قرْع طبول الحرب على قطر: هل تكون أرض البحرين قاعدة الهجوم العسكري على الدوحة؟
الصمود / 2 / يوليو
حتى الآن، لا يبدو أن الأزمة الخليجية مع قطر في طريقها نحو “الحلحلة” الجذرية، ومع قُرب نهاية المهلة – يوم الاثنين المقبل ٣ يوليو – فإن صندوق الاحتمالات مفتوح على العديد من الممكن وقوعه، لاسيما مع بدء استعمال كلّ الأطراف المتنازعة “لغة الحرب” وأدواتها في تمضية الأيام الثلاثة المتبقية لانتظار الرد القطري على الشروط المطلوب تنفيذها لرفع الحصار المفروض عليها منذ الخامس من يونيو ٢٠١٧م.
وكما هو معتاد في مثل هذه الظروف؛ وجّهت المخابرات السعودية الحسابات الوهمية التي تُديرها على مواقع التواصل الاجتماعي للتمهيد من أجل فرْض الحرب على قطر، وبدأ المغردون التحريضَ الفاضح على الدوحة تحت وسم: “احتلال قطر”، مع التهديد بقوات درع الجزيرة التي احتلت البحرين في مارس ٢٠١١م لمواجهة الثورة الشعبية هناك. ويستبعد مراقبون أن يكون هذا التحريض الموجّه مجرّد “حرب نفسية” أو استمرار في “الهجوم الإعلامي” والسياسيّ على قطر، ويرجّح محللون مطلعون على أوضاع المنطقة؛ بأنّ هناك “جدية” في تجريب “الرد العسكري” في هذه الأزمة غير المسبوقة التي تعصف بمجلس التعاون الخليجي، والمتوقّع أن يُصاب بانهيار وشيك مع طرد الدوحة منه أو تجميد عضويتها، ليتم بعدها إعلان الحرب “الفعلية” عليها تحت مظلة قوات درع الجزيرة السعودية وتحريك الدبابات نحوها.
وعلى الرغم من المخاطر الفادحة، والمتدحرجة، لمثل هذه الخطوة “المجنونة والقاتلة”؛ إلا أنّ العقل “الهجومي” الذي يقود الوضعَ في الخليج هذه الأيام؛ لا يُستبعَد أن يندفع بنحو أعمى نحو هذه الهاوية التي يقول عارفون بأنها – في حال وقوع المحذور – ستُعيد تركيب الخارطة كلّها، وستدفع بدول الخليج – دون استثناء – إلى التورّط أكثر في “الخيارات” التي يُراد منهم اجتنابها، بما في ذلك خيارات توظيف الإرهاب والجماعات المتشددة. ويُذكّر المحللون في هذا الصدد بما حصل بعد غزو صدام حسين إلى الكويت، وما نتج عن التدخل العسكري الأمريكي في العراق، حيث كان لهذه التدخلات العسكرية الأثر البالغ في توليد، أو استيلاد، الجماعات المتطرفة الجديدة التي طبعت المرحلة الراهنة بأسوأ ملامح الإرهاب في تاريخ المنطقة. غير أنّ “العمى الإستراتيجي” الذي يسيطر على السعودية ومحورها؛ لا يُسعفها على إدراك عواقب الأمور، وعلى النحو الذي يختصره مجيء المراهق محمد بن سلمان بسرعة البرق إلى ولاية العهد، فضلا عن أنّ ولي أمر آل سعود، أي الأمريكي، يجد أنّ لهيباً إضافيا في منطقة الخليج لن يكون مضرّاً لمصالحه التجارية والإستراتيجية، ولكنه – أي الأمريكي – على وعي تام بأن “اللحظة المناسبة” لإخماد أي نيران متوقعة؛ لابد أن تكون في المتناول وأن يتم برمجتها بدقة في جهاز “الرموت كونترول” الجديد الذي يستعمله دونالد ترامب – حتى الآن – بإتقان لافت!
لم يكن مستغرباً أن الدوحة سارعت، بعد يومين من الحصار عليها، إلى استجلاب المزيد من القوات التركية إلى أراضيها، والتي تعزّزت أكثر خلال الأيام الماضية. فالقطريون فطنوا أن الرياض هذه المرّة مدفوعة بنيران أكبر من البغضاء والتهوّر، وأنها مصرِّة على “حسم” علاقتها مع النظام القطري القائم، ومن غير حسبان كثيرٍ للنتائج أو ردود الأفعال الإقليمية والدولية، وخاصة بعد أن جرّبت شعور المرارة في تجربة عدوانها على اليمن. لهذا السّبب، قطعت الدوحة الطريقَ على “الحسم العسكري” المبكّر واستدعت القوات التركية، وبالتوازي مع ترطيب أجوائها مع إيران، في الوقت الذي وجدت الأخيرة أنّ “الفرص سانحة لها لتمريغ أنوف آل سعود في الوحل” كما هدّدت مراراً، ولكن طهران فضّلت – وعلى نحو ما هو معروف عن العقل الإيراني الصّبور – أن تتجنب هذا الدّور الآن، وتكتفي بأداء دورها الإنساني الطبيعي في إرسال الأغذية إلى قطر، وفتح أجوائها الجوية والبحرية معها. وقد قدّمت إيران لنفسها بهذا الدور – وبالتلاقي مع دعواتها لحلّ الأزمة سلميا وحثّها الدول الغربية للتدخّل في هذا السياق – مكسباً سياسيا وإعلاميا، وخاصة في شأن الموضوع الجوهري الذي يدور حوله الصّراع الجاري، وهو موضوع الإرهاب، حيث يشعر الإيرانيون بأنّ “الكرة عادت إلى ملاعب أصحابها الحقيقيين”، ولم يعد هناك من أيّ ثقل أو عبء ينوء بها بهذا الشأن، ما عدا أن تواصل توسيع “الثغرة الصغيرة” في جدران الأكاذيب السميكة التي اشتغل عليها آل سعود والأمريكيون عبر وسائل الإعلام وشركات العلاقات العامة ومجسّات الرأي العام الوهمية.
لا شك أن الأمريكيين لن يكفّوا عن القفز من ضفةٍ لأخرى، وهم معنيّون بإعطاء كلّ طرف من أطراف الأزمة الشعور بالثقة والارتياح بدعم واشنطن، الآن أو لاحقاً. والتصريحات الأمريكية في ملف الأزمة، منذ بدايتها، استعملها كلّ طرفٍ لصالحه، كما أن واشنطن مفتوحة هذه الأيام لاستقبال وزراء خارجية قطر والسعودية على حدّ سواء، إضافة إلى أن القواعد العسكرية الأمريكية في الخليج ستكون خارج “ردود الأفعال” التي ستوجّه إلى قطر، سواءا بزيادة جرعة الحصار، أو بتحريك الأرتال العسكرية نحو الحدود القطرية، وقبل أن تنقضي المهلة.
وغير بعيد عن هذه الأجواء؛ جاء التسريب بعزم ما تُسمى بدول الحصار إنشاء قاعدة عسكرية في البحرين، بحسب ما قالت مجلة “الأهرام العربي” المصرية الخميس، ٢٩ يونيو ٢٠١٧م، والتي ذكرت بأن هذه الخطوة هي “واحدة من ٤ إجراءات سيتم اتخاذها ما لم تستجب قطر خلال ٧٢ ساعة، لمطالب السعودية والإمارات والبحرين ومصر”.
ونقلت المجلة عن “مصادر عربية رفيعة” لم تسمّها، أن الإجراءات المُشار إليها، إلى جانب إنشاء القاعدة، هي “تشديد المقاطعة الاقتصادية، وتجميد عضوية قطر في مجلس التعاون الخليجي، وتجميد ودائع قطر في الدول المقاطعة”. وأشارت إلى أن الخطوة ستمثل أول وجود عسكري مصري متقدم وثابت في منطقة الخليج.
وحتى اليوم، الجمعة ٣٠ يونيو ٢٠١٧م، لم يصدر أي تعقيب رسمي من الدول الأربع على ما ذكرته المجلة، ولكن اختيار البحرين لمثل هذه القاعدة “العسكرية” لم يكن مستغرباً مع تحويل آل خليفة البلاد إلى أرض مستباحة السيادة من جانب كلّ القوات الأجنبية، واستجلابهم للمرتزقة من أكثر من ٦ بلدان، غربية وشرقية، بغرض مواجهة الثورة الشعبية، وهو ما يجعل القيادي في المعارضة البحرانية، الدكتور سعيد الشهابي، يرى بأن “البحرين محكومة بعصابة سلّمت سيادتها للأجنبي، مقابل حماية حكمها”، متطلعاً “لتحرُّرها من الوجد الأجنبي، و٤٦ عاماً من حكم خليفة بن سلمان وحمد”، وفي هذا السياق، فإن قرار اختيار البحرين لأن تكون مقرَّا للقاعدة العسكرية الجديدة جاء بأمر آل سعود الذين يديرون البحرين إدارةً كاملة، وهو قرار – يقول مراقبون – قد يؤسّس لأن تكون القاعدة المذكورة منطلقاً للهجوم العسكري المحتمل على قطر، ليس فقط لأن هناك مزايا جغرافية في تنفيذ الهجوم من أرض البحرين، ولكن أيضاً إمعاناً من السعوديين في استعمال آل خليفة لتنفيذ أجندة التدمير والتخريب، تأسيساً على سياسة السعودية في توظيف النظام الخليفي وتحريكه باعتباره “أكياس رمل” و”وقود لتشتغيل الفتن السعودية”.
لا شك أن هناك خطوطا متداخلة إلى حدّ إثارة كلّ الفوضى، ومن الواضح كذلك بأن آل خليفة ما عادوا يجدون ما يدفعهم للحفاظ على أيّ رمق من الحياء السياسي والاستقلاليّة في القرار، ولاسيما مع انهيار كلّ ممكنات “الحوار الداخلي” و”المصالحة مع المعارضة”، وبعد أن ارتفعت الجدران الفاصلة بين البحرانيين وآل خليفة، حيث بات يرى كلّ طرف منهما بأنها معركته الأخيرة لتحديد المصير وكتابة نهاية الحكاية. وإذا كان آل سعود يرون أنهم ماضون لاقتراف كلّ “المهالك” و”المخازي” و”المغازي”، بعد أن تحوّلوا لأعداء أنفسهم؛ فإن التابع الخليفي أو الذّيل الخليفي ليس فقط غير جدير بالمشاركة في تحديد العدو من الصّديق، ولكنه أيضاً بات خارج الاعتبار الوظيفي لسيّده السعودي الذي لا يحسب له أيّ حساب في ميزان الخسارة أو الربح، الموت أو الحياة، العدو أو الصديق. وتلك هي طبائع الأمور حينما يستبيح النظامُ الناسَ وينتهك العرض، ويُفرِّط في سيادة الأرض، لتكون أنفاسُه وحُرّاسه من الأجانب والمرتزقة.