صمود وانتصار

أمير سعودي يروي تفاصيل هروبه من المملكة وطلبه اللجوء السياسي

الصمود | متابعات

ألقت اعتقالات أمراء ووزراء سابقين في المملكة العربية السعودية، الضوء على حجم دائرة الاستبداد التي يمارسها النظام برئاسة الملك سلمان بن عبد العزيز، والتي لا تشمل فقط معارضين سعوديين، بل أي صوت يحمل رأياً مخالفاً، حتى داخل أسرة آل سعود.

وبينما يسود الغموض حول أوضاع المعتقلين السعوديين من أسرة آل سعود، يروي أحد أفراد الأسرة ممن تمكّنوا من مغادرة المملكة قبل ملاقاة المصير ذاته، شهادات مرعبة عن ملاحقات ومضايقات تعرّض لها، أدت إلى تخلّيه عن لقب الأمير، وتفضيله العيش في منفى يضمن له حريته وكرامته.

وفي هذا الإطار، تحدّث الأمير السعودي خالد بن فرحان آل سعود، أمس الإثنين، لقناة “دوتشي فيله عربية” الألمانية، عن قراره عام 2013 الانشقاق عن الأسرة الحاكمة في المملكة، بعد حصوله على حق اللجوء السياسي في ألمانيا.

ويروي الأمير السعودي المنشق قصة معاناته من التمييز والاضطهاد، والتي يعود سببها لمطالبة والده الأمير فرحان، الذي سُجن في الثمانينيات ووضع تحت الإقامة الجبرية، للعائلة الحاكمة بقدر أكبر من الحرية في المملكة.

يرفض خالد، كما يطلب مناداته، لقب الأمير، قائلاً خلال المقابلة: “أنا موجود في ألمانيا. تركتُ لهم الإمارة وسمو الأمير. أنا مواطن عادي، أعتز بأنّني مواطن سعودي، لكنّي لا أعتز بأن أكون في ظل هذا الحكم”.

جد الأمير خالد هو الأمير عبد العزيز بن سعود بن ناصر آل سعود، والذي يُعتبر والده أحد مؤسسي المملكة في عام 1932، أما والده الأمير فرحان، فكان ضابطاً في الجيش السعودي.

يروي خالد أنّ والده فرحان تحدّث مرة مع سلمان بن عبد العزيز، الملك الحالي، قائلاً له إنّه “من الأحسن إعطاء مزيد من الحريات للمواطنين”، وهو الكلام و”والنصيحة الخفية” التي فتحت عليه باباً من المضايقات، انتهت بتقديمه الاستقالة من الجيش.

غادر فرحان السعودية إلى لبنان ومصر، والتي تزوج فيها سيدة مصرية أنجبت له خالد وابتسام، وبينما كان في يوم من الأيام يغادر الرياض لقضاء إجازة في لندن، تم إعلامه في المطار بأنّه ممنوع من السفر.”

خالد:تركتُ لهم الإمارة وسمو الأمير. أنا مواطن عادي، أعتز بأننّي مواطن سعودي، لكنّي لا أعتز بأن أكون في ظل هذا الحكم”

اعتُقل الأمير فرحان آنذاك، بحجة التطاول على الملك خالد بن عبد العزيز (ملك السعودية بين 1975 و1982)، لمدة 6 أشهر، أُجبر خلالها على تطليق زوجته المصرية، والتي أُمرت بمغادرة السعودية برفقة ولديها، بأمر من سلمان بن عبد العزيز (الملك الحالي)، أمير الرياض في ذلك الوقت، والمسؤول عن أسرة آل سعود.

يذكر خالد كيف عاد طفلاً هو ووالدته وشقيقته، إلى السعودية، إثر عفو من الملك فهد بن عبد العزيز (ملك السعودية بين 1982 و1997)، إلى مرحلة “المهلكة” كما يصفها، حيث عانت عائلته من قيود على تحرّكاتها والعزلة عن الأسرة الكبيرة والجيران، وحتى الذهاب إلى السوبرماركت، بأمر من الأمير سلمان آنذاك.

لم يقابل الأمير خالد والده الأمير فرحان، خلال العزلة على تحرّكات أسرته، وكان الوالد ممنوعاً من القدوم من منزل إقامته الجبرية إلى منزل أسرته سوى مرة في الشهر.

نجح الأمير خالد بتفوّق بالشهادة الثانوية، حيث كان من العشرة الأوائل على مستوى المملكة، ودرس الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة، بينما درست شقيقته ابتسام في كلية الطب، وتقدّم إلى وظيفة في السفارة السعودية بمصر.

وفي هذا الإطار، يقول خالد، في المقابلة رداً على سؤال مستغرب لخطوته، إنّ “هذه بلدي، ورغم كل شيء ما علاقة الدولة بالقيود التي تعرّضت لها”، مشيراً إلى أنّ هدفه كان “أن أصير خالد… وليس الأمير خالد.. أن أصير نفسي.. أصل لمراحل بعيدة في تعليمي.. أن أفيد وطني وأفيد نفسي… لا أنكر في موقع جيد بناء على تعليمي”.

لم تقبل السفارة السعودية في القاهرة منح خالد صفة دبلوماسي، وتعاقدت معه عقداً حراً كأجنبي، نتيجة وجود اسمه على قائمة سوداء. ولدى مراجعته وزارة الخارجية السعودية، طُلب منه التقدّم بطلب إلى الأمير سلمان (أمير الرياض آنذاك والمسؤول عن شؤون الأسرة الحاكمة)، ليمنحه تزكية برقم وهمي، ما عرّض خالد لموقف محرج أمام موظفي الوزارة الذين كانوا يضحكون أمام عينيه.

لمجرّد نصيحة والده في الماضي، عانى خالد على مدى سنوات من تضييق حتى بصفته أميراً، إذ رُفض منحه امتيازات الأمراء عند تقدّمه لطلب علاج في الخارج، بعد تعرّضه لحادث سير في مصر، على الرغم من مقابلته الأمير سلمان 3 مرات، وهو على كرسي متحرّك.

وخلال تلك الفترة، كشف خالد عن فساد في مكتب الشؤون الخاصة للعائلة الحاكمة، وذلك بعد تلقّي منزله فاتورة كهرباء مكتوب عليها اسم رئيس المكتب، وبينما تحدّث خالد عن الأمر مع الأمير سلمان، طُلبت شهادته وشهادته شقيقته ابتسام، التي كانت قد تزوجت في الكويت.”

خالد:الآن… لا أخشى إلا رب العالمين… لماذا أعتذر عن حقي؟ أموت وأنا على رأيي أحسن من العودة إلى السعودية

تزامناً، حصل خالد، بفضل أحد معارفه، على إذن من وزارة الصحة بتلقّي العلاج في ألمانيا، والتي سافر إليها عام 2003، وهناك علم أنّ شقيقته وخلال تقديمها طلباً لتجديد جواز السفر في الكويت، أُمرت بمراجعة الوزارة السعودية، لتصبح بعدها ممنوعة من السفر.

تعاني ابتسام، شقيقة خالد، من حظر السفر حتى الآن، بدون أي أمر قضائي، وقد طُلب زوجها إلى السعودية، حيث قام تحت الضغط بتطليقها.

في العام 2007، علم خالد أنّ الأمير سلمان وقّع على قرار منعه من السفر، ليتوجه مباشرة إلى المطار عائداً إلى ألمانيا، وكتب بعدها خطاباً إلى الملك عبد الله بن العزيز (ملك السعودية بين 2005 و2015)، شارحاً له ما لقيه وعائلته على يد الأمير سلمان، عبر عدة أجيال.

وبعد هذا الكتاب، تلقّى خالد اتصالاً من رئيس الديوان الملكي خالد بن عيسى، الذي أعلمه بموعد مع الملك وضرورة عودته للسعودية، قام على أثره مباشرة بتقديم طلب لجوء سياسي في ألمانيا، قائلاً “لو نزلت إلى السعودية لم أكن لأتكلم معك الآن”.

وعلى الرغم مما تعرّض له، يؤكد خالد أنّ المشكلة مع النظام السعودي لم تعد شخصية، بل هي مسألة حقوق عامة، ويقول “هم بقوتهم وفلوسهم وبنفوذهم وبسفاراتهم ومخابراتهم وبكل شيء، حاربوني حرباً كبيرة وغير متكافئة… ومع ذلك حصلت على اللجوء السياسي.. الحمد لله، بفضل رب العالمين حصلت على الجنسية الألمانية.. وأنا الآن معزز مكرّم في ألمانيا”.

ويتابع “من خلال مواجهتي معهم اكتشفت مدى الاستبداد والظلم في السعودية… إذا أنا من الأسرة وانظلمت كل هذا الظلم فما بالك بالمواطنين؟”.

رفض خالد تقديم اعتذار علني مقابل رفع القيود عنه، ورداً على سؤال حول خوفه من الحديث عن تجربته، يختم خالد، الأمير السابق، بالقول “الآن… لا أخشى إلا رب العالمين… لماذا أعتذر عن حقي؟ أموت وأنا على رأيي أحسن من العودة إلى السعودية”.