صمود وانتصار

“رؤية 2030” وعصر ما بعد النفط؛ مغامرة تاريخية أم ذكاء أسطوري؟!

الصمود / متابعات

لا يزال الأمير الشاب المندفع، محمد بن سلمان ماضيا في رؤيته الاقتصادية ومشروعه العملاق إعلاميا “رؤية 2030″، آملا أن يحقق لبلاده قفزة نوعية في الاقتصاد، وأن ينتشل مملكة أجداده من إدمانها على النفط ويحقق تنوع في مصادر دخل المملكة.

هذا الطموح الشبابي الذي للأسف لم يصب في مصلحة شباب المملكة، يأتي خدمة للأمير بن سلمان وطموحاته السياسية على الصعيد الفردي ولمدة محدودة فقط، ولكن هل يخدم شباب المملكة وطموحاتهم خاصة مع ارتفاع عدد العاطلين عن العمل بين فئة الشباب واتجاههم للأعمال الحرة والتي يعد بعضها مخالف للقوانين للتغلب على البطالة.

صحيح أن رؤية 2030 تسعى لإخراج السعودية إلى “عصر ما بعد النفط”، ولكن عبارة “عصر ما بعد النفط” تحمل سيف ذو حدين، لأن الرؤية من الناحية النظرية تحمل أفكارا ورؤى تصب في صالح الاقتصاد السعودي الذي يتغذى على النفط الذي يعد مصدره الوحيد تقريبا، أما من الناحية العملية فإن تحقيق هذه الرؤية تصطدم بمجموعة من المعوقات التي قد تشل عجلة الاقتصاد السعودي وتعيده إلى مرحلة ما قبل الألفية الثانية، لمجموعة من الاعتبارات التالية:

أولاً: رؤية 2030 ليست الأولى من نوعها في تاريخ المملكة فقد قدمت الحكومات السعودية المتعاقبة برامج وخطط تنموية وصل عددها إلى 10 خطط منذ 1970 وحتى 2015، وجميعها كانت تهدف إلى تحقيق تنوع في الاقتصاد السعودي المعتمد بشكل شبه كلي على النفط فقط، ولكن ووفقا لما ذكرته صحيفة ميدل إيست آي فإن 9 من هذه الخطط على الأقل قد فشلت على نحوٍ بائس في تحقيق هذا الهدف، لأسباب تتعلق بآلية الحكم في السعودية وانحصار اتخاذ القرارات بالعائلة المالكة فقط دون أي اعتبار لما يريده الشعب أو يقرره، فضلا عن الفساد الذي ينهش المملكة من الداخل.

ثانياً: إذا ألقينا نظرة سريعة على نص رؤية 2030 نجد أن النص يتحدث في احدى فقراته بأن ” الحكومة ستُحقق هدفها عن طريق بيع الأصول العامة وإعادة استثمار الأموال التي ستجمعها، وجمع الإيرادات عن طريق قنواتٍ “جديدة” بخلاف النفط”، ولكن كيف سيحدث ذلك إذا كانت السعودية تستمد قيمة أصولها من الاقتصاد المعتمد على النفط.

ثالثاً: نقطة أخرى مهمة في موضوع بيع الأصول العامة وإعادة استثمارها بغاية تحقيق “عائدات مرتفعة”، في هذه النقطة بالذات هناك لعب بالنار وبمصير دولة بأكملها، لأن خبراء الاقتصاد في جميع أنحاء العالم متفقين على أن البرامج الاستثمارية التي يمكن أن تحقق عوائد مالية مرتفعة تكون محفوفة بالمخاطر، لأنَّها غالباً تكون عرضةً لتذبذبات حركة السوق الحادة وتقلبات قيم السلع.

رابعاً: بيع أسهم كبيرة في “شركة أرامكو العملاقة والمطارات” الغاية منها كما ذكرنا آنفا إعادة استثمار عائدات بيع هذه الأسهم في مشاريع اقتصادية مختلفة لتوفير فرص عمل أكبر للشباب وتنويع مصادر الدخل في المملكة، بيع هذه الأسهم يشكل أكبر مغامرة في تاريخ السعودية لأن آرامكو تعد كنز السعودية الوحيد تقريبا، من ناحية أخرى كيف سيجرأ المستثمرين على شراء أسهم أو بناء مشاريع في ظل تذبذب أسعار النفط وهل سيكون بإمكان الحكومة تمويل ميزانيتها بشكل مستمر؟!، وبالتالي فإن هذا الوضع بالنسبة للمستثمر يشكل حالة قلق ولا يمثل أساساً اقتصادياً قوياً يمكن للمستثمرين الكبار اتخاذ قراراتهم استناداً إليه.

خامساً: هنالك شرخ كبير بين النظام الحاكم والشعب منذ تأسيس المملكة في ثلاثينات القرن الماضي، وازداد هذا الشرخ عاما بعد عام حتى وصل إلى قطيعة تامة، حيث تتعمد المملكة عدم مشاركة الشعب القرارات التي تتخذها وتتجاهل كل طموحاته ومطالبة وما على هذا الشعب سوى تقديم الطاعة والموافقة على كل ما تقره الحكومة، وهذا بحد ذاته كفيل بعرقلة الجهود الرامية إلى خلق واقع جديد واقتصاد حقيقي متنوع يعتمد على القوى البشرية السعودية كما يخطط بن سلمان، ولطالما أن السعودية وحكامها متمسكين بسياساتهم الداخلية مع شعبهم وغير قادرين على فتح أي قناة حقيقية مع الشعب عبر الحوار أو مشاركتهم الخطط المستقبلية للبلاد، ستبقى رؤية بن سلمان مسدودة ومحدودة الأفق.

سادساً: “أنا خرّيج عاطل”، اجتاح هذا الهاشتاغ السعودي موقع “تويتر”، نتيجة لسخط الشباب من آلية عمل الحكومة وخططها الاقتصادية التي سببت ارتفاع معدلات البطالة عوضا عن توفير فرص العمل لآلاف الشباب، واشتكى الشباب السعودي في تغريداتهم على تويتر من عدم حصولهم على فرص عمل، رغم إمضائهم أعواما في الدراسة الأكاديمية، ولم تستطع رؤية بن سلمان تحقيق أي نتائج ولو أولية  في موضوع البطالة كما كان يدّعي، وكشفت الهيئة العامة للإحصاء أن نسبة البطالة في السعودية وصلت إلى نحو 12.7 بالمائة.

في الختام يجب أن نقول أن على بن سلمان أن يتعامل بواقعية مع ظروف بلاده لأن المغامرات الغير محسوبة ستأخذ مملكته إلى المجهول، ولا يمكن أن يتم أي اصلاح اقتصادي ما لم يسبقه إصلاح سياسي في أساس الحكم وشكله، ولا يمكن لعاقل أن يصدق أن رؤية 2030 يمكن أن تتحقق بهذه المدة القصيرة لكون هكذا مشاريع وتحولات جذرية تحتاج لعقود من العمل الجاد وإدارة سياسية جيدة ومشاركة الشعب مثل هكذا قرارات، والأجدر بـ”محمد بن سلمان” وضع خطة خمسية لانقاذ المملكة من خطر الافلاس المتوقع خلال خمس سنوات.