ذكرى فبراير .. ثوار والذين باعوا
الصمود || اقلام حرة || علي احمد جاحز
إنما تكتسب الأشياء قيمتها من ثباتها بوجه عوامل التأثير والتغيير ، كالذهب الذي لايمكن أن يتخلى عن لونه وبريقه عبر العصور وحين تتدخل النار في إجباره على الذوبان فان التغيير الذي يمكن أن يطرأ عليه هو انه يصبح أكثر نقاءا ويتخذ شكلا أحدث ، وهو الحال نفسه مع كل الأشياء الثمينة والنفيسة والقوية والرفيعة تجمعها خاصية واحدة وهي الثبات .
اجزم أن ثمة من سيتحسس البطحا على رأسه بمجرد أن يقرأ هذه المقدمة ، خاصة ممن يعرفون جيدا معدنهم الذي يصدأ حين تهب نسمة رغم عمليات التلميع المكثفة والمتعوب عليها طوال الوقت .
المهزومون في داخلهم، يستسلمون للهزيمة قبل أن تبدأ المعركة ، ويصنعون المسوغات للقفز من حضن إلى حضن ، ويبيعون ذواتهم للآخر ليتسلى بالدوس عليها وهم يصفقون ، ويغيرون جلودهم ووجوههم بحسب ما تقتضيه أمزجة المشترين في سوق الخيانة والعمالة .
لا اعتقد أن أحدا منكم سيحتار أو يتساءل عن المقصودين ، فمستوى التعري الذي وصلوا إليه لم يعد يترك للغموض والحيرة أي دور في مسرحية الواقع الممجوجة التي عمد مخرجها إلى إسقاط كل الأقنعة وتعرية كل سوأة وكشف كل مستور .
لقد هيجت الذكرى السابعة لثورة فبراير 2011م هذه الشجون وأعتقد انها فرصة لنسلط الضوء على المتلونين البياعين الساقطين في الوعي والمكشوفين في الذهنية الشعبية والمطرودين من التاريخ .
كانوا يلعبون دور المعارضة ويحملون شعارات الحرية والديموقراطية والعدالة والاشتراكية والناصرية بوجه النظام الفاسد والمجرم، ويتبنون حراكا جنوبيا ضد قادة وسلطة حرب 1994م ، صدقناهم ..
ثم ركبوا على حماس الثوار في 11 فبراير 2011م لإسقاط النظام ومراكز القوى التي يتكئ عليها والوصاية التي تدعم قوى النظام والتدخلات الخارجية التي تضعف اليمن وتعيق نهضته الاقتصادية والعسكرية وحرية قراره السياسي ، وصدقناهم ..
قفز نصف النظام ونصف تلك القوى إلى ساحة الثورة ممثلة في علي محسن الأحمر وحزب الإصلاح وعتاولة القوى النافذة في النظام ليركبوا على موجة الثورة ، فقفز أولئك الذين الذين كنا نظنهم ثوارا من قادة المعارضة من حضن الثوار الشباب إلى حضن علي محسن والإصلاح وصفقوا لهم ، وبصراحة لم اعذرهم وإن عذرهم البعض ممن قالوا قد يكون في ذلك خير .
لم تمر إلا أشهر حتى قفزوا من حضن الساحة التي على رأس شعاراتها إسقاط الوصاية ، إلى حضن الوصاية الخارجية التي اشترتهم ليوقعوا مبادرة خليجية لتقاسم السلطة مع عفاش وعلي محسن والإصلاح ورضيوا بفتات الحقائب وباعوا الثورة، فقال قائل كانت ضرورة لحقن الدماء ، فانتظرناهم .
ذابوا مع الأيام في لعبة بيع الثورة وتدمير الجيش وتمزيق النسيج الاجتماعي وتقسيم الوطن ورهن القرار للخارج بشكل كلي ، وانتقلوا من حليف للشعب والثوار إلى أعداء لمن تبقى من الثوار في الساحات وقفزوا من مربع الحرص على الدماء إلى مربع التصفيق لمن يقتل الشعب في شوارع صنعاء ويشعل الحروب والفتن في صعدة ويقطع الطرقات في عمران وحجة ، فقال قائل ربما مجبرون وينتظرون أن يتحرروا من ضغوطات الخارج والداخل ، فأمهلناهم .
وحين نجحت ثورة 21 سبتمبر التي قادها شرفاء الشعب والثابتون على مبدأ الثورة وشعارات الحرية والاستقلال وإسقاط الوصاية ، قفز المتلونون المهزومون من مربع الثورة كليا إلى مربع العدوان على اليمن ومن مربع الاستقلال إلى مربع الوصاية ومن مربع الاشتراكية إلى مربع الوهابية ومن مربع القضية الجنوبية إلى مربع تسليم الجنوب للاحتلال ومن مربع الحرص على حقن الدماء إلى مربع التبرير لقتل الشعب بالطيران وتدمير الوطن بكله على رؤوس أبنائه ، بحجة أن ثوار 21 سبتمبر تحالفوا مع حزب المؤتمر ورئيسه عفاش أعداء الشعب وقادة حرب 94م وغرماء الثورة .
كان يبدو أن قبول هؤلاء أصحاب المعادن الرخيصة بكل ذلك السقوط هو منتهى ما يمكن أن يدهشنا ، لكن لم يكن احد يتوقع أن تنصهر كل تلك النفايات ( الاشتراكي – الناصري – الإصلاح – القاعدة – داعش – عفاش – الحراك – الاحتلال السعودي – الاحتلال الإماراتي …. الخ ) في بوتقة واحدة ليتشكل كوكتيل من العهر والإجرام بوجه الشعب الثائر الثابت على مبدأ الثورة وأهدافها .
وربما تأتي الذكرى القادمة لثورة فبراير وقد ظهر أولئك المتقلبون المتلونون الغثاء في صورة جديدة وفي مربع جديد ، وإن شاء الله تكون صورة رمادهم لا أكثر .
وسينتصر الثابتون الصادقون بإذن الله .