”تمكّنت الطّلعات الجويّة التي شارك فيها صقورنا البواسل، مع أشقّائهم في دُول التحالف، بنجاح من إزالة التهديد على أمن المملكة والدّول المجاورة من خلال تدمير الأسلحة الثقيلة والصواريخ البالستية التي استولت عليها الميليشيات الحوثية من قواعد ومعسكرات الجيش اليمني“. مقتطف من بيان وزارة الدفاع السعودية.
نقلا عن تقرير نشرته “مجلة لو كنار أونشينيه، “Le Canard Enchaîné الفرنسية أرسلته سفارة فرنسا بواشنطن إلى الحكومة الفرنسية، بخصوص حرب السعودية في اليمن، تقرير تضمّن معلومات مُرعبة وأرقاما مُفزعة وصادمة ومخجلة في آن، منها:
– “مصرع 10 آلاف، بينهم 4 آلاف من المدنيين”،
– ” أنّ نسبة النّازحين قدّرها التقرير ب2 مليون و200 ألف يمنيّ، داخل اليمن”،
– “أنّ 400 ألف طفل يمنيّ يُعانون من أمراض خطيرة بسبب نقص التغذية والأدوية ومضاعفات النّزوح”،
– “أنّ وفاة 10 آلاف سنّهم دون الخامسة نتيجة العوامل المرتبطة بالحرب”،
– ” أن “عاصمة الحزم” والمنخرطين فيها قد جعل 80% من الشعب اليمني في حاجة إلى المساعدات الاجتماعية للعيش ضمن الشروط الأدنى المنصوص عليها دوليا”،
مصلحة الأبحاث التابعة للكونغرس، هيئة الاستخبارات والتفكير الاستراتيجي الأمريكي، قدّمت، هي الأخرى، تقريرا سرّيا عن حرب اليمن، أكّد أنّ عدد الضحايا قد “تجاوز ال10 آلاف قتيل، وأنّ 4000 منهم من المدنيين ..بالخصوص الأطفال والنساء والشيوخ”!
مصرع 10 آلاف، ونزوح 2 مليون و200 ألف يمنيّ، يُضافون إلى الدمار الشامل الذي أصاب ما كان لليمن من مرافق وبنى تحتية! ثم ماذا؟ هل أحدث هذا
التحالف الطائر”نصرا مؤزّرا“ على الأرض؟ هل تمكّن فعلا من إزالة التهديد على ”أمن المملكة العربية السعودية والدول المجاورة“، كما يرد ببيان مزهوّ لوزارة دفاع المملكة؟ هل حققَّ ”الحزم السعوديّ“ أيّا من الأهداف على الأرض، غير الأشلاء والتدمير الممنهج لمُقَّدرات اليمن العربي؟ هل تغيّر معاناة اليمن وضحاياه المدنيين، وملايين من مشرّديه، وتدمير مقوّماته من المعادلات العسكرية وخريطة المنطقة والتحالفات، حتى لا نخوض في “مشروعية” الحرب وعدالتها من عدمها، ما يضمن له فرض أمر واقع جديد منشود؟
ماذا لو رُصدت بعض من مئات ملايين الدولارات -ولن نقول كلّها- من تلك الأموال التي أهدرتها وبدّدتها السعودية ثمناً لصواريخها التي دمّرت بها مرافق ومنشآت اليمن العسكرية والمدنية، لمشاريع تنموية سواء في اليمن أو غيره من أواني العرب المستطرقة؟ أ لن يحتاج اليمن الفقير حدّ الإملاق إلى سنوات ضـوئية لكي يتمكّن من إعادة بناء ما هدّمه أشاوس التحالف؟ أ لم يكن ذلك أجدى وأنفع وأكثر ضمانا لأمن المملكة وجيرانها ومنعا لتسلّل من يهابون تغلغله في العراق وسوريا ولبنان وغيرهم؟
هل نجح من يحارب إيران، أو”رأس الأفعى“ -كما يحلو لهم تسميتها- في اليمن، في هزمها أو إضعاف نفوذها في المنطقة أو حتى مجرّد احتوائها؟ هل أوقف هذا ”الحلف الإسلامي السنّي“ بتعبيرات الجماعة التي تنضح طائفية، بتصدّيه الدنكيشوتي، مدّا شيعيا يحاربونه بدماء الإخوة ومقدّرات الأمة المستنزفة، وحيث وجبت حربهم، يؤثّرون”سلام شجعانهم“، والاستكانة لمظلّة نووية يطوّرها وينمّيها العدو القومي والمركزيّ لهذه الأمة فضلا عن تحوّله إلى قوة عظمى في مجال الغواصّات وسلاح البحريّة، ليستجدوها ككلّ مرّة ممّن موّلوه ليمتلكها”نيابة عنهم“؟!!
ثم بربّكم ، عن أيّ “صيغة جديدة في ملفّ إعادة إعمار اليمن” تُحدّثنا دول مجلس التعاون الخليجي وتطرحها للنقاش “في ورشة عمل تحضيرية ثانية”؟ أينها هذه “المناطق المحرّرة” وهذه “العودة للشرعية” التي تقول إنّها “ستبدأ منها”؟
رئيس الوزراء اليمني الموالي لهادي ، أحمد بن دغر، الذي يؤكّد شخصيا “أنّ الوقت مبكّر –لا نعلم متى يقرّر أصحاب العاصفة وقفها- لمعرفة التكلفة النّهائية لإعادة الإعمار”!! لم يغفل عن التشديد عن “أنّ التقديرات اليمنية تفوق ما سيقدّمه البنك الدولي”!!! وحين نعلم أنّ ممثلة المديرة القطرية للبنك الدولي باليمن، ساندرا بلومينكاب، Sandra Bloemenkamp، كانت أعلنت ب”أنّ البنك الدولي “بصدد تخصيص 15 مليار دولار للبنك اليمني المركزي بالتعاون مع الأمم المتحدة وصناديق تمويل إعادة الإعمار”! موضحة “أنّ هناك تحدّيات جسيمة أمام إعادة الإعمار باليمن، أبرزها الوضع الأمني، والحاجات الإنسانية العاجلة “. 15 مليار!ّ!
إذا أضفنا كلفة “الإعمار لما تنفقه السعودية وتحالفها “الإسلامي” في عاصفة حزمهم يوميا، ندرك فعلا حجم المأساة وعمقها! فكيف يوائم ذلك جناب الأمين عام لمجلس التعاون الدكتور عبد اللطيف الزياني، وتصريحه: “حريصة دول الخليج على وضع برنامج عملي لتأهيل الاقتصاد اليمني بما يسهل اندماجه مع الاقتصاد الخليجي”!! أ لم يكن ذلك الأحرى منذ البدء والأنجع للمحافظة على عمق الخليج العربي الإستراتيجي والموفّر لحرب مسرح العبث المتواصلة؟؟
اليمن الذي كان لسنوات السلم من مسؤوليات السعودية والخليجية عموما، تحت جميع المسميات، أولها واجب الجيرة، حتى لا نلزم الجماعة بالواجب القومي، نهاية بالعمق الإستراتيجي، أضحى الآن مسؤولية حرب، وحملا ثقيلا سينوء به الكاهل الملكي خلال وبعد العملية العسكرية المكلفة على جميع المستويات، وبعد نهايتها، لأن السعودية ستكون شاءت أم أبت ملزمة بضخّ ما بخلت به لإعادة إعمار ما دمّرته طائرات تحالفها الذي سينفضّ ولا نظنّه يملك ما سيتبرّع به للإخوة اليمنيين، فضلا عن الشرخ والتصدّع العميق الذي أحدثته في العلاقة مع اليمن.
أي جنون وعبث هذا الذي يُدمّر اليمن في حرب الملهاة التي تقضي على أخضره ويابسه مقدّراته وبُناه التحتية في مصادرة “حازمة” –كما عاصفتهم- على مستقبل أهله ونهضته؟؟!!
في زمن انعدام التوازن والعمى، أو التعامي، الاستراتيجي وتفسّخ منظومة قيمية برمّتها، بالأمان واستفحال السوس الطائفي النّاخر لأنسجة اجتماعية بعضها مُتآكل وبعضها متفجّر وبعضها جار هندسة عوامل تفجيرها، أضحى الحليم حيرانا لسان حاله يسأل أ تراهم ينوون نسف التاريخ هو الآخر أو الكفر بالجغرافيا ما دام كفروا بضرورات المصير المشترك؟ من وكيف سيتكفّل بردم هوة الحقد الطائفي المشظّية للأوطان والمعبّدة لطريق عودة المستعمر وأرخبيل الكيانات؟ أين يمضي هؤلاء بأنفسهم ..بل أين يمضون بنا؟؟