ميدل إيست آي : ضربٌ وتعذيبٌ في “سجن الأمراء”! ونقل شخصيات سعودية كبيرة إلى المستشفيات بعد اعتقالهم
الصمود |هافينغتون بوست
يبدو أن فندق الريتز-كارلتون الفخم، الذي يُعرف بجماله ورفاهيته، لم يعد كذلك للأمراء والوزراء ورجال الأعمال السعوديين المحتجزين بداخله؛ بل إن الأمر يبدو أكثر جحيماً بعد أن كشفت صحيفة “ميدل إيست آي” عن تعرُّض المعتقلين لمعاملة سيئة، تجسدت بالضرب والتعذيب، خلال اعتقالهم واستجوابهم.
وكشف تقرير للصحفي البريطاني ديفيد هيرست عن تعرض بعض الشخصيات الكبيرة التي طالتها حملة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، لمعاملة وحشية، جراء عمليات تعذيب تعرضوا لها وسببت لهم جروحاً أصابت أجسامهم.
معاملة وحشية
واختُصت بعض، وليس كل، كبار الشخصيات المعتقلة بالمعاملة الأكثر وحشية، فعانى هؤلاء إصاباتٍ جسدية ناتِجة عن أساليب التعذيب التقليدية. ولا توجد أي إصابات في الوجه؛ حتى لا تظهر عليهم أي علاماتٍ مادية جرَّاء تعذيبهم حين يظهرون علناً مستقبلاً.
وقال أفرادٌ داخل البلاط الملكي للموقع أيضاً، إنَّ نطاق الحملة، التي تؤدي إلى اعتقالاتٍ جديدة كل يوم، أكبر كثيراً مما اعترفت به السلطات السعودية، وذلك مع وجود أكثر من 500 مُحتجَز وضعف هذا الرقم ممن يجري استجوابهم.
وتعرَّض بعض المعتقلين للتعذيب من أجل الكشف عن تفاصيل حساباتهم المصرفية. وأضاف الموقع البريطاني أنه ليس بإمكانه الكشف عن تفاصيل مُحدَّدة بشأن الإيذاء الذي تعرَّضوا له من أجل حماية سرية مصادره.
وتخلق حملة التطهير، التي تأتي في أعقاب جولةٍ سابقة استهدفت رجال دين، واقتصاديين، وشخصياتٍ عامة، حالةً من الذعر في العاصمة السعودية الرياض، خصوصاً في أوساط أولئك المرتبطين بالنظام القديم للملك عبد الله بن عبد العزيز، الذي تُوفِّيَ في عام 2015، ثُمَّ انتقلت السلطة آنذاك إلى أخيه غير الشقيق الملك سلمان.
ويخشى الكثيرون أنَّ الهدف الأساسي للحملة هو أنَّها تحرُّكٌ من بن سلمان لضرب منافسيه كافة داخل وخارج عائلة آل سعود قبل أن يحل محل والده البالغ من العمر 81 عاماً.
وفي مساء الأربعاء الماضي، 8 نوفمبر/تشرين الثاني، أُطلِق سراح 7 أمراء من فندق الريتز-كارلتون بالرياض، حيث كان يجري احتجازهم منذ السبت الماضي. وقالت مصادر للموقع إنَّ كبار الأمراء نُقِلوا إلى القصر الملكي
الأمر لم ينتهِ عند الاعتقالات، فقد أفادت وكالة رويترز بأنَّ حسابات ولي العهد المعزول، الأمير محمد بن نايف، الذي لا يزال قيد الإقامة الجبرية، قد جُمِّدت. واعتُقِل أيضاً أبناء سلطان بن عبد العزيز وجُمِّدت حساباتهم.
وحتى يمنع بن سلمان الآخرين من الهروب، أمر بتجميد حساباتهم المصرفية الخاصة، فيما قالت مصادر بالرياض للموقع إنَّ عدد الحسابات المغلقة وأولئك الممنوعين من السفر يصل إلى أضعاف عدد الأشخاص المعتقلين.
أحد أشهر المستهدفين من الحملة هو الأمير بندر بن سلطان، السفير السعودي السابق في واشنطن، وأحد المُقرَّبين من الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن، الذي توجد معلومات عن مصيره، لكنًّ السلطات السعودية قالت إنَّ إحدى قضايا الفساد التي تنظرها هي صفقة أسلحة اليمامة المتورِّط فيها بندر.
وكان بندر قد اشترى قريةً كاملة في منطقة كوست وولدز، وهي منطقة خلابة وسط إنكلترا ومِلكية رياضية تبلغ مساحتها 2000 فدان، باستخدام جزء من العمولات التي حصل عليها في صفقة اليمامة، التي جنت من ورائها شركة “بي إيه إي سيستمز” للصناعات العسكرية 43 مليار جنيه إسترليني (56.6 مليار دولار) في صورة عقود لبيع طائراتٍ مقاتلة، وفقاً للصحيفة البريطانية.
ويُزعَم أنَّ 30 مليون دولار (15 مليون جنيه إسترليني) قد أُودِعت في حساب بندر الدولاري ببنك ريجز في واشنطن، وأدَّى الأمر إلى تحقيقات فساد بالولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا، على الرغم من أنَّ القضية قد أُسقِطَت في بريطانيا عام 2006 بعد تدخُّلٍ من رئيس الوزراء البريطاني آنذاك توني بلير.
ووفقاً لصحيفة “ميدل إيست آي،” فإن من بين المعتقلين أيضاً ريم، ابنة الوليد بن طلال، وهي المرأة الوحيدة التي استُهدِفَت في الجولة الأخيرة.
لم يتوقع أحدٌ حملةً بهذا الحجم وضد أمراء بهذه المكانة في أسرة آل سعود، ولهذا أُلقيَ القبض على الكثير للغاية من هؤلاء المعتقلين متلبِّسين دون أن يحظوا بمتسعٍ من الوقت للهروب.
وتُعَد حملة التطهير ضد الأعضاء الآخرين بالأسرة الحاكِمة غير مسبوقة في تاريخ المملكة الحديث. وبهذا تمزَّقت وحدة الأسرة، التي ضمنت استقرار الدولة منذ تأسيسها.
كان آخر حادث بهذا الحجم، هو الإطاحة بالملك سعود من جانب أخيه الأمير فيصل في عام 1964. وفي مرحلةٍ ما من تلك القصة الطويلة، أمر الأمير فيصل الحرس الوطني بمحاصرة القصر الملكي، لكن لم يجرِ التشهير بالملك نفسه قط.
كان خروجه كريماً، وودَّعته الشخصيات البارزة كافة بالأسرة، بما في ذلك فيصل نفسه، بالمطار.
وتعهَّد محمد بن سلمان قبل أن يصبح ولياً للعهد، قائلاً: “لن ينجو أي شخصٍ دخل في قضية فساد أياً كان، سواءٌ كان أميراً أو وزيراً”.
لكن اليوم، جرى استهداف أبناء كل الرجال الأربعة في العائلة الذين شكَّلوا جوهر العائلة على مدار العقود الأربعة الأخيرة. وهم أبناء الملك فهد بن عبد العزيز، والملك عبد الله، والأمير سلطان، والأمير نايف.
تقول الصحيفة البريطانية: “يمثل هذا هجوماً غير مسبوقٍ على موقع وثروة أعمدة أسرة آل سعود، بما في ذلك أبرز 3 شخصيات في الفرع السديري الحاكم بالعائلة”.
يُعَد الملك سلمان أحد 7 أشقاء سديريين، وهو الفرع الذي هيمن على المملكة على مدار الأعوام الأربعين الماضية. والسديري الآخر المتبقي على قيد الحياة هو الأمير أحمد بن عبد العزيز، والذي جرى تهميشه.
ولم يحصل سلمان على العرش سوى لأنَّ اثنين من أشقائه الأربعة، نايف وسلطان، ماتوا وهم ما زالوا أولياء للعهد.
وكما أفاد الموقع سابقاً، فإنَّ سلمان ظلَّ ولياً للعهد ومرشحاً لتولي المنصب بأعجوبة؛ إذ توفي الملك عبد الله قبل توقيع ونشر مرسوم يستبعد سلمان من خط الخلافة.
إذلالٌ علني
وترى الصحيفة البريطانية أن هجوم بن سلمان لن يُنسَى أو يُغفَر على أبناء عمومته في ظل ثقافةٍ بدوي؛. إذ يُرى إذلالهم العلني، فضلاً عن تجميد أصولهم، باعتباره ضربةً لشرفهم، الذي يتعين على أفراد أسرتهم المتبقين أن يثأروا له.
وينطوي هجوم ولي العهد على شخصيات الأعمال البارزة على خطورةٍ بالقدر نفسه.
إذ كان من بين الذين اعتُقِلوا السبت الماضي بكر بن لادن، رئيس كبرى شركات البناء السعودية. وقد أدار أكبر برامج البناء على مدار عقود عبر سلسلةٍ من المقاولين بالباطن الذين دفع لهم هو مباشرةً.
وكان بن لادن غنياً بما يكفي لاستيعاب التكاليف، قبل أن يضطر بدوره إلى “رشوة” مسؤولين في الحكومة؛ كي يُدفَع له من أجل العمل الأساسي والعقد الذي اتُّفِق عليه، حسبما تروي الصحيفة البريطانية
وبمجرد أن تزيح الرجل أو الشركة الموجودين في قمة هرم المقاولين بالباطن، لن يحصل أحدٌ ممن يعملون لديه على أجره؛ ومن ثم تخاطر بإدخال صناعة البناء بأكملها في حالةٍ من الفوضى. وحدث الأمر نفسه مع شركة سعودي أوجيه، التي يملكها رئيس الوزراء اللبناني السابق سعد الحريري، والتي أُعلِن إفلاسُها في 31 يوليو/تموز الماضي.
وقد أُلقي القبض في حملة التطهير تلك على بعض الوزراء الذين دفع بهم بن سلمان بنفسه إلى مناصبهم.
من هؤلاء عادل فقيه، وزير الاقتصاد والتخطيط السابق، والذي قاد جهود تعميم حملة الخصخصة الطموحة لـ”بن سلمان” المُسمَّاة “رؤية 2030”.
وكان شخصيةً رئيسية أيضاً في الإعلان عن مشروع نيوم، وهو مقترح لبناء مدينة عملاقة بتكلفة 500 مليار دولار من أموال الحكومة على شواطئ البحر الأحمر.
اعتُقِلَ فقيه، والذي كان أحد الأمناء السابقين لمحافظة جدة، في الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني. ولاقى وزير الإعلام السعودي السابق، عادل الطريفي، المصير نفسه.
وتضيف الصحيفة البريطانية: “على الأرجح، يتساءل عددٌ كبير من رفاق بن سلمان الآن: كم أمامهم من الوقت حتى ينقلب عليهم الأمير الطموح”.
وقال أحد المحللين إنَّ الأمير محمد بن سلمان قد وجه أسلحته إلى الدعائم التقليدية للدولة السعودية بضرب أسس وحدة العائلة المالكة، والنخبة الأقلية الحاكمة، واستهداف العلماء المسلمين المستقلين والشخصيات العامة.
وقال شخصٌ مطلع في الرياض بالأمس: “حتى الآن، استخدمت السعودية الفوضى كسياسة في المناطق الخارجية المحيطة بها، سواءٌ بالعراق، أو سوريا، أو اليمن. ولكنَّها الآن تستخدم نظرية الفوضى في الداخل كذلك. ولا أحد، وبالأخص الأمير نفسه، يمكنه توقع ما سيحدث الآن”.
وأضاف: “بُنيَ استقرار المملكة على 3 دعائم: وحدة عائلة آل سعود، والهوية الإسلامية للدولة، ومجتمع الأعمال المحلي المخلص والمزدهر. وبضرب هذه الدعائم الثلاث في الوقت نفسه، يزداد خطر انهيار المملكة وغرقها في الرمال”.