فتنة صنعاء: من جامع الصالح إلى مقتل صالح
الصمود | متابعات
انتهت فتنة صنعاء ومؤامرتها الكبرى بمقتل الرئيس السابق علي عبدالله صالح. المؤامرة التي بدأت من جامع الصالح أكبر جامع بني حديثًا في اليمن، ويعود اسمه نسبة إلى الرئيس علي عبد الله صالح الذي بني في عهده، انتهت بصفعة جديدة للعدوان كرّست انتصار يمني جديد على السعوديّة والإمارات وما لفّ لفهما.
جامع الصالح
بدأت فتنة صنعاء إثر إشكال أمني حصل في مسجد الصالح بين اللجان الشعبيّة وميليشيات صالح، حاولت الأخيرة أن تظهره لأسباب تتعلّق بالمولد النبوي الشريف، إلا أن الحقيقة هي استخدام صالح المسجد الذي يقع في ميدان السبعين لتخزين العتاد والسلاح الخفيف منه والثقيل للحظة الصفر المقرّرة لهذا الانقلاب في فبراير/شباط المقبل. لكن تسّرع طارق عفاش، ابن اخ صالح وأبرز المسؤولين العسكريين في تعيين لحظة الصفر دون استكمال التحضيرات من ناحية، ويقظة اللجان الشعبية لهذه اللحظة المتوقّعة والمنتظرة، وتحديداً منذ 24 اغسطس الذكرى الـ30 للمؤتمر الشعبي العام من ناحية أخرى حال دون نجاح “انقلاب صنعاء”.
اللجان الشعبية أرادت إحباط الفتنة عند حدود مسجد الصالح وإعادة الرئيس السابق إلى جادّة الصواب، إلا أنّ الفخ الإماراتي كان أسرع، فبدأت مواجهة صنعاء، دون تأمين الدعم من “طوق صنعاء” عبر العديد من شيوخ القبائل الذين رفضوا الانخراط في هذه المؤامرة التي واجهها الشعب اليمني وأبناء القبائل بوعي غير مسبوق.
قوات صالح وحزب المؤتمر
بعد أحداث جامع الصالح، وقع الرئيس السابق في فخّ الإمارات من جهة، وتهورّ طارق عفاش من جهة أخرى، وأصدر “البيان رقم واحد” في مواجهة اللجان الشعبيّة ودَعمَ العدوان بعد أن دعا سابقاً إلى النفير العام لمواجهته، لتبدأ معارك صنعاء التي شهدت دعم عسكري سعودي وإسناد جوّي غير مسبوق، فاق الدعم الذي تقدّمه السعوديّة لقوّات هادي في مختلف الجبهات في شاهد يؤكد حقيقة التآمر مع قوى العدوان.
اللافت في أحداث صنعاء والمشهد اليمني بشكل عام، والمؤتمري على وجه الخصوص، هو الانقسام الذي حصل في حزب المؤتمر حيث عارض طيف واسع من أبناء الحزب موقف صالح الذي صبّ في صالح قوى العدوان رغم اختلافهم السياسي مع أنصار الله. قيادات المؤتمر وجدت في خطوة صالح تبريراً للعدوان، وانقلاباً على مواقفه السابقة، وبالتالي حذّروا صالح من الانخراط في العدوان، لحسابات شخصيّة أو أخرى تتعلّق بتباينات سياسيّة داخليّة يجب أن تحلّ داخل البيت اليمني. أصوات مؤتمريّة عدّة نأت بنفسها عن أفعال صالح قبل مقتله وتعاونت مع الجهات المختصّة في إعادة الأمن والاستقرار لأهالي صنعاء، في حين دعا آخرون إلى التصدّي للفتنة عبر موقف مسؤول يفوّت على قوى العدوان تحقيق انتصار عسكري فشلوا فيه خلال السنوات الثلاث الماضية. اليوم، مواجهة العدوان هو الخيار الأبرز لحزب المؤتمر الشعبي، وهو الهمّ المشترك لهم مع أنصار الله وبقيّة الأحزاب اليمنيّة.
في المقابل، صالح الذي حاول الفرار اليوم نحو مأرب حيث يتواجد نجله أحمد علي، في حادثة تعيد إلى الأذهان فرار الرئيس المستقيل والمنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي إلى عدن قبيل بدء العدوان، فضلاً عن كونها تؤكد غياب الدعم الشعبي المؤتمري الذي كان حاضراً في الذكرى الثلاثين لتأسيس الحزب، كان يتطلّع إلى أن يكون هذا الانقلاب “ذكاء سياسي” يعيده إلى المشهد من البوابة الخليجية الواسعة بعد غياب دام لسنوات، إلا أنه ذكاء مكشوف جعل من “البيان رقم واحد”، البيان الأخير الذي أنهى حياته السياسيّة، وغير السياسيّة، بتوقيع إماراتي غير مباشر.
الإمارات
اختلفت مؤامرة صنعاء الأخيرة عن كافّة المؤامرات السابقة في ظل دور إماراتي فاعل سعى لإعادة صالح إلى الواجهة بالتنسيق مع نجله أحمد علي المتواجد في الإمارت منذ بدء العدوان، والذي انتقل إلى مأرب قبل أيام لقيادة القوّات المتآمرة على صنعاء وأهلها.
إلا أن هذا التطوّر في الموقف الإماراتي، الذي كان يركّز خلال العامين الماضيين على مدينة عدن لأسباب اقتصاديّة تتعلّق بتعطيل أي دور لميناءها الاستراتيجي قد يؤثر على ميناء دبي، أو محافظة المهرة شرق البلاد لأسباب تتعلّق بالخلاف السياسي مع سلطنة عمان، قوبل برسالة واضحة من اللجان الشعبيّة تمثّلت في الصاروخ المجنح الذي أطلق على المفاعل النووي الإماراتي في أبو ظبي. في الحقيقة، الإمارات التي حيّدت نفسها عن الدخول في معادلة الرياض البالستية خلال الفترة السابقة، فضلاً عن كونها أوصلت صالح إلى هذه النهاية، باتت اليوم في صلب المعادلة، المعادلة التي بدأت بأبوظبي إلاّ أنها قد لا تنتهي عند حدودها. فكما أسقطت الثورة اليمنية اتفاقيّة الإمارات الموقّعة مع نظام صالح في العام 2008 باستثمار ميناء عدن لمدة مئة عام، قد تؤدي ثورة صنعاء الأخيرة ضدّ المؤامرة الإماراتية إلى تعطيل ميناء دبي عبر دخوله معادلة الردع.
ومن هنا، لا نستبعد أن تلجأ الإمارات إلى التراجع، في المرحلة الحاليّة على أقلّ تقدير، ليس من منطلق الحرص على اليمن واليمنيين، بل كون محمد بن زايد يتسّم بالدهاء السياسي الذي يمنعه من الدخول في مغامرة تحمل تبعات باهظة للإمارات، بخلاف محمد بن سلمان الذي تتّسم أفعاله بالصبيانيّة السياسيّة.