صنعاء.. تَذَرُ “الفائدة” وتنسحبُ من الحرب (تقرير)
الصمود / 17 / أبريل
تقرير / إبراهيم الوادعي
تشكو الاقتصادات الإسلامية من غرقها في النظام المصرفي العالمي الربوي، والتعامل مع النظم المالية الربوية كواقع ينظر إليه على انه قيد لا يمكن الفكاك منه، ولا سبيل إلى الخلاص منه.
خطوة جريئة من رابطة علماء اليمن بالتعاون مع المرصد الاقتصادي للدراسات والاستشارات تنظيم ندوة في العاصمة صنعاء حول آفاق التحول إلى نظام الصيرفة الإسلامية الكامل، والتخلي عن نظام مالي جائر يعتمد الفائدة إلى نظام أكثر عدلا يعتمد المرابحة، ولايبقي المسلم في دائرة الغضب الإلهي.
ومن بين الأمور التي تجمع عليها فرق المسلمين ومذاهبهم هي حرمة الربا بكل أشكاله وأنواعه التي تصل إلى بضع وسبعين شعبة آوكما قال صلى الله عليه وآله،
مفتي الديار اليمنية ورئيس رابطة علماء اليمن العلامة شمس الدين شرف الدين دعا اليمنيين الى النظر فيما يعانونه من تدهور اقتصادي يمتد لعقود وحرب تشن عليهم منذ عامين وفتنة وسفك دماء، دعاه الى النظر في كل ذلك من زاوية الحرب التي لا مواربة من القران في إعلانها يشنها الله ورسوله على المتعاملين بالربا وقال في كلمته في افتتاح ندوة الانتقال الى الصيرفة الإسلامية: لم يتحدث الله عن حرب يشنها مع رسوله كالحرب على المرابين والمتعاملين بالربا “وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (278) فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ”.
وأضاف: أنه يمكن لليمن اليوم ولو في ظل العدوان أن يتخلص من نظام المصارف الربوية التي كشف العدوان عن عورتها وعجزها عن حماية المواطن بوجه العدوان السعودي الأمريكي والمتحكم في النظام المصرفي العالمي ، وان يخرج من دائرة العداوة الصريحة مع الله بالتعامل بالربا والقبول به كأمر واقع ،مع أنه ليس كذلك والبدائل متاحة.
ومن جانبه اعترف نائب رئيس الوزراء الدكتور حسين مقبولي بأن التعاملات الربوية جلبت على اليمنيين البلاء منذ التعامل بها من قبل الحكومة وإدخالها في موازنة الدولة وقال: أذون الخزانة ذات الآجال المتعددة للفائدة في تمويل موازنة الدولة منذ 94م لم تجلب سوى البلاء والفقر لليمن، وحملت الشعب المسكين ما يقرب من 100 مليار ريال ديونا على كاهله.
منذ ما يزيد عن عشرين عاما تأسست البنوك الإسلامية لكن تجربة كاملة في هذا المضمار يشمل نظاما مصرفيا إسلاميا يخرج عن دائرة التعامل بالفائدة الربوية تريد صنعاء المباشرة فيه اليوم.
وبالعودة إلى أوراق العمل المطروحة من قبل اقتصاديين فقد اكدت ان النظام المصرفي اليمني بواقعه الربوي الحالي عانى من اختلالات بنيوية، انعكست تدهورا اقتصاديا وقصر المنافع على الأغنياء دون الفقراء الذين ظلوا عاجزين عن تلقي أبسط القروض متوسطة وطويلة المدى، وبحسب الأوراق المقدمة فإن البنوك الإسلامية التي أنشئت بحسب القوانين اليمنية هي الأخرى ظل الفقراء بعيدين عن اهتماماتها التي تميزت بالاعتماد الى المرابحة قصيرة الأجل.
وأشارت أوراق العمل إلى أن البنوك الإسلامية اليمنية لم تكن إسلامية بالكامل اذ ظلت خاضعة لسلطة وقوانين البنك المركزي وتتعامل معه على أساس نظام التعامل الربوي، واعتمادها كذلك على المرابحة على علاتها الشرعية والاقتصادية، ولم تحقق طيلة 20 عاما مضت أي تغيير ملموس لناحية تشكيل بيئة إسلامية مصرفية متكاملة.
وذكرت أوراق العمل أن البيئة الاستثمارية للبنوك الإسلامية في اليمن تذهب ما نسبته 54% منها لتمويل التجارة على شاكلة قروض قصيرة ومتوسطة الاجل لا تزيد في معظمها عن عام واحد، ولم يحض قطاع الزراعة الحيوي بأكثر من 02% من دعم تلك البنوك.
توصيات الندوة دعت كافة أطراف المجتمع إلى التحول الى نظام الصيرفة الإسلامية، والحكومة إلى تعديل التشريعات الاقتصادية والمالية بما يتوافق ونظام التعامل الإسلامي الواسع، والذي يعطي خيارات عادلة في ذات الوقت.
وفي ظل إعلان رابطة علماء اليمن عن وجود مبادرة مع رجال الأعمال لتأسيس وإنشاء بيئة صيرفة إسلامية، وتغير واقع البنوك الإسلامية القائمة، لا تبدو الندوة رقما يضاف إلى سجل المؤتمرات وورش العمل التي عقدت لتمجيد العمل المصرفي الإسلامي دون أن يتحقق من ذلك سوى بنوك لم يكن لها من إسلاميتها إلا اسماؤها، وعناوين مزخرفة بلفظ إسلامي لخداع البسطاء.
وثمة أمرين لافتين في الدعوة إلى الانتقال الى نظام الصيرفة الإسلامية، الأول في كون الدعوة تأتي في ظل عدوان يشن على اليمن منذ عامين، ونال الجانب الاقتصادي منه الكثير من الأذى بلغت حد قطع رواتب الخدمة العامة في محاولة لتفتيت جبهة مواجهة العدوان وضرب الجبهة الداخلية والصمود الداخلي من باب لقمة العيش.
وبحسب اقتصادين فإن نقل العدوان للبنك المركزي إلى عدن والحرب الاقتصادية المتعددة قيدت وجمدت النظام المصرفي القائم على هشاشته توفر الأرضية الصالحة لوضع نظام إسلامي كامل يمكن البدء به والاعتماد عليه مستقبلا.
ويشير هؤلاء إلى ان تجارب النظام المصرفي الإسلامي بات يشكل اليوم 15% من حجم النظام المصرفي العالمي، وهو ما يجعل الأمل بالنجاح والتعامل مع الخارج كبيرا وممكنا.
الأمر الثاني وجود تحرك جدي علمائي وجد أيضا في قيادة ثورة 21 سبتمبر مشجعا وداعما للتحرر من هيمنة نظام ربوي لم تستفد منه اقتصاديات الدول الإسلامية بشيء، بل أدخلها في حرب مع الله ورسوله.
ما يرى مستحيلا اليوم، سيغدو ممكنا غدا، وعند الشروع بتطبيق مبادرة تأسيس نظام مصري إسلامي متكامل وفعلي، وفقا لإعلان رابطة علماء اليمن، تكون صنعاء شرعت عمليا بإزالة عقبة من امام انتصارها التاريخي، والتصالح مع نفسها كدولة إسلامية وخاضعة لله وأحكامه.