قضيّة الرواتب في غزّة: عدوان اقتصادي على القطاع؟
الصمود \متابعات
يبدو أن رئيس السلطة الفلسطينيّة محمود عبّاس لم يكتفي بالتنسيق الأمني القائم مع جهاز الشاباك الإسرائيلي. الشعب العزي أُصيب بحالة من الذهول إثر قرار عبّاس الأخير بخفض الرواتب بنسبة 30 بالمئة، وخاصة قيادة حركة فتح في قطاع غزة التي ندّدت بما أسمتها”مجزرة الرواتب”.
مئات الآلاف من الفلسطينيين في قطاع غزة أصيبوا بحالة من الذهول بعد قرار عبّاس وحكومة رام الله، خاصّةً أن القرار الجديد السياسي الذي يهدف لإغراق غزة بالأزمات تزامن مع صدور تقرير المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا حمّلت فيه القيادة الفلسطينية في رام الله والرئيس محمود عباس شخصيا المسؤولية عن الجرائم التي ارتكبتها أجهزة أمن الدولة الفلسطينية بحق الفلسطينيين، فضلاً عن اتهام الصحافة العبرية للسلطة الفلسطينية بأنّها عبارة عن فشل كبير.
لا شكّ أن هذه الخطوة ستزيد من ذبح قطاع غزة المحاصر إسرائيلياً، وتعزّز من مفاعيل الانقسام الداخلي، وبالتالي تفاقم معانات سكّانه عبر رفع معدلات الفقر والبطالة التي في الأساس هي من أعلى المعدلات في العالم، ولا يجوز أن تمر هذه الخطوة مرور الكرام، وهنا لا بدّ من الإشارة إلى النقاط التالية:
أوّلاً: وجدت الفصائل الفلسطينيّة أن “خطورة الخطوة هي التوجه الفعلي من السلطة نحو الانفصال التام بين غزة والضفة”، وفق القيادي في الجبهة الشعبية زاهر الششتري. لا يقتصر هذا الأمر على الفصائل التي لا تتوافق مع عبّاس، بل حتّى حركة فتح في قطاع غزّة أوضحت أن الهدف من هذه الخطوة، فصل القطاع عن الضفة بشكل تام، وفق القيادي الفتحاوي في غزّو نهرو الحداد.
ثانياً: لو صحّ ادعاء عبّاس لسرى الأمر على الضفّة كما القطاع. بعبارة أخرى “لو كانت الأزمة على كافة موظفي الوطن لكان الأمر مختلف، لكنه يستهدف موظفي غزة فقط“، وفق ما أوضح أمناء سر الأقاليم والمكاتب الحركية. يوضح بعض مناصري فتح في غزّة أنّ أي إجراء تتخذه الحكومة ضد سياسة “حماس” في غزة يجب أن يوجه ضدها أي حماس ولا يجب أن يكون ضد موظفي السلطة ورواتبهم، خاصة أن الموظفين أصلاً مع السلطة والحكومة في رام الله .
ثالثاً: إنّ الإجراء الأخير يعد ورقة ضغط جديدة على حركة حماس في القطاع بغية تحويل غزة إلى قنبلة موقوتة آيلة للانفجار في وجه الحركة. ربّما يسعى عبّاس لخلط أوراق حماس التي تستعد للردّ على عملية اغتيال الشهيد مازن الفقهاء، خاصّة أن هناك تعويل إسرائيلي على عباس بغية منع أي ردّ من الضفّة الغربيّة. يمكن لهذه الخطوة أن تشكّل ضغط على حركة حماس في الداخل الغزّي المحاصر اقتصاديّاً، في حين أنّ عباس سيحاول ربط الأمر بتهديدات من قبل جهات مانحة بقطع تمويلها لصالح موظفي غزة. يرى عضو اللجنة المركزية لحركة فتح في قطاع غزّة جمال محيسن أن “الإجراء الذي اتخذته حكومة الحمدالله ضد موظفي السلطة بغزة، يعدّ إجراء عقابي ضد حركة “حماس” التي شكلت مؤخراً “اللجنة الإدارية لقطاع غزة” .
رابعاً: لن تصب هذه الخطوة في صالح عباس على الصعيد الفتحاوي حيث سيستغل أعدائه هذه المناسبة للتصويب عليه واستثمارها سياسياً داخل الشارع الفلسطيني الذي يعاني اقتصاديّاً، وتحديداً في قطاع غزّة. هذا ما أوضحه النائب المفصول من حركة فتح محمد دحلان الذي شنّ هجومًا لاذعًا على رئيس السلطة محمود عباس وحكومة رام الله مؤكداً أنّ “خصم الرواتب جريمة لن تمر وسنتصدى لها”، وأضاف: بعيدًا عن كل القواعد والقيم الأخلاقية يرتكب عباس وزمرته جريمة كبرى مستهدفًا لقمة عيش أهلنا بالقطاع .
خامساً: من الناحية الماليّة، يأتي قرار عبّاس بعد تلقّيه أكثر من 50 مليون دولار إضافيّة خلال الشهر الفائت. يوضح مختصّون أن إجمالي المبلغ المُحصّل من القطاع سنويّاً حوالي 965 مليون دولار في حين أن السلطة تنفق 80.42 مليون دولار شهريا. وتوضح بعض التحقيقات التي أجراها محللون ماليون أنّ السلطة تدعي أنها تنفق حوالي 47% من موازنتها على قطاع غزة إلا أن ما ينفق فعليا لا يتجاوز 22% فقط.
قد يستغرب البعض من خطوة عباس الأخيرة، ولكن المستغرب فعلاً هو هذا الاستغراب، فمن يحرص على التنسيق الأمني واعتقال الشهداء وتعذيب الأسرى الفلسطينيين في سجون الأمن الفلسطيني، من غير المستبعد منه أن يدخل في العدوان الاقتصادي على سكّان القطاع، تماماً كما هو الحال مع سكان الضفّة الذين يعانون من عدوان عباس الأمني.
يعتقد عباس أنّه نجح في توجيه ضربة موجعة عبر إحالته غزة إلى التقاعد، هذا المنطقة التي ينظر إليها رئيس السلطة الفلسطينية عبر زاويتين “إما حماس أو دحلان” وهذا ما سيرتدّ عليه سلباً في المستقبل الذي لا نراه ببعيد. لا لقدرة حماس أو دحلان، بل لأن مواجته اليوم مع الناس في لقمة عيشهم.