هل فقد أنصار الله الغطاء السياسي بعد مقتل صالح؟
الصمود || اقلام حرة || بندر الهتار
منذ أن قُتل الرئيس السابق علي عَبدالله صالح بعد أن أَعلَن انقلابَه على أَنْصَار الله مطلع شهر ديسمبر الفائت، تركزت بعض التحليلات السياسية حول الخسارة التي ستصيب الحركة، من ناحية فقدانها الغطاء السياسي الذي كان يوفره صالح أمام المجتمع الدولي، ما يعني سقوط ما تبقى لها من شرعية كانت محل اعتبار لدى دول العالم، بناءً على القراءة السابقة!
هذه التحليلات تصدر – في الغالب – من خصوم أَنْصَار الله، وأحياناً؛ بسبب القصور في فهم ما يجري في اليمن، لذلك فإن الهدف منها ليس توصيف الواقع بل على العكس، هي لا تختلفُ عن عمليات رهيبة في التضليل تمارسها دول العدوان منذ ما يقارب ثلاثة أعوام.
ونحن نفنّد تلك الادعاءات، لنا أن نتساءل: ما هو الغطاء السياسي الذي كان يوفره صالح لأَنْصَار الله؟ هل كان مجلس الأمن على سبيل المثال يراعي صالح وهو يصوت للقرارات المجحفة ضد اليمن بوضعه تحت الفصل السابع وفرض العقوبات عليه، قبل أن يشرعن للعدوان بالقرار 2216، أم أن صالح ظل إلى حين مقتله مدرجاً في قائمة العقوبات، ومصنفاً انقلابياً؟!
كذلك، هل وفرت السعودية أَوْ الإمارات شيئاً من القتل والحصار وحرب التجويع احتراما لشرعية صالح المتبقية، أم أنه ظل “مخلوعا” في وسائل إعْـلَامهم إلى أن أعلن انقلابه على أَنْصَار الله، حينها أُطلق عليه الرئيس السابق؟
ليس صحيحاً أن خروج طاقم السفارة الروسية من صنعاء عقب مقتل صالح كان إشارة إلى سقوط الغطاء السياسي، فروسيا لا تختلف كثيراً عن بقية دول العالم، وهي تفضّل مصالحها مع السعودية على أن يكون لها موقف إنْسَاني أَوْ أخلاقي من حرب الإبادة ضد اليمن، وروسيا أَيْضاً تقربت إلى النظام السعودي بمنع وصول مئات المليارات من الريالات إلى البنك المركزي في صنعاء وسلمتها إلى هادي، وهذا ساهم في مضاعفة المعاناة الإنْسَانية وحال دون تسليم المرتبات لموظفي الدولة لأَكْثَــر من عام وحتى الآن.. روسيا باختصار ترى مصالحها مع السعودية، وربما تعتبر الحرب توريطًا للرياض وحلفائها من دول الغرب!
سؤال آخر.. ونحن نقرأ تغريدات الوزير الإماراتي أنور قرقاش عن الغطاء السياسي الذي سيفقده أَنْصَار الله، لماذا يصر قرقاش ومختلف وسائل الإعْـلَام التابعة للتحالف على تكرار هذه المعزوفة؟، هل ستعطيهم فرصة لمضاعفة القتل والحصار، أم ستوفر ذريعة للاستنجاد بالمجتمع الدولي لضرورة استصدار قرار من مجلس الأمن للتدخل العسكري في اليمن دعما لقوات التحالف، كما كشفت عن ذلك الرسالة المسربة بين خالد بن سلمان السفير السعودي في واشنطن وأخيه ولي العهد محمد بن سلمان، والرسالة تتحدث عن محاولات سعودية إماراتية لإقناع واشنطن بخيار التدخل الدولي؟
أقصى ما يُؤمّل من هذا الإرْهَاب الدعائي، هو مضاعفة الشعور لدى حركة أَنْصَار الله بأنها ارتكبت خطأ فادحاً حينما قتلت صالح، وإشغالها في تداعيات ما يمكن أن يحصل من وراء هذا الخطأ، حتى أن تلك التحليلات انتهت إلى القول بأن الحوثيين قتلوا أنفسهم بمقتل صالح، هذا أولاً!
ثانياً: فلنفترض أن المجتمع الدولي قد يذهب إلى خيارات جديدة تدعم قوات التحالف بإيعاز أمريكي بريطاني وتغاضٍ روسي صيني، فإن السبب الحقيقي وراء أية قرارات تعسفية لا يعود إلى سقوط غطاء صالح، بل إلى قرار الدول الكبرى التي تدعم العدوان منذ يومه الأول، وترى أن مصلحتها ليست في إيقاف الحرب دون تحقيق الهيمنة على اليمن.
ثالثاً: يكشف هذا الترهيب عن انفعالات لا تزال مستمرة بعد فشل الرهان على صالح في قلب الطاولة من الداخل، ثم إن استجداء الدعم الدولي يكشف بجلاء الورطة السعودية الإماراتية في اليمن خَاصَّــةً بعد فشل هذا الرهان. نقطة أخيرة، والسعودية والإمارات تتحدثان عن الأعراف واحترام القيم والشرعيات، هل احترمت الشعب اليمني وهو يخرج بمسيرات غير مسبوقة في تأريخه في ظل القصف، أما أنها كانت ولا تزال تكابر وهي ترى السواد الأعظم من اليمنيين ضد العدوان؟ ثم المجتمع الدولي، أليس هو الذي يتغاضى عن السعودية والإمارات وهما يحاصران موانئ اليمن من دخول القوت الضروري والمستلزمات الطبية، إلى أن صنعوا أَكْبَــر مأساة إنْسَانية في العالم بشهادة الأمم المتحدة، حتى القرار “2216” لا يجيز هذا الحصار الخانق ولا حتى استهداف المناطق السكنية كما يحدث بشكل يومي، ومع ذلك تم تجاوز القرار دون أدنى ردة فعل؟
أَكْبَــر كذبة في التأريخ، هي أن العالم تحكمه القوانين والمواثيق؛ لذلك فإن اليمن بجيشه ولجانه الشعبية بصدارة أَنْصَار الله لا يأبهون للترهيب السياسي، كما لم يرتهبوا من عشرات الآلاف من الغارات، وهناك مثل يمني يقول ”إذا لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب”، وقد فهم أَنْصَار الله هذا المثل جيداً، ولم يتركوا الذئاب السعودية والإماراتية أن تسقط صنعاء من الداخل وبالتالي قرارها وكرامتها التي تبقت لها وهي تفاخر بها كُلّ العالم المتفرج.