صمود وانتصار

خطاب السيد القائد .. عبثية المراهنة ويقين الانتصار

حسين الجنيد

بين مفاوضات (جنيف2) التي لم تقدم للشعب اليمني أي شيء سوى الخذلان، وبين رؤية السيد القائد التي حددت موجبات النصر، تتسع فجوةُ الرهان، كالسير على الماء، والسير على الأرض الصلبة، وشواهد العصر تثبت بأن الأممَ المتحدة هي فانوس الأمنيات الذي يحقق الرغبات الأمريكية.

في الوقت الذي أُسدِل فيه الستارُ عن مفاوضات (جنيف2)، وتبين للجميع بأن حصادَها لم يصلْ للشيء الذي يستحقُّ حتى الذكر، سوى موعد لجولةٍ جديدةٍ من المفاوضات، والتي وعلى ما يبدو، بأنها ستكونُ كسابقاتها من الجولات التي انتهت بلا شيء، أطلَّ السيد القائد في خطابه بمناسبة المولد النبوي الشريف، وكعادته، يقرأ مجرياتِ الأحداث بعَينِ المستبصرين، شارحاً لأُسُس المشكلات، ومُرشِداً لمنهجية الحلول.

ولعلَّ الذي تابَعَ خطابَه قد أدرك موجّهات الخطاب، خصوصاً فيما يتعلق بمسألة الرهان على الأمم المتحدة، إذ لا أمل يرجى من مطارَدة سراب الماء في هجير الصحراء. كانت رؤية السيد القائد جليةً وموضحةً بما فيه الكفاية للعقول الواعية، لحقيقة هذه المؤسسة الدولية التي أضحت أداةً مسيرةً وفق الإرادة الأمريكية.

الركض خلف سراب العدالة الأممية

وبعدَ سبعة أيامٍ من المفاوضات الماراثونية في سويسرا برعايةٍ أممية، كشفت خفايا كواليسها مدى عجز الأمم المتحدة في تحمُّل مسؤولياتها، واتضحت حقيقة أدائها الهزيل. فمن خلال تصريحات أعضاء الوفد الوطني المشارك في المفاوضات، تبين أن الأمم المتحدة وقفت عاجزةً أمام تعنت السعودية عبر أدواتها ومرتزقتها الممثلة في وفد الرياض ممن شاركوا في المفاوضات تحت مسمى “الشرعية المزعومة”، وعلى الرغم من ثبوت أنهم الطرَف المعرقِل لإيجاد حل سياسي ينهي معاناة الشعب اليمني، إلا أنها لم تتخذ أي إجراءٍ عقابيٍ أو ضاغطٍ على ذاك الطرف؛ لدفع عجلة المفاوضات باتجاه الحل، حيث أكَّدَ الأستاذ ناصر باقزقوز عضو الوفد الوطني المشارك في المفاوَضات، في مقابلةٍ أجرتها معه صحيفة صدى المسيرة، بأن “دور الأمم المتحدة كان مثيراً للغرابة والتساؤل، فالقرار الأممي (2216) لم يتضمن في بنوده التدخل العسكري في اليمن، ولم يتضمن في بنوده أيضاً فرْضَ الحصار على اليمن، والتحالف السعودي الأمريكي قام بعدوانه على اليمن وفرض حصاره المطبق على الشعب اليمني بدون أي مسوغ قانوني أو تشريع دولي، وتحت مرأى ومسمع من الأمم المتحدة التي لم تكترث حتى لبشاعة العدوان ومجازره التي استهدفت المدنيين والأطفال والنساء بالدرجة الأولى، ولم تكترث لتدمير البُنَى التحتية والتعليمية والتأريخية، بالرغم من أنها تعد جرائم حرب وجرائم إبادة طبقاً لقوانينها ومواثيقها، وعلى الرغم من إدراك الأمم المتحدة بأن الطرَفَ الآخر هو المتعنت وهو الذي لا يسعى لحل حقيقي وشامل لكنها تعجز عن اتخاذ أي موقف جاد”، كما أشار إلى أن سفراء الدول التي حضرت المفاوضات “أعلنوها بصراحه بأنهم يؤيدون وقف الحرب، ورفع الحصار الشامل، ولكن تعنت السعودية حال دون التوصل لأي حل” مضيفاً أن السفير الأمريكي قد لعب دوراً سلبياً في المفاوضات حيث شكل رافعةً للتعنت السعودي، وذلك حسب ما أكده سفراء الدول الآخرين بأن أمريكا هي سر قوة السعودية وتعنتها، مختتماً إشارته “بأنه أدرك حقيقة ما كان يعنيه السيدُ القائد عبدالملك الحوثي بأن أمريكا هي من تقف خلف السعودية وهي أساس المشروع الذي يستهدف اليمن، واتضح هذا جلياً لهم خلال المفاوضات”.

وفي مراجعةٍ زمنيةٍ لأدوار الأمم المتحدة تجاه العديد من القضايا تزداد الرؤية وضوحاً، بأن هذه المؤسسة الأممية لم تمنح العدالة لأيِّ شعب مظلوم، بل على العكس كانت حاملاً للهيمنة الأمريكية على دول العالم من خلال فرض العقوبات والسماح للإدارة الأمريكية بممارسة دور المعاقب والوصي للحقوق والقضايا الإنسانية والتي تكال بمكيالَين في الاتجاه الذي يصُبُّ في خانة المصلحة الأمريكية. ولعل القضية الفلسطينية شاهدٌ حيٌّ لازدواجية تلك المعايير وخرافة العدالة الأممية، حيث الرغبة الأمريكية في تقديم الغطاء على جرائم الكيان الصهيوني، تشيح الأمم المتحدة النظر عن جرائم هذا الكيان وكأن هذا الشعب المظلوم لا تشمله قوانينُ العدالة في دساتير هذه المؤسسة ولا يمتلك حقوقاً تكفلها له كحقوق دول العالم الأول، حسب تصنيفهم الذي يثبت قطعاً بأن مبدأ المساواة ليست إلا أفيوناً يخدر الشعوب.

ومنذ يومَين تقدم السلطات السعودية على إعدام رجل الدين الشيخ النمر؛ بسبب معارضته السلمية للنظام ولا تحرك الأمم المتحدة أيَّ ساكن أو تعبر عن استيائها ببيان تندد فيه بهذا الانتهاك الحقوقي، وهذه الجريمة الإنسانية بحق معارضٍ اتخذ المنهجية السلمية في التعبير عن رأيه والمطالَبة بالعدالة والمساواة في بلدٍ عُنصريٍ يحكمه نظامٌ ديكتاتوري يقتل لمجرد التعبير عن الرأي، في حين دعمت هذه المؤسسة الأممية وأسهمت بشكلٍ أساسي في الترويج لما سمّي “الربيع العربي” الذي أحرق المنطقة وأقحم الشعوب في أتون صراعاتٍ لم تنتهِ حتى الأن، تحت مسمى حقوق الشعوب في التظاهر والنضال ضد استبداد الحكام. ألم يكن نضالُ الشيخ النمر ضد استبداد أسرةٍ حاكمة؟ فكيف تتجاهله الأمم المتحدة وتتجاهل حقوقه وحقوق رفاقه المعارضين الذين أعدمهم نظامُ المملكة السعودية، بينما تحظى المعارَضة السورية بالرعاية الكاملة والاهتمام الكبير من قبلها لدرجةٍ أودت بالشعب السوري للهَلاك والدولة السورية للدمار!؛ فقط لأن الإطاحة بالحكومة السورية ورئيسها المناهض للسياسة الأمريكية هو هدف وغاية أمريكية، لذا نجد الأمم المتحدة تحشُدُ كُلَّ طاقاتها من أجل دعم المعارضة السورية، والتي اتضح بأنها ليست معارَضةً وطنيةً، بل عبارة عن مجموعات وتنظيمات إجرامية إرهابية تمت صناعتها بواسطة الإدارة الأمريكية والصهيونية.

وفي سياق هذا السرد والقراءة للشواهد التي تصل بنا إلى حقيقةٍ غيرِ قابلةٍ للجدل، بسرابية الرهان على عدالة هذه المؤسسة الدولية، ومَن يراهن على إنصافها، فهو كمَن يريد السير على سطح الماء.

رهان التوكل على الله والثبات في الميادين

جاء خطابُ السيد القائد بعد مسرحية مفاوضات (جنيف2) التي أدارتها السعودية عبر ممثل الأمم المتحدة وفق إرادتها وبإيعازٍ أمريكي، بمثابة القَول الفصل، والذي أحال مخططاتهم إلى هشيمٍ تذروه الرياح.

فقد كان المغزى من تلك المفاوضات هو إضاعة الوقت للمضي في العدوان على اليمن واستمراره، وذلك بجعل القوى الوطنية تستمرُّ بالركض في دهاليز المؤسسات الدولية وتصرفها عن الفعل في الميدان، غير أن الرؤية الحصيفة لدى قيادة الثورة والممثلة بالسيد القائد كانت السباقةَ في قراءة ما يؤفكون. وما كانت المشاركة في المفاوضات إلا لإثبات الحُجَّة أمام العالم، بأن الشعب اليمن لم يعد أمامه سوى خيار الانتصار لنفسه والدفاع عن وطنه بنفسه، وتجلت تلك الرؤية في موجهات خطاب السيد القائد، والتي أوضح من خلالها ملامح درب الخلاص، ومنهجية الوصول للحرية والاستقلال، وذلك بالدعوة لمواصَلة التحـرك الجادِّ وَالتصدِي للغُزاة والمعتدين والاستنهاض المستمرّ في أوساط الشعب لدعم الخيارات الاستراتيجية وتحرير كُلّ شبر محتل من البلد.

لقد كان الخطابُ والموجّهات التي تضمنها، رسالةً قويةً لأعداء الأمة، بأن الضعفاء هم من يراهنون على إنصاف الأمم المتحدة لمظلوميتها، في حين تنتصر الشعوب الحرة والأبية بتوكلها على الله لنفسها، وتصنع حريتها واستقلالها بالصمود والثبات، حتى لو تطلب ذلك الدهر كله، فالشعوب الحرة تلك التي تقرر أن تحيا بكرامةٍ وإباء، حتى لو تطلب ذلك أن تحارب مدى الحياة حد الفناء.