صمود وانتصار

من وحي خطاب قائد الثورة في ذكرى المولد النبوي

معركة اليوم ليست دفاعاً عن أرض فقط.. وغاية المشروع الصهيوأمريكي استعباد الشعوب

من وحي خطاب قائد الثورة في ذكرى المولد النبوي

محمد الوريث

يُجلي قائدُ الثورة الـيَـمَـنية سماحةُ السَّـيِّـد عبدالملك بدر الدين الحوثي، بوضوح في خطابه الأخير في ذكرى إحياء فعالية المولد النبوي الشريف لهذا العام، بأن المعركة مع العدو (ليست معركة دفاع عن أرض فقط)، وفي هذا بُعدٌ استراتيجي ومُهمٌّ لأبعاد المرحلة التي تعايشُها بلادُنا في ظل عُـدْوَان وحصار غاشم أمريكي إسْرَائيلي تنفذه أدوات محلية.

وبقدر ما وضّح السَّـيِّـدُ أهمية الدفاع عن الأرض وضرورة مضاعفة الجهود والتَحَـرّك الجاد والمسؤول للتصدي لهذا العُـدْوَان، إلا أَنه كان حريصاً أن يضع الجميع في الصورة الشاملة والبُعد العميق للعُـدْوَان على الـيَـمَـن، والذي هو جزء من مشروع أكبر يستهدف الأمة ككل.. ويقول السَّـيِّـد “شعبُنا الـيَـمَـني وهو يُعاني من هذا المحنة الكبيرة والعظيمة وهو يُستهدَفُ بدون أَي حق بدون أن يقترفَ ذنباً يبرر لأولئك المعتدين ما يفعلونه به وما يرتكبونه بحقه من أبشع الجرائم وأفظع الاعتداءات، يستهدفون الحياةَ ويستهدفون الأَرْض، يعملون على إذلال وتركيع هذا الشعب الحر العزيز المسلم ومن حوله المنطقة بكلها تعيشُ الأحداثَ الجسامَ وتعيشُ واقعاً استثنائياً مليئاً بالفتن، مليئاً بالحروب، مليئاً بالأزمات؛ نتيجة الاستهداف الكبير لهذه المنطقة ولشعوبِها بأجمعها، الاستهداف لهذه الأُمَّــة جمعاء بهويتها الإسْــلَامية في أَخْلَاقها وفي قيمها، واستهدافٌ لها أَيْـضاً كأُمّةٍ؛ بغية تفكيكها وبعثرتها وتمزيقها والسيطرة التامة لها والاخضاع لها والإذلالِ لها والاستعباد لها”.

ويؤكدُ السَّـيِّـدُ عبرَ التمهيد بوصفِ واقعِ الأمة المأساوي اليوم وحجم العُـدْوَان والاستهداف لها بأن المشروعَ أكبرُ من احتلال منطقةٍ ما أو إخضاع جزء معيّن من بلاد، وإنما الأمة بأكملها عُرضةٌ للاستهداف من قبل المشروع الأمريكي الصهيوني في المنطقة، وهو الأمرُ الذي يظهر جلياً عند النظر إلى الخريطة العربية اليوم، والأهم من هذا بأن السَّـيِّـدَ أكّد أن النتيجة التي يرجوها العدوُ من كُلّ هذا الاستهداف هو “إخضاع الأمة بأكملها وإذلالها واستعبادها، وهو أمرٌ يبدو أكبر من الجغرافيا وإن كان متصلاً بها بشكل رئيس، حيث أن العدوَّ بقدر ما يهدف إلى احتلال البلدان العربية وتدميرها إلا أَنه ينظر في الإطار الأوسع بُغية تركيع الشعوب وإخماد جذوة الثورة المشتعلة لدى الملايين من أبناء الأمة الذين يطمحون إلى واقع أفضل. وهو أمر بالغ الخطورة، إذ أنَّ الاحتلالَ العسكري يمكنُ طرده ومقاومته طال الوقت أو قَصُرَ، وإنما استهداف الوعي وزرع الفتن وتدمير هُوية الأُمَّــة وتغييب أَي مشروع لها هو الأكثر خطورة والذي قد يودي بواقع الأُمَّــة إلى ضياع أكبر لسنوات وربما عقود. خاصة وأن العدو يستهدف اليوم الأُمَّــة بأدوات محسوبة عليها ويعمل بكل إمكاناته لفرض هذا المشروع الذي تبدو تجلياته واضحة في الـيَـمَـن والعراق وسوريا وليبيا، والقائمة مرشحة أن تزيد فالجميع في دائرة الاستهداف.

ويؤكد السَّـيِّـدُ بأن علاجَ هذه المشكلة وسبل التصدي لهذا المشروع يمكن في تَحَـرّك جادٍّ وواعٍ لكل الأُمَّــة لمعالجة أسباب واقعها المأساوي والمتمثلة في “الاختلال الرهيب في الوعي والاختلال الرهيب في القيم والأَخْلَاق وغياب المشروع الحقيقي للأمة”، والمفترض أن للأمة رسالةً وَمشروعاً وَهدفاً تبني واقعها؛ لتكون أمة عظيمة قوية، تقدم النموذج العالمي كأمة حضارية راقية واقعها قائمٌ على الأَخْلَاق وعلى القيم وَعلى العدل، وتنشر الحق والخير إلَى أرجاء العالم، وتتميز بوعيها بالدور الاستخلافي للإنْـسَـان في الأَرْض”.

ويأتي طرْحُ السَّـيِّـد هذا في إطار واقع الأُمَّــة ككل لمواجهة جاهلية اليوم والتي أثبتت أنها أكثر قبحاً من الجاهلية الأولى، ولم يخاطب السَّـيِّـدُ الشعبَ الـيَـمَـني على حِدَةٍ، وإنما كُلّ مسلم هو يتحمل مسؤولية دوره الديني الاستخلافي في الأرض.

وهو ما ينسجم مع الواقع في الـيَـمَـن أَيْـضاً مع الأخذ بخصوصيتها، وقد قال السَّـيِّـد “المسؤولية كبيرة؛ لِأَن المعركةَ ليس فقط دفاعاً عن أرض، صحيحٌ أن المستهدَفَ احتلالُ الأَرْض الـيَـمَـنية، واحتلال الـيَـمَـن بأجمعها هدفٌ لأَمريكا وهدفٌ مغرٍ لإسرائيل ومطمعٌ للسعودية، وهي لا تؤدي إلَّا دوراً للآخرين وإلا ليس لها مشروعٌ في المطلق نهائياً، ليس لها أَي مشروع على الإطلاق، هي تتَحَـرّك في مشروع أَمريكا ومشروع إسرائيل، لكن المسألة أكبر، المسألة مسألة حرية، هم يريدون استعبادَ هذا الشعب”.

وأنه من الطبيعي أن يأخُذَ كُلُّ إنسان واعٍ، هذا الكلام على محمل الجدّ، ليضاعف جهوده في إطار مواجهة الغزو الجغرافي ومحاولة احتلال الأرض، كما من المهم الاستعدادُ الديني والثقافي والفكري والمعرفي لمواجهة المؤامرة الكبرى التي تستهدف الأُمَّــة وتنوي استعبادَها وإخضاعَها بالكامل، يضع السَّـيِّـد في هذا الخطاب منهجاً ثقافياً وفكرياً متكاملاً يبيّن آليات التصدّي لمشروع العدو والتَحَـرُّك بحمل مشروع للأمة في أبهى تجليات القيادة القرآنية الواعية لاحتياجات ومقتضيات الأُمَّــة والمرحلة ولم يبقَ إلا أن ننفذَ، وليس ذلك بصعبٍ أو بعيد إذا صدقت النوايا وتَحَـرَّكَ الجميع.