صمود وانتصار

تحرّكات أمريكية تشير إلى تغيّرات مرتقبة في الملف اليمني

الصمود/ متابعات

أدركت السعوديّة فشل خيارها العسكري في اليمن. فبعد الإصرار السعودي على المضيّ بالعدوان رغم استنفاذ بنك الأهداف منذ عامين ونصف، تلوح في الأفق خطوات سعودية تسعى من خلالها الرياض للالتفاف على الشعب اليمني عبر طرح مبادرة سياسية، تهدف إلى ظغنهاءالعدوان العسكري بصورة لائقة لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وتبرئة الرياض في أي حكومة مقبلة من تبعات العدوان والعمل على إيجاد الفتنة بين الأفرقاء اليمنيين، وفي مقدّمتهم حركة أنصار الله والمؤتمر الشعبي العام.

ويبدو أن بن سلمان، وفق مراقبين، أحد المشجِّعين أو المشجَّعين على إنهاء العدوان، ولكن بما يحفظ ماء وجهه، لاسيّما بين أبناء العائلة الحاكمة، والتي تبدو منقسمة بعض الشيئ بعد سيناريو عزل محمد بن نايف من ولاية العهد، وتعيين الأمير محمد بن سلمان بدلاً منه.

الجبهة اليمنية، وبعد هدوء نسبي، كسرتها المجزرة التي ارتكبها الطيران السعودي اليوم الجمعة بحقّ المدنيين في منطقة محضة بمديرية الصفراء بمحافظة صعدة، رفعت قوات الجيش واللجان الشعبية من وتيرة عملياتها العسكريّة عبر عملية نوعية في تباب النهدين في نهم أدت إلى جانب تحرير التباب إلى قتل عشرات المرتزقة وجرح آخرين.

ورغم هدوء الجبهة اليمنية في بعض أيّام تمّوز، إلا أن الحرارة الميدانيّة لهذا الشهر كانت أكثر لهيبه حيث نجحت قوات الجيش واللجان الشعبية في تدمير 113 آلية عسكرية لتحالف العدوان السعودي ، فيما أطلقت القوة الصاروخية 15 صاروخا قصير المدى وعدد من الصواريخ الباليستية خلال شهر يوليو 2017م.

وبعيداً عن تفشّي وباء الكوليرا التي تعدّ السعوديّة متورّطة في تفشّيه في اليمن كجزء من استراتيجيتها في الحرب على اليمن، وفق صحيفة الغارديان البريطانيّة، تبدو العملية السياسيّة أكثر جموداً بعد انشغال دول العدوان في الأزمة الخليجية، التي شكّلت عبءً سياسياً يضاف إلى الأعباء السياسية السعوديّة على الصعيدين الداخلي والخارجي، فضلاً عن الأعباء الاقتصاديّة التي تشكّل بمجموعها عِبئًا على كاهل تحالف العدوان بصورة عامّة، والسعوديّة على وجه الخصوص.

ورغم هذا الجمود السياسي، إلا أن هناك تحرّكات أمريكية تشير إلى تغيّرات مرتقبة في الملف اليمني، فبج أن كشف موقع “جست سيكيورتي” الأمريكي عن صفقةٍ وصفها بالكبيرة، يتم وَضع رتوشها النهائيّة وسط تكتّم شديد بإيعاز سعودي لإنهاء العدوان، في غُضون الأشهر القليلة المُقبلة، أكد السفير الأمريكي في اليمن ماثيو تولر، إن حكومة بلاده تدعم بقوة مقترحات المبعوث الأممي إلى اليمن اسماعيل ولد الشيخ بشأن تسليم ميناء الحديدة لطرف ثالث وتجنيبها أي مواجهات، مؤكدا ان بلاده ستلعب خلال الفترة المقبلة دوراً قيادياً مع المجتمع الدولي لاستئناف الحل السياسي لإيقاف الصراع في اليمن.

وفي حين قال السفير الأمريكي أن بلاده تلقّت مؤشرات إيجابية من طرف حكومة هادي بشأن تلك المقترحات، مضيفاً “تلقينا مؤشرات إيجابية أيضاً من العناصر التي يدعمها علي عبدالله صالح، بينما لا تزال جماعة الحوثيين ترفض بعض النقاط التي تضمنتها مقترحات ولد الشيخ بشأن الحديدة”، أعطى الموقع المذكور بعض التفاصيل عن هذه الصفقة حيث كشف اجتماع جرى عَقده بين مسؤولين إماراتيين وسُعوديين مع مُمثّلين من الجناحين، الأول المُؤيّد للرئيس عبد ربه منصور هادي، والثاني، لجناح حزب المؤتمر، الذي يتزعّمه الرئيس السابق علي عبد الله صالح، خلُص إلى اتفاق بتولّي، رئيس الحكومة السابق خالد بحاح، الذي أُقيل أو استقال بعد خلافه مع هادي، رئاسة الوزراء لفترة انتقاليّة يتولّى بعدها رئاسة الجمهورية، ويكون أحمد علي عبد الله صالح وزيرًا للدّفاع، في إطار تحالفٍ جديد.

إلا أن حزب المؤتمر أكّد لا صحّة لكلام السفير الأمريكي ولا الموقع، مشدّداً على أن حزب المؤتمر لا يدخل في مُفاوضات حول صفقة بدون مُشاركة “أنصار الله”، واضعاً هذا الكلام في إطار الفتنة بين الجانبين.

لا ندري حقيقة التحرّكات الأمريكية، فهل هي بإيعاز من “بن سلمان” أم إيعاز له، إلاّ أن حقيقة الأمر أن مشروع الفتنة بين أنصار الله والمؤتمر ليس بالأمر الجديد. وبالتوازي مع هذا المشروع الفتنوي، ربط البعض التحرّكات السياسيّة السعودية تجاه بعض القيادات العراقيّة، بجملة من الملفات ومن ضمنها اليمن، حيث تشكّل الوساطة العراقيّة بوابة للاتصال مع حركة أنصار الله وتسوية العدوان، ولكن دون الاعتراف ببدء الحرب خشية ما يترتّب على الأمر من تبعات ماليّة مستحقّة، تفوق ما قد تريده أمريكا من السعوديّة، وفق قانون “جاستا”.

بالتأكيد، لن ترضى القوّات اليمنية بأي وساطة على حساب دماء اليمنيين، لأن أي تسوية تعدّ تدميراً لكافّة سنوات الصمود والانتصار. ما يعزّز خيار الصمود والمقاومة هو استهداف العمق السعودي بصواريخ بالستيّة. وبالتالي، قد تلجأ السعوديّة إلى خيار وقف العمليات الحربيّة، وليس انهاء العدوان كي لا تقع فريسة التبعات، كما فعل الكيان الإسرائيلي في حرب تمّوز 2006.

وربّما بعد انتهاء المدّة التي أعطاها وزير الدفاع الأمريكية للسعوديّة باستهداف اليمن، قد تلجأ السعوديّة إلى أمريكا، ولكن هذه المرّة لإنهاء العدوان، تماماً كما فعل الكيان الإسرائيلي في حرب تمّوز، فما هي الفاتورة التي سيطلبها ترامب مقابل اخراج السعوديّة من تبعات العدوان على اليمن؟