بوادر اندلاع حرب اسرائيلية على لبنان.. المؤشرات والدلالات
الصمود| عربي ودولي:
لم يعد الحديث الإسرائيلي عن شنّ حرب عسكرية على لبنان أسير المكاتب المغلقة. الإعلام الإسرائيلي “فاع” مؤخراً بتهديدات وتحذيرات غير مسبوقة ضد لبنان تنذر باحتمالية وقوع حرب على الجبهة الشماليّة.
فبعد هدوء دام لأكثر من 10 سنوات ونيّف يعلو صوت الحرب على الجبهة الشمالية لفلسطين المحتلّة، فوق كل الأصوات وسط خشية اسرائيلية تتعلّق بمدى جهوزيّة الجبهة الداخلية الإسرائيلية للحرب، فضلاً عن الضربات الموجعة التي قد يوجّهها حزب الله.
وفي حين طالبت صحيفة “هآرتس” في افتتاحية عددها الصادر الأربعاء، الحكومة الإسرائيلية، بالتوضيح للمواطنين في “إسرائيل” إن كانت تعتزم شن حرب قريبة في لبنان، تساءلت صحيفة معاريف العبريّة عن مدى جهوزيّة الجبهة الداخليّة للحرب التي تبدو قريبة من أيّ وقت مضى.
لطالما قدّرت السلطات الأمنية في “إسرائيل” أن الوضع على الجبهتين الشمالية والجنوبيّة يبقى تحت السيطرة ما لم تحصل أمور غير مُتوقّعة. هذه القاعدة لا تزال سارية المفعول، إلاّ أنّ هذه الأمور غير المتوقعة تبدو شديدة القرب من الحدوث في حال صحّت التهديدات الإسرائيلية التي أطلقها ثلاثة وزراء من المجلس الوزاري المصغّر “الكابينت”، فضلاً عن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وقيادات عسكرية كبرى.
تهديدات بالجملة
رغم أن السنوات الإحدى عشر الماضيّة امتازت بهدوئها النسبي في الجبهة اللّبنانية، إلا أنّها لم تخل من التهديدات المتبادلة بين الكيان الإسرائيلي وحزب الله، لكنّ الوتيرة الحالية، وتحديداً منذ صعود ترامب إلى سدّة الرئاسة الأمريكية ارتفعت بشكل ملحوظ وتكفي الإشارة إلى التهديدات التي أطلقت خلال الأيّام الأربع الماضية:
وزير الحرب: هدد وزير الحرب الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان الجمهورية اللبنانية قائلاً إن “إسرائيل” لن تتردد في المواجهة القادمة بضرب كل لبنان، وإن الضربة ستكون قوية جداً. وتابع: “لن يكون هناك صور مثل حرب لبنان عام 2006 حين شاهدنا سكان بيروت يتجولون على شاطئ البحر، وسكان تل أبيب في الملاجئ، في الجولة القادمة سكان تل أبيب وبيروت سيكونون في الملاجئ“.
وزير التعليم: طالب وزير التعليم الإسرائيلي نفتالي بينت في كلمة أمام جمهور المؤتمر السنوي لمعهد أبحاث الأمن القومي في تل أبيب، “إسرائيل” بـ”ضرب رأس الأخطبوط” حسب تعريفه، وعدم الاكتفاء بضرب حزب الله. ودعا العضو في المجلس الوزاري المصغر “الكابينيت”، لضرب إيران وليس فقط حزب الله في المواجهة القادمة على الحدود الشمالية”.
وزير الأمن الداخلي: تناول وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي غلعاد أردان مسألة الحرب من جانب آخر، قائلاً: “نحن الآن في عهد دونالد ترامب وهناك قواعد لعب جديدة”. يدرك الجميع أن قرار الحرب والسلم يحتاج إلى ضوء أخضر أمريكي، وبالتالي ترى القيادة الإسرائيلية ضرورة الاستفادة من “فرصة” تواجد ترامب في البيت الأبيض لأخذ الإذن بالحرب وشرعنتها، إذ تعسّر الحصول عليه في حقبة الرئيس أوباما.
قائد الأركان: الجنرال غادي إيزنكوت انضمّ مؤخراً إلى القافلة الإسرائيلية المهدّدة بشن حرب على حزب الله الذي حذّره مما أسماه بتداعيات بناء الحزب لقوته العسكرية وتزوده بصواريخ دقيقة، قائلاً: “سنقوم بكل ما يلزم للمحافظة على الحدود الشمالية لإسرائيل آمنة وهادئة“.
الناطق باسم الجيش: أكد العميد رونين منليس، النّاطق العام بلسان جيش الدّفاع الإسرائيلي، تمكّن الجيش الإسرائيلي العام الماضي من تعزيز جهوزيته لحرب في الجبهة الشمالية، مشيراً أن قرار الحرب والسلم هو قرار اسرائيلي بحت.
سيناريوهات مفترضة
يبدو أنّ هناك إجماعاً حكومياً وعسكرياً إسرائيلياً على انتهاز “فرصة ترامب” لشنّ الحرب عبر سيناريوهات مختلفة تبدأ بزعزعة الأمن والاستقرار عبر محاولات الاغتيال كتلك الفاشلة التي طالت محمود حمدان، أحد كوادر حماس في صيدا، أو محاولات مماثلة تطال المطلوب رقم واحد في بيروت صالح العاروري، الذي اتهمه الكيان الإسرائيلي ببناء “قاعدة عسكرية” في جنوب لبنان مثل تلك التي أقامها في إسطنبول وهو أمر نفته حماس جملة وتفصيلاً.
سيناريو آخر للحرب يتعلّق بالخلاف النفطي القائم، فقد حذّر الحزب من المساس بحقوق لبنان في استخراج الغاز والنفط من مياهه الإقليمية، مقابل تهديد إسرائيلي صدر عن وزير الحرب ليبرمان الذي اعتبر إصدار لبنان مناقصة للتنقيب عن الغاز في حقل بحري قال إنه يقع “داخل المياه الاقتصادية لدولة إسرائيل” استفزاز خطير سيرد عليه بحزم ومسؤولية.
السينايو الآخر الأكثر ترجيحاً يتعلّق بضربات إسرائيلية لمواقع تابعة لحزب الله تحت ذريعة تخطّي الخطوط الحمراء وتهديد الأمن القومي الإسرائيلي لاسيّما أن رئيس الحكومة نتنياهو قال للرئيس بوتين في لقائهما الأخير، إن “إسرائيل” لن تسكت إزاء وجود صواريخ دقيقة في لبنان. يرى دينيس روس، الدبلوماسي الأمريكي المخضرم، أن “الإسرائيليين رسموا خطوطهم الحمراء لجهة منع تطوير أو توفير الأسلحة الدقيقة لحزب الله في سوريا ولبنان”. يتساءل روس “ماذا لو كان حزب الله يخطىء بالقراءة وسعى إلى تطوير صواريخ أكثر دقة في لبنان لكن ليس في سوريا؟ ليجيب: “إسرائيل” ستعتبر ذلك تهديداً غير مقبول وقد تردّ في الوقت الذي يستبعد فيه ذلك حزب الله”.
يبدو أنّ هناك تمهيدا إعلاميا إسرائيليا امام الرأي العام العالمي لشنّ ضربات على لبنان حتى لو كان ثمن ذلك اندلاع مواجهة عسكرية شاملة مع “حزب الله”. هناك توجّه إسرائيلي لخلق حالة من الإجماع الداخلي بالتوجه إلى الحرب، بالتزامن مع إبراز هواجس تكسب من خلالها شرعية دوليّة لأي عدوان محتمل.
تخطئ السلطات الإسرائيلية كثيراً في تقديراتها، فحرب سوريا التي وجدتها فرصة للقضاء على حزب الله، جعلتها اليوم أكثر الأطراف تضرّراً نتيجة ما آلت إليه موازين القوى هناك، واليوم قد يكون الأمر مماثلا، لذلك فإنه في ظل التهديدات الإسرائيلية، وإعلان الجهوزيّة المقابلة، الباب مفتوح على جميع السيناريوهات، ولكن هل تناسى القادة الإسرائيليون معادلات الجليل وتل أبيب والأمونيا وديمونا؟