أمريكا تضحّي بحلفائها لتحقيق مصالحها “النموذج القادم” ؟؟
قبل أيام قال المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي.آي.أي) الجنرال “ديفيد بترايوس” إنه يتعين على شركاء واشنطن أن يتذكروا أن استضافة قطر لوفود من حركة (حماس) وحركة طالبان الأفغانية كانت بطلب أمريكي.
وأضاف بترايوس في حديث لمجلة “لو جورنال دو ديمانش” الفرنسية أن قطر تستضيف قيادة العمليات العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط.
ويعكس تصريح بترايوس في هذا الوقت الانشغال الكبير بما يحصل في المنطقة وتداعيات حصار السعودية والإمارات والبحرين لدولة قطر على الأمن القومي الأمريكي، ولذلك فتصريحه يحمل رسائل متعددة إلى هذه الدول.
ورغم أن قطر تعد حليفاً لواشنطن وسمحت لها بإنشاء قاعدة “العديد” العسكرية الجوية في غرب الدوحة والتي تعد من أكبر القواعد العسكرية الأمريكية في العالم، إلاّ أنها لايمكنها الاعتماد على الإدارة الأمريكية المعروفة بتغيير مواقفها طالما كانت هناك حاجة لذلك لضمان مصالحها حتى وإن تطلب الأمر التضحية بأحد حلفائها.
ولهذا أضحت قطر في معرض التهديد الأمريكي بعد أن رجّحت واشنطن الوقوف إلى جانب الرياض في أزمتها الحالية مع الدوحة إلى درجة أن الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” وجّه بنفسه انتقادات شديدة إلى أمير قطر “تميم بن حمد آل ثاني” متهماً إيّاه بدعم الإرهاب في المنطقة والعالم.
في سياق متصل توعد رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأمريكي “أد رويس” بفرض عقوبات ضد قطر بما في ذلك عقوبات قد تبعد الاستثمارات الدولية عنها. ويبدو أن واشنطن باتت تسير باتجاه سنّ قوانين لإرغام الدول التي لا تنسجم ولو مؤقتاً مع المصالح الأمريكية حتى وإن كانت حليفة لها لمدة طويلة.
وسبق لوزير الدفاع الأمريكي “جيمس ماتيس” أن وجّه في أبريل/نيسان الماضي تحذيراً شديد اللهجة إلى أمير قطر خلال لقائهما على خلفية دعم الدوحة لجماعة “الإخوان المسلمين”.
ورغم أن قطر تستضيف أكبر قاعدة عسكرية أمريكية بالعالم، إلاّ أن غضب واشنطن من الأخيرة دفعها للتفكير في نقل القاعدة لدولة أخرى.
فما هي الأسباب التي تدعو واشنطن لاتخاذ مثل هذه المواقف المتناقضة سواء مع قطر أو غيرها كما حصل مع نظام صدام في العراق، حيث دعمته أثناء حربه ضد إيران في ثمانينات القرن الماضي إلاّ أنها أسقطته في عام 2003 عندما دعتها مصالحها لذلك.
وعندما انتفض الشعب العراقي بعد حرب الكويت ضد نظام صدام أعطت أمريكا الضوء الأخضر لهذا النظام كي يقمع الانتفاضة ما أدى إلى مصرع الآلاف من العراقيين وتدمير البيوت على رؤوس ساكنيها في كثير من محافظات ومدن العراق.
ومن الجدير بالذكر أن أمريكا وبعد خروجها مضطرة من العراق في نهاية عام 2011، عادت للتدخل في شؤون هذا البلد مرة أخرى من خلال دعم الجماعات الإرهابية وفي مقدمتها “داعش” الذي اقتطع أجزاء كبيرة من الأراضي العراقية قبل أن يتم دحره والقضاء عليه بدرجة كبيرة بفضل تكاتف الشعب العراقي وقواه المسلحة والحشد الشعبي الذي لبّى نداء الفتوى الجهادية التي أطلقتها المرجعية لمواجهة الإرهاب والإرهابيين في العراق وتحديداً في المناطق الغربية لاسيّما في الموصل والأنبار وصلاح الدين.
ويبدو أن العقل الأمريكي لا يفكر سوى بمصالحه، كما إن النظام الحاكم في واشنطن لا يراعي سوى الوصول إلى أهدافه على حساب الدول الأخرى، ولا يتخذ قراراً ما لم يصب في غاياته التي يعتبرها ترامب فرصة وغنيمة لتحقيق مصالح اقتصادية وتجارية.
وأمّا الأخلاق والقيم والمبادئ والأعراف الإنسانية فلا وجود لها في عقول وقاموس ساسة البيت الأبيض، ولهذا تراهم يسارعون لتغيير مواقفهم دون الأخذ بنظر الاعتبار الانتقادات التي توجه لهم في هذا الإطار، ولطالما أضحى الحلفاء القدماء ضحيّة لقرارات هؤلاء الساسة ومن بينهم قطر التي وقفت إلى جانب أمريكا في الكثير من المواقف السياسية والعسكرية والاقتصادية.
من خلال هذه المعطيات وغيرها الكثير، بات واضحاً للرأي العام العالمي مدى الازدواجية التي تنتهجها أمريكا لتحقيق مآربها في الشرق الأوسط ومناطق أخرى من العالم، متبعة في ذلك المنطق الميكيافيلي “الغاية تبرر الوسيلة” وضاربة عرض الحائط جميع المقررات والقوانين الدولية، ولهذا لابدّ لجميع شعوب ودول العالم التحلي بأعلى درجات الحيطة والحذر، وعدم الدخول في مساومات مع واشنطن أو التعويل عليها في خلاصهم ممّا ورطتهم هي بنفسها في الأزمات وإراقة الدماء وضياع الثروات في إطار مشروعها المسمى “الشرق الأوسط الكبير أو الجديد” الرامي إلى تمزيق المنطقة والتحكم بمصيرها خدمة للكيان الصهيوني الغاصب.
ومما يؤسف له أن المنظمات الدولية وفي مقدمتها الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي تغض الطرف عن الجرائم الأمريكية لأن هذه المنظمات باتت أسيرة لإرادة وتسلط البيت الأبيض ونسيت مسؤولياتها بضرورة التصدي للهيمنة والغطرسة واحترام إرادة الشعوب وحقها في تقرير مصيرها والعيش بأمن واستقرار بعيداً عن أي تدخل أجنبي أو تحالفات مشبوهة لاتخدم سوى واشنطن وربيبتها “إسرائيل” على حساب دول وشعوب المنطقة.