أكبر: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} الأنفال12
تحدث القرآن الكريم عن الرعاية الإلهية والتدخل لمن يسيرون في سبيله وكيف يكون التدخل الإلهي في المسيرة الجهادية فالتدخل الإلهي يكون له الأثر الكبير في حسم هذا الصراع وفي نتائجه.. وله أشكال متعددة.
ومهمة التدخل الإلهي أن يرفع الجانب المعنوي لدى الإنسان ويسهم بشكل كبير في أن تكون معنوياتك قوية وعالية لأن الجانب المعنوي يعتبر أساسي لو كانت إمكانيات الناس كيفما كانت ومعنوياتهم منهارة لن يستفيدوا منها إذا انهار عند الإنسان الجانب المعنوي فالله يؤيد و بشكل كبير بما يؤدي إلى رفع معنويات المجاهدين في سبيل الله حتى يدخلوا إلى المعركة بنفوس ثابتة ومطمئنة.
ورجع المسلمون إلى المدينة في فرحة وسرور رافعين أصواتهم بهتافات التكبير لله فهو الذي بيده النصر والتأييد فهو أكبر من كل كبير.
أما قريش فعادت إلى مكة تجر أذيال الهزيمة والحسرة إلى درجة أن أبا لهب لما بلغه الخبر مرض من ساعته بالجذام ولم يلبث إلا سبعة أيام ومات.
وهكذا انتهت المعركة بهزيمة المشركين وقتل عدد كبير من الطواغيت وكسر شوكة الشرك في الجزيرة العربية بكلها.
وشكلت هذه المعركة نقلة نوعية في حياة الرسالة فقد قطع دابر الكافرين وكسرت شوكتهم وظهر المسلمون كقوة لا يستهان بها في الجزيرة العربية وأزيلت عقبة كبيرة تحول بين الناس وبين التفهم لهذا الدين وبدأ الناس يأتون هم إلى النبي (صلوات الله عليه وعلى آله) ليعلنوا إسلامهم.
??الدروس والعبر??
? أولًا: القرآن الكريم يقدم أحداث التاريخ كأحداث مليئة بالدروس والعبر لهذه الأمة في كل جيل وفي كل عصر لأن رسول الله نبي لأول هذه الأمة وآخرها {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} الجمعة3 فتخطيطاته ومسيرته الجهادية هو يقدم فيها الدروس للأمة إلى يوم القيامة فلم يكن النبي (صلوات الله عليه وعلى آله) يفكر لعصره فقط.. فالقرآن قدم الأحداث على هذا الأساس على أساس أنها أحداث تعليمية في كل عصر وليس فقط للسنة الثانية للهجرة مثل واقعة بدر.. ولذلك لا يوجد حديث عن مكة وقريش هنا وإنما حديث عن إيمان وكفر، مؤمنين وكافرين، أنصار لله وأنصار الباطل؛ لأنها قضية تبقى دائما في كل زمان وفي كل عصر على أساس أنها قضية مرتبطة في كل عصر.
?فمن تلك الدروس
?ـ أن تطهير الأرض من الفساد قضية تقع على عاتق المؤمنين
فالقرآن الكريم يقدم تطهير الأرض من الفساد قضية مهمة، تجد أن هذه المهمة ـ فعلًا ـ في معارك النبوة، في معركة بدر ماذا حكى الله عن قريش؟ أخرجهم إلى المجزرة، إلى حيث ينحرون، أخرجهم إلى حيث ينحرون، ومهمة رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) ومن معه أن يطهروا الأرض من هؤلاء {لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ} (آل عمران:127) هذه مهمة أساسية بالنسبة لمن يدينون بدين الله، أن الدين هو لتطهير النفوس وتطهير الأرض، تطهيرها من الخرافات، تطهيرها من الفاسدين، تطهير النفوس أولًا من الفساد.
?ـ أهمية الرصد والرقابة والمتابعة لتحركات الأعداء لمعرفة ما يخططون له وينوون القيام به اقتداء بالرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) الذي كان طوال مواجهته لأعداء الله يبعث بمجموعات لغرض الرصد والرقابة لكل تحركات الأعداء.
?ـ الاستغاثة القوية بالله الذي بيده النصر
فالقرآن قدم الحالة الإيجابية للرجوع إلى الله في قوله تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ} الأنفال9
?ـ الرهان على الله والثقة بالله.
أن يكون الرهان هو على الله وليس إلى العدد والعدة {وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} آل عمران126
?ـ في بدر الرسول قدم درسا مهما لأهل البيت
كان رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) في غزواته يقدم أهل بيته هو، وكان أوائل الشهداء من أهل بيته في المعارك، في بدر كان الذين برزوا للمشركين في أول معركة هم من أهل بيته، من أقاربه، من أسرته.
?ـ قدم لنا القرآن الكريم كيف تكون نهاية الطواغيت.
الصناديد أولئك الكبار عندما برزوا في بدر من صناديد قريش، أبطال، أليسوا ذووا أصول قوية وأبطال؟ هنا جعلهم ينهارون وشدّ الآخرين، ولهذا بعضهم اندهش عندما رأى ابن مسعود على صدره وهو إنسان كان يعتبره لا شيء قال: [لقد ارتقيت مرتقا صعبا] وهو في بدر وقد صار يخور في دمه، فتح عينيه وإذا بابن مسعود فوق صدره جالس فقال: [لقد ارتقيت مرتقا صعبا] هذه قد تكون من هذا النوع، يرونهم فيحتقرونهم، يمر الشريط هذا الشريط خطير، هذا الشريط يأتي خطير، وإذا بمن كانوا يزدرونهم ويحتقرونهم ويعتبرون أنهم لا شيء وفي الأخير يرون هذا الدين نفسه لا شيء إذا ما هم فيه هم، وما هم مستعدين أن يكونوا فيه إلا بأن يكون هناك إملاءات معينة، رأوهم فوق صدورهم في بدر!.
?ـ النبي (صلوات الله عليه وعلى آله) قدم للأمة درسا مهما في الصراع هو أن تكون أمة مستقلة
يقول السيد حسين رضوان الله في الدرس الثاني آل عمران:
الله سبحانه وتعالى أراد أن يعلمنا بأن دينه يستطيع أن يجعلنا أمة مستقلة، تقف على قدميها، عزيزة، رافعة رأسها، تقهر الأمم الأخرى، ما الذي يحصل الآن؟ أليس كل العرب يتجهون إلى أمريكا لتنقذهم من إسرائيل؟ ولو أن أمريكا هي المحتلة وإسرائيل هناك للجئوا إلى إسرائيل تنقذهم من أمريكا! يلجئون إلى أمريكا وروسيا راعيتا السلام أن تنقذهم من إسرائيل.
النظرة القاصرة التي أراد الله أن يمسحها من أذهان العرب – لو تربوا على دينه، لو تربوا على نهج نبيه (صلوات الله عليه وعلى آله)، لو عرفوا سيرته وهو في جهاده من بدر إلى آخر غزوة لم يلجأ إلى طرف آخر، لم يلجأ إلى الفرس، أو يلجأ إلى الروم، وهما القوتان التي كانت تمثل القوى العظمى في العالم في ذلك العصر لم يلجأ إلى الفرس ليساعدوه ضد الروم، ولا إلى الروم ليساعدوه ضد الفرس، ولا إلى الفرس ليساعدوه على قريش، ولا إلى الروم ليساعدوه على قريش، ربى الأمة تربية توحي لها بأن باستطاعتها أن تقف على قدميها وتقارع الأمم الأخرى.
???????