دبلوماسي غربي: القيادة السعودية منقسمة حول حرب اليمن والدور الإيراني مضخم
يرد السفير الغربي على سؤالنا حول المدى الزمني لمواصلة السعودية معركتها في اليمن بسؤال مفاجئ “عن أي فريق في السعودية تتحدث؟ عن ولي ولي العهد محمد بن سلمان الذي “يريد مواصلة الحرب ويعتبر نفسه قادراً على القضاء على قوة الحوثيين”، أم عن ولي العهد محمد بن نايف “المعتدل الذي يرى في استمرار الحرب فرصة لتنامي الارهاب؟
في فندق “ميركور” (Mercure) وسط مدينة “بيين” السويسرية التي حملت اسم المفاوضات الأخيرة بين اليمنيين لستة أيام، مكث ثمانية عشر سفيراً، هم سفراء مجموعة “دعم الحوار اليمني” طيلة فترة المفاوضات، وسفراء مجموعة مجلس التعاون الخليجي والدول العظمى الخمس بالإضافة الى سفراء كل من اليابان وألمانيا وهولندا وتركيا والاتحاد الأوروبي، وإذا ما استثنينا سفير سلطنة عمان الذي تقوم بلاده بلعب دور الوسيط والمحايد في هذه الأزمة والسفير الروسي أيضاً، فإن سياسة باقي السفراء معروفة الاتجاه والدعم للتحالف الذي تقوده السعودية في الحرب على اليمن.
في اليوم الأخير لجولة المفاوضات، التقيت في بهو الفندق ذي الأربع نجوم، سفير إحدى الدول الغربية القريبة بل المتبنية إلى حد بعيد الموقف السعودي في المنطقة والذي قال إن مصلحة الرياض اليوم تقضي بوقف الحرب في اليمن.
يعتبر السفير الغربي الذي اشترط عدم ذكر اسمه، أن نتيجة المفاوضات اليمنية كانت مقبولة الى حد بعيد كون الأطراف اليمنية جلسوا وجهاً لوجه للمرة الأولى كما أدوا صلاة ظهر اليوم الأول معاً و”هذا يعتبر تقدماً كبيراً مقارنة بمؤتمر جنيف” (الذي عقد في شهر حزيران 2015 في مقر الأمم المتحدة في جنيف).
يقول “إن الايام الثلاثة الأولى كانت إيجابية جداً وإن الحوار بدا بناءً إلى حد كبير” و”اعتقدنا أن المسار بات على السكة الصحيحة وأن هذه الجولة ستنتهي بنتائج أكبر مما نتوقع”، لكن في اليوم الرابع وبعد الهجوم الذي شنته قوات الرئيس عبد ربه منصور هادي وقوات التحالف الذي تقوده السعودية على ثلاثة محاور (حرض التابعة لمحافظة حجة، في مأرب وفي محافظة الجوف “حيث حققت تقدما كبيراً”، “تراجع منسوب التفاؤل، وكاد الهجوم يهشم المفاوضات وأضعفه الى حد كبير وأعاد خلط الأوراق” بالنسبة لأولويات البرنامج الموضوع أساساً لهذه الجولة، وهو ما دفع بأنصار الله للتهديد بترك الطاولة نهائياً، “لكن الإصرار الدولي على استكمال العملية التفاوضية أعاد الجميع إليها”.
عقدة وقف النار بلا حل
رغم الضربة الموجعة التي تلقاها الحوار اليمني – اليمني في “بيين”، بقيت عقدة وقف إطلاق النار عصية على الحلحلة، فهي صلب الحوار وهي التي تحدد مسار العملية التفاوضية، فيما موقفا الطرفين على طرفي نقيض تماماً. يقول السفير الغربي “حاولنا كثيراً التوصل إلى وقف لإطلاق النار بأي شكل من الأشكال دائم أو مؤقت لكن في الميدان لا نتحدث لا عن هذا ولا عن ذاك، والاستنتاج أن الحوثيين يريدون وقف إطلاق نار دائماً وهم مستعدون للإفراج عن المعتقلين كافة بمن فيهم الخمسة الذين تطالب بهم الحكومة مقابل وقف النار لكن المنطق السائد في الجهة الأخرى هو أن وقف إطلاق النار مرتبط بالحل السياسي الشامل”.
ويستنتج أنه “ليس هناك أي وسيلة لوقف إطلاق النار حالياً وهذه هي نقطة ضعف هذه المفاوضات واللجنة العسكرية التي شكلت من أجل مراقبة وقف النار مهمتها محصورة فقط بتسجيل الخروقات والاتصال بالأطراف اليمنية في الميدان لإعلامهم بهذه الخروقات، و”لن يكون لهذه اللجنة دور محوري إلا عندما تحظى بالدعم الدولي والأممي وهذا سيأخذ الكثير من الوقت”.
موقف مناقض للرياض من الحصار الخارجي
في الأيام الستة التي قضاها اليمنيون تركز الحديث عن رفع الحصار الذي تفرضه قوات الجيش اليمني واللجان الشعبية على بعض مناطق الطرف الآخر ولا سيما تعز، ولم يأت المفاوضون على ذكر الحصار إلا مرور الكرام، هنا ذهب الموقف الغربي إلى النقيض تماماً مع الموقف السعودي وحتى من الموقف الذي يتبناه فريق الرئيس هادي، السفير الغربي اعتبر “أن الحصار المفروض خارجياً يجب أن يكون من ضمن اجراءات بناء الثقة”، وهذا الحصار المفروض تحت عنوان مراقبة الشحنات والبواخر ومنع إدخال السلاح الى اليمن تقوم به قوات التحالف اليوم و”يجب أن تعود هذه المهمة الى الامم المتحدة”.
فراغ أمني في عدن
لأول مرة تتطابق مواقف غربية مع موقف فريق صنعاء الذي كان يحذر دائماً من أن انسحاب الجيش واللجان التابعة له من المدن سيفتح الباب أمام المجموعات الإرهابية. هذا ما حصل الى حد بعيد في عدن حيث يرى الغرب أن فيها فراغاً أمنياً كبيراً بعد انسحاب الحوثيين وأنصار صالح، “فالقوات التي تقاتل الى جانب هادي لم تتمكن من السيطرة على المدينة التي يتواجد فيها مقاتلو القاعدة”.
الغرب يعتبر أن حكومة هادي لا ترى وجوداً للقاعدة في هذه المنطقة “علماً أنها موجودة”، بعكس الحوثيين الذين “يضخمون هذا الوجود إلى حد كبير”، والواقع يقول وفق السفير “ان القاعدة موجودة ولكن ليس بالشكل الذي يظهره الحوثيون ولكن على الآخرين عدم التساهل مع الخطر الذي تشكله والذي سيمتد إلى السعودية في حال استمرار الحرب”.
تضخيم الدور الإيراني
لطالما كان التصويب على الدور الإيراني في الأزمة اليمنية كطرف فاعل جداً في دعم أنصار الله بالسلاح، بيد أنه للمرة الأولى يتطرق مصدر غربي إلى هذا الدور على “أنه مضخم جداً”. يقول في هذا الإطار “إن ما قيل عن توريد أسلحة بشكل واسع من إيران إلى الحوثيين كلام مضخم، هناك دعم ولكن الأسلحة التي يقاتل بها الحوثيون أتت من مخازن الجيش اليمني وفي اليمن أسلحة وذخائر كثيرة”.
ويرى أن حقيقة الموقف الإيراني من هذه الأزمة “أن طهران تريد وقف هذه الحرب في أسرع وقت ممكن، وليست لديها أي مصلحة في استمرار هذه الأزمة” مشيراً إلى أن “لديها ملفات أخرى أكثر أهمية في سوريا والعراق وفي مقدمة الاهتمامات الإيرانية يبقى الحفاظ على قوة حزب الله في لبنان”.
مصلحة السعودية في وقف الحرب
في المقلب الآخر أي الجهة السعودية، تبدو الأمور ضبابية بالنسبة لاستمرار الحرب، يرد السفير الغربي على سؤالنا حول المدى الزمني لمواصلة السعودية معركتها في اليمن بسؤال مفاجئ “عن أي فريق في السعودية تتحدث؟ عن ولي ولي العهد محمد بن سلمان الذي “يريد مواصلة الحرب ويعتبر نفسه قادراً على القضاء على قوة الحوثيين”، أم عن ولي العهد محمد بن نايف “المعتدل الذي يرى في استمرار الحرب فرصة لتنامي الارهاب؟
وبعيداً عن الإجابة يرى السفير الغربي أن من مصلحة السعودية وقف هذه الحرب لأسباب عديدة من بينها:
ـ عدم قدرة السعودية على تأمين حدودها مع اليمن والتي تمتد لمسافات طويلة في ظل إطالة أمد الحرب فالخطر لا يأتي فقط من الهجمات التي يشنها الحوثيون بل الخطر الأكبر يأتي من المجموعات الإرهابية التي تتنامى في المناطق الجنوبية.
ـ بعيداً من الخطر الأمني على السعودية، بدأت تكاليف الحرب تضغط على الخزينة السعودية، فقد خسرت المملكة مليارات الدولارات في هذه الحرب، وللتعويض تقوم برفع نسبة انتاجها النفطي بشكل غير مسبوق من أجل تغطية تكاليف هذه الحرب اليمن وغيرها من الازمات التي دخلتها السعودية.
يختتم السفير الغربي حديثه بأن القوى الكبرى تريد وقف الحرب اليمنية، فالولايات المتحدة “التي وضعت ملف اليمن جانباً لفترة طويلة عادت لتنشط مجدداً في هذه المنطقة وهي تتخوف فعلاً من تنامي الارهاب هناك”.
#الميادين