صمود وانتصار

السيد الحوثي : ما عاقبة الذين يتستثقلون الإنفاق بألف ريال وهم قادرون عليها؟

 

? – ما الذي أوصل الفلسطيني إلى وضعية لا يستطيع فيها أن يواجه اليهود إلى عبر أمور بسيطة غير مؤثرة على العدو بشكل كبير رغم تكلفتها الكبيرة عليه؟
? – ما عاقبة الذين يتستثقلون الإنفاق بألف ريال وهم قادرون عليها؟
? – كثير من الابتلاءات – في علم الله – قد يستطيع الناس أن يتفادوها، فكيف ذلك؟
? – ما هي وضعية المؤمنين وهم يدعون الله سبحانه وتعالى؟

 

ألسنا نرى الفلسطينيين الآن يضحون بأنفسهم أحيانًا رجالًا ونساء، عملية في وسط السوق، عملية داخل شاحنة، وغالبًا ما تكون ضد مواطنين يهود، أي ليس لها أثرها الكبير وإن كانت عملية شجاعة وعملية مهمة لكن لاحظ من هو الضحية؟ هم في الغالب ليسوا أولئك العساكر، ليسوا أولئك الجنود الذين هم درع الدولة الصهيونية، الذين هم وسيلة الظلم، الذين هم يقومون بتلك المجازر، لا يستطيعون أن يصلوا إلى معسكراتهم، لا يستطيعون أن يصلوا إلى ثَكَنَاتهم، أعمال فردية لا يستطيعون أن يتكونوا ولا بشكل مجاميع ولو على أقل تقدير إلى مائة شخص إلى خمسين شخصًا، هل هناك من يمكنهم من هذه؟ لا. قد ينطلق بمفرده ثم ليس بإمكانه أن يصل ثكنة عسكرية في أغلب الأحوال فيفجر نفسه هناك في هذا الشارع أو في ذلك السوق، فليقتل ما يقتل، سيقتل لكن هل هناك نكاية حقيقية ومؤثرة جدًا بالعدو؟ لا.
قد يرى الناس أنفسهم في وضعية كهذه فإما أن تفجر نفسك لتقول لله ها أنا قد أعذرت، وما يدرينا لعله لا يقبل منك حتى حالة كهذه؟ لأنك فرطت يوم كان العمل اليسير سيترك أثرا كبيرا في نصر الدين، وفي القضاء على المنكر، وفي سيادة المعروف، فتنطلق لتفجر نفسك أو تقيم على فسق، على ضلال، وأنت تعلم أنه واجب عليك أن تهاجر فتترك بيتك ومالك، أو أن تنطلق في حمل ثقيل لتنزع نفسك من مالك وبيتك لتغادر إلى منطقة أخرى، أليس هذا حملًا؟، أولئك الذين يستثقلون ألف ريال في سبيل الله، سترى نفسك في واقع من هذا النوع إذا لم تنطلق، أم أن الفساد يقف عند حد؟ أم أن الظلم يقف عند حد؟ لا. الفساد لا يقف عند حد، الظلم لا يقف عند حد إذا لم يوقفه المؤمنون بأيديهم، أو ننتظر الظالمين أو ننتظر الفاسقين هم من يوقفون الفساد والظلم!، لا.
إذًا سيصل بالناس الحال إلى أن يروا أنفسهم أمام أحمال ثقيلة في ميدان العمل، ينطلق ليفجر نفسه فلا يرى أن هناك نكاية شديدة في العدو، أو أن يخرج من بيته وماله فتكون الأعمال مجهدة وتكون الانطلاقة لتبتعد عن مالك وعن عمارتك عن مزارع [القات] عن مزارع [البن] عن [العمارة] الجميلة فتغادرها وترى نفسك ملزما بأن تهاجر عنها وتتركها، أليس هذا حملا ثقيلا؟
سيكون ثقيلًا فعلا، ولكن سيكون حينها لا مناص منه، واحد من اثنين: إما أن يكون مسكنك أحب إليك من الله ورسوله وجهاد في سبيله، أو تنطلق لتجاهد في مرحلة ليس معك أحد ولا تستطيع أن تقوم بعملية مع مجموعة بسيطة من زملائك، بل لا تستطيع أن تُكَوِّنَ مع الآخرين جيشا ولا كتيبة واحدة.
ثم ما هو العمل الذي ينكي بالعدو؟ إن أردت أن تتكلم كمموا فمك وضربوك وداسوك، وتكون أنت من تتكلم وحدك ولا ينفع كلامك، ترى نفسك أنه لا مجال وليس هناك أي وسيلة أخرى إلا أن تربط نفسك بالمتفجرات ثم تنفجر، تنفجر بكل ما تعنيه الكلمة غيضا وتنفجر ألمًا على ما ضيعت، وتنفجر حيث ترى أنه لا وسيلة غير هذا الانفجار لتعمل ما يمكن أن يكون له أثر ولو بسيط في العدو، أنت تركت يوم كانت الكلمة الواحدة يمكن أن يكون لها أثر عمليات متعددة من هذا القبيل في مرحلة كتلك المرحلة المظلمة.
الكلمات في مراحل معينة هي من تفجر أوضاعا، هـي من تهز عروش ظالمين، هي من تبني أمة، لكن ستجد نفسك – أنت المؤمن المقصر – في مرحلة لا تستطيع أن تقول كلمة فلا يكون أمامك إلا هذا العمل أن تفجر نفسك أو تترك بيتك ومالك وتغادر إلى حيث يكون هناك أجواء بعيدة عن أجواء البلد الذي أنت فيه.
{رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا} (البقرة: 286) أبعدنا يا إلهنا عن أن يكون في أعمالنا في تقصيرنا في تفريطنا ما يجعل النتيجة أن نتحمل أوصارًا شديدة وثقيلة.

{رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ} حتى فيما يتعلق بالابتلاءات، الابتلاءات نفسها التي قال الله عنها: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الخَوْفِ وَالْجُوْعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأمْوَالِ وَالأنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِيْنَ} كثير من الابتلاءات – في علم الله – قد يستطيع الناس أن يتفادوها فيما إذا انطلقوا بإخلاص وجدوا استجابة لله ولرسوله في علم الله، حيث ينفع الدعاء، ألسنا نسمع أن رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) يقول: ((الدعاء يرد القضاء)). لكن الدعاء في مرحلة لا يستجاب لا يرد قضاء، وقد يكون القضاء من جانب الله بشكل ابتلاءات بشكل عقوبات، كثيرًا كثيرًا يتردد ويتكرر، متى ما صحح الناس أوضاعهم مع الله ورجعوا إلى الله وانطلقوا في الأعمال التي ترضيه كاملة حينها سينفع دعاؤهم، حينها سيكف الله سبحانه وتعالى كثيرا من العقوبات التي كانوا يستحقونها ويستحقها أمثالهم بسبب تقصيرهم.
{رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ} (البقرة: 286). نحن مؤمنون بأن الله لا يحملنا في ميدان التشريع ما لا نطيقه، بل المجال أيضا مجال التشريع من جديد قد أقفل بموت رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) خاتم النبيين، هل هناك احتمال أن تضاف تشريعات قاسية؟ هل يحتمل أن يكون هناك توبة بالنسبة لنا تفرض من جانب رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) أن نقتل أنفسنا؟ ألم تكن توبة بني إسرائيل بعد أن عبدوا العجل أن يقتلوا أنفسهم؟ في قضية عبادتهم العجل، كانت توبتهم أن يقتلوا أنفسهم فانطلقوا ولا خيار أمامهم إلا هذا أن يقتلوا أنفسهم، هذا من تحميل ما لا يطاق، لكن ليس كتشريع ضمن السنة التشريعية الإلهية إنما هذه من الأحمال التي كان سببها من عندك أنت، فأنت الذي حملت نفسك.
{رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ} (البقرة: 286) المؤمنون حريصون جدا على نجاة أنفسهم. بعد أن قالوا: سمعنا وأطعنا هم يعلمون بأن كل نفس لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت، وكثير من الأعمال تنطلق من الإنسان حتى على سبيل الخطأ والنسيان، وكل عمل هم يرون أثره سيئا، فهم يحرصون جدا على أن يبحثوا عن نجاة أنفسهم من عقوبات أعمالهم التي يقترفونها سواء عمدًا أو خطأ أو نسيانًا فيدعون الله ويطلبونه بكل المجالات التي تحقق لهم النجاة {وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ} (البقرة: 286) المهم أن تنجينا من عقوبات أعمال نقوم بها ونقترفها على أي سبيل كانت عمدًا أو خطأ أو نسيانًا، اغفرها سواء من باب عفوك أو من باب رحمتك أو من باب مغفرتك {وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ} (البقرة: 286) ألم يطلبوا الله من كل المجالات ومن كل الأبواب أن يتجاوز عنهم؟ هذا ينبي عن شدة حرصهم على نجاة أنفسهم فهم يطلبون من الله من كل الأبواب عسى أن يحصل التجاوز من هنا أو من هنا أو من هنا.
{وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا} (البقرة: 286) أنت وحدك مولانا، ولينا ولي أمرنا من له الأمر فينا من له اختصاص تدبير أمرنا وشؤوننا، أنت ملكنا أنت إلهنا أنت وحدك مولانا، مولانا هنا بمعنى ولينا ولي أمورنا، من إليه نرجع، ومن به نلتجئ، ومن منه ننتصر ونطلب التأييد، ومن بهديه نهتدي، ومن له وحده نذعن، ومن بحكمه وحده نرضى، ومن له وحده نستجيب.
{أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} (البقرة: 286). ليس أنت مولانا تنزل لنا المطر وتبارك لنا الأرزاق، [وتشتغل معنا] تعمل معنا، هكذا أصبح واقعنا نريد من الله أن يعمل معنا يهيئ الأشياء التي نحن بحاجة إليها ولا نستجيب له، ولا نؤمن به إيمانًا فعلًا عمليًا بأنه مولانا، ولا ننطلق في ميدان المواجهة لأعدائه، أما المؤمنون فهم قالوا هذه من واقع الشعور بالحاجة، وهم لم يدعوا فقط لأن ينطلقوا في ميادين المواجهة بل هم في ميادين المواجهة مع أعداء الله، هم في مواجهة مع أعداء الله؛ لهذا كان دعاؤهم دعاء من يعمل، دعاء من هو في ميدان المواجهة {أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} (البقرة: 286).
وهكذا المؤمنون يدعون الله سبحانه وتعالى وهم في ميادين العمل وليس في زوايا بيوتهم ولا في زوايا مساجدهم، بعيدين عن واقع الحياة، بعيدين عن الأعمال التي لا بد أن ينطلقوا فيها كما أمر الله سبحانه وتعالى.
المؤمنون يدعون الله دعاء من يؤمن بأنه هو وحده وليه أنت ولينا {أَنتَ مَوْلاَنَا} (البقرة: 286)، وها نحن في ميدان المواجهة لأعدائك {فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} هكذا هو دعاء المؤمنين.

من هذه الآيات تعرفنا على ما يتعلق بالإيمان برسله والذي كان نريد أن يكون هو موضوع هذه الجلسة ولكنها طالت، يمكن إن شاء الله أن نتعرض لها في الأسبوع المقبل في ما يتعلق بالمقارنة في واقعنا بين ما عرضه القران الكريم عن أنبياء بني إسرائيل وبين ما عرضه عن اليهود والنصارى من خبثهم، وخبث نفسياتهم لأننا في واقع الحال بين هذين الخيارين: إما أن نقتبس من نفسيات أنبياء بني إسرائيل أنفسهم، أو أن نقتبس من بني إسرائيل الحديثين الذين يسعون في الأرض فسادًا، فنرى في الأخير الروحية التي نحملها هل هي روحية موسى وعيسى وسليمان وداوود وإبراهيم وغيرهم من أنبياء بني إسرائيل؟ أم أنها روحية المفسدين في الأرض؟
على أساس أن نتلمس الفارق، ونضع أقدامنا على الطريق الصحيح لأنه ليس هناك – فيما أعتقد – واحد منا يرضى أن يسير على طريقة قارون أو شارون، وأن يكون من يصنع ثقافته ونفسيته قارون أو شارون، أو أن يكون ممن يصنع نفسيته موسى، أليس كلنا نؤمن بموسى؟
في حياة نبي الله موسى الكثير من العبر، وترددت قصته كثيرًا في القرآن الكريم، وربما مما يمكن أن نفهمه من خلال الحديث الكثير عنها عن قصة موسى وفرعون، أنها هي القضية التي ستبقى لنا علاقة بها مستمرة ليقال للمسلمين في ما بعد: أولئك الذين يدّعون أنهم أتباع موسى وعيسى هم من يسعون الآن في الأرض فسادا وعلى امتداد تاريخكم، أولئك أنبياؤهم فأنتم بين خيارين تعرّفوا على أنبيائهم وتعرفوا عليهم، على أولئك المفسدين في الأرض منهم، ثم اختاروا أنتم، ثم قيّموا واقعكم أنتم، ثم انظروا أيهما أكثر تأثيرا في نفسياتكم، هل إبراهيم وموسى وعيسى الذين هم مسيرة واحدة وروحية واحدة مع محمد (صلوات الله عليه وعلى آله)، أم أولئك الذين يسعون في الأرض فسادًا؟
وفعلًا سنجد أننا نمشي وراء الذين يسعون في الأرض فسادًا حكومات وشعوب، وأننا نرمى بأولئك الأنبياء العظماء الذين من بني إسرائيل بدءًا بإبراهيم جد بني إسرائيل وجد الأنبياء من بني إسرائيل إلى أخر نبي من أنبيائهم.
إن شاء الله سنتعرض لهذا الموضوع في الأسبوع المقبل.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من المؤمنين الواعين المستبصرين المستقيمين، وأن نكون من أوليائه الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
[#الله_أكبر
#الموت_لأمريكا
#الموت_لإسرائيل
#اللعنة_على_اليهود
#النصر_للإسلام ]
???????

???????
#دروس_من_هدي_القرآن_الكريم
#الهوية_الإيمانية
ألقاها السيد/ #حسين_بدر_الدين_الحوثي
بتاريخ: 31/1/2002م
اليمن – صعدة