منظمات المجتمع المدني: أدوار مشبوهة في اليمن
الصمود|تخترق المنظمات “غير الحكومية” أو ما يطلق عليها اصطلاحاً “منظمات المجتمع المدني” مجتمعاتنا العربية والشرق أوسطية بكل سلاسة وانسيابية وكأنها تسبح في وسطها الطبيعي الذي تعطيه وتأخذ منه.
أن تعطيه هذا ما أمر نعرفه وما نعتقد أنه طبيعي لكونها تدخل عبر هذه البوابة إلى المجتمعات، فهي تعمل على تعزيز التكافل الاجتماعي، ودعم الديمقراطية وإعلاء مبادئ حقوق الإنسان وغيرها من الأفعال الخيّرة التي تغلف الإطار الخارجي لعمل هذه المؤسسات، ولكن هل تساءلتم ماذا تريد هذه المنظمات أن تأخذ، ولماذا كل هذه الإنسانية في التعاطي مع الآخر في عالم لا يوحي بأنه يعمل على هذا النحو.
الحقيقة أن منظمات المجتمع المدني في أغلبيتها تملك وجهاً آخر، يمكن أن نقول عنه بأنه “الحربة الناعمة” التي تقاتل بها دول النفوذ الكبرى أعداءها في البلدان الأخرى، أو السلاح الذي يتم من خلاله اختراق الشعوب المستضعفة والسيطرة عليها فكرياً وثقافياً واقتصادياً واجتماعياً، ويجب ألا ننسى بأن “المال” هو المحرك الأساسي لكل ما ذكرناه.
ببساطة إن الأعمال الخدمية والإنسانية أضفت على منظمات المجتمع المدني نوعاً من الشرعية الزائدة والنظر بعين الثقة لها، ولاسيّما أنها مرتع للشباب الذين لم تؤمّن لهم فرص عمل في بلادنا المتأزمة اقتصاديّاً، وهنا يكمن “بيت القصيد” (الشباب)، فهذه المنظمات تعلم جيداً أن شريحة الشباب هي الشريحة الأكبر بين جميع الفئات العمرية، ومن يدعم هذه المنظمات يعلم بأن الأوضاع الاقتصادية في الشرق الأوسط متأزمة ونسب البطالة تبلغ حدوداً مخيفة في ظل وجود حكومات ضعيفة متهالكة، لذلك لن يكون من الصعب أبداً اختراق فئة الشباب وتسويق الأفكار التي يريدها الداعمون وعلى رأسها “التطبيع”.
نعم “التطبيع” وهذا ليس بالأمر الجديد يا سادة، فقد أثبتت التقارير المحلية والغربية المتكررة منذ الانتفاضة الأولى “1987_1993” وحتى اللحظة بأن منظمات المجتمع المدني في “فلسطين” خاصةً والبلاد العربية عامةً تلعب أدواراً مشبوهة تؤديها هذه المنظمات، عن قصد أو غير قصد، أبرزها أنها بوابة عبور الاستخبارات العالمية إلى الداخل العربي، والأهم من ذلك دورها في عملية التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، وجعل كل ما هو غير طبيعي طبيعياً، هذا الكلام لا يحدث في يوم وليلة، حيث تملك هذه المنظمات منهجية وآلية عمل وبرنامجاً طويل المدى يحقق نتائج بعيدة المدى، الأدوات فيه تكون ثقافية أو إعلامية أو سياسية أو اقتصادية أو سياحية أو دينية أو أمنية أو استراتيجية أو غيرها.
لا يمكن عزل نشاط المنظمات المدنية ووجهها السموح الخيّر عن وجهها الآخر اللعوب والغازي للشعوب، عبر ربط التمويل بالأجندات السياسية ومشاريع كبرى تخترق جسد الأمة وتحدث شرخاً فيه يمنع أي أحد على المدى البعيد من الوقوف في وجه تنفيذ هذه المشاريع، وما جرى عقب قرار ترامب واعترافه بالقدس عاصمة لـ”اسرائيل” من الغليان الذي بدأ في الأسابيع الأولى من إعلان القرار تبخّر تدريجياً، رغم من أن هذه الأجيال هي نفسها التي قارعت العدو وقدّمت أرواحها دفاعاً عن القضية، ماذا حدث إذاً:
1- وجود شرخ لا يمكن إنكاره بين الشعب والقيادات السياسية، الأمر الذي تحوّل فيما بعد إلى أزمة ثقة ستكلّف فلسطين الكثير في حال لم تتم معالجتها.
2- دور منظمات المجتمع المدني التي تعمل منذ عشرات السنين للوصول لمثل هذه اللحظات الذهبية، وهي العجز عن الوقوف في وجه أي مشروع غربي – أمريكي، ومن أبرز هذه المنظمات في فلسطين نذكر “NGOs” الممولة أجنبياً، والتي تنشط على الأراضي الفلسطينية منذ سبعينات القرن الماضي، وتلعب أدوراً مشبوهة منذ ذلك الحين، فهذه المنظمة مثل غيرها من المنظمات تلعب على وتر حاجة الشباب الماسة للعمل، في ظل البطالة وسوء الوضع الاقتصادي، لكنها تخضع لشروط الممول الأجنبي، بما فيها التوقيع على “وثيقة نبذ المقاومة وعدم التحريض”، أو رفض “معاداة إسرائيل”.
وتؤمن مثل هذه المنظمات فرص عمل للشباب ودخلاً جيداً جداً، وبذلك تستطيع أن تسحب منهم روح الانتفاضة رويداً رويداً، ثم تخديرهم بأساليب عديدة، وبحسب صحيفة “الأخبار اللبنانية” فقد كشفت آخر التقديرات التي نشرها “ديوان الرقابة المالية والإدارية”، وهو الجهاز الأعلى للرقابة في فلسطين، في نهاية 2016 أن عدد المنظمات غير الحكومية بلغ نحو 4010 ينشطون على الأراضي الفلسطينية، فيما تقدر أرقام شبه رسمية أنها توفر للفلسطينيين نحو 41 ألف وظيفة، فيما يصلها تمويل خارجي يزيد عن مليار و500 مليون دولار سنوياً. وتشمل هذه الإحصائية المؤسسات غير الربحية كافة، الممولة محلياً أو أجنبياً، علماً أن الأخيرة تشكل ثلثي العدد المذكور “4010”، ويشمل ذلك المنظمات التي تحظى بتمويل أجنبي كامل، أو يغطي هذا التمويل النسبة الكبرى من مشاريعها.
أما في الأردن فيبلغ عدد الجمعيات والشركات غير الربحية المسجلة نحو 4000 جمعية، تشرف وزارة التنمية الاجتماعية على النسبة الأكبر منها بينما تتقاسم وزارة الداخلية والثقافة والتنمية السياسية والزراعة والبيئة ووزارات أخرى الإشراف على باقي الجمعيات، ويتركز أكثر من 60% منها في العاصمة عمان.
لا يجب تجاهل نشاطات هذه المنظمات ففي حال استمرارها على نفس النهج، سنكون أمام شعوب “مخصية” عاجزة عن الوقوف في وجه أي خطر قادم على بلادها، لذلك يجب مراقبة هذه الظاهرة والعمل على الحدّ منها قدر المستطاع مع احترامنا لكل المنظمات التي تعمل بأفكار نبيلة على الرغم من ندرتها.