الشرق الأوسط سيشهدحرباً جديدة؟
الصمود|القرن الواحد والعشرين، سيشهد الشرق الأوسط حرباً جديدة ومن نوع آخر، هذا ما تقوله كبريات المؤسسات والمنظمات الدولية، وتحت عنوان “حرب الماء القادمة” تقول المراكز، بالرغم من التهديدات الاقتصادية، والانقسامات العرقية والمذهبية والإرهاب والتطرف الديني والجريمة المنظمة والأزمات البيئية التي تعصف بالمنطقة، إلا أن احتمالية وقوع هذا النوع من الحروب قد تصاعدت في السنوات الأخيرة في الشرق الأوسط.
حروب المياه
إن عبارة “حرب المياه” في الشرق الأوسط ليست مصطلحاً جديداً، وإن عدنا بالزمن إلى الوراء، تذكرنا قول الرئيس المصري أنور السادات في عام 1979 بأن “الطريقة الوحيدة التي يمكن لمصر إعادة الانخراط في الحرب هي المياه”، أيضاً في هذا الشأن قال الأمين العام السابق للأمم المتحدة بيتروس غالي في عام 1985 إن “الحرب القادمة في الشرق الأوسط ستكون حول المياه وليس السياسة”. وفي عام 1995 قال إسماعيل سوراج الدين، نائب رئيس البنك الدولي “في حين أن الكثير من الحروب في هذا القرن كانت على النفط، فإن حروب القرن القادم ستكون على الماء”. وكمثال آخر يقول كوفي عنان، الأمين العام السابق للأمم المتحدة في مارس 2001 إن “المنافسة القوية على موارد المياه قد تكون عاملاً في الصراع والحرب في المستقبل”.
وبشكل أوضح، في القرن الواحد والعشرين، يمكن للعديد من العوامل أن تؤدي إلى انعدام الأمن وأن تكون هي السبب الرئيسي في ذلك، وتعدّ الاختلافات الدينية أو العرقية والفقر والجوع وقلة الموارد من أهم هذه العوامل.
جيوسياسية الموارد الطبيعة
يعدّ التوزع الجغرافي للمياه واحداً من الأبعاد الجيوسياسية الرئيسية للموارد الطبيعية، حيث يعتبر هذا التوزع عاملاً مهماً في قدرة حكومات البلدان أو الأعداء على التحكم بهذه الموارد. ووفقاً لاستنتاجات الأستاذ فيليب ليبين، أستاذ الجغرافيا في جامعة كولومبيا البريطانية، تعدّ الأسباب السياسية للحرب على الموارد الطبيعية والبيئية، وإمكانية الوصول إليها، دافعاً مهماً لخلق صراعات جديدة عليها بين الحكومات، لأن هذه الموارد مرغوبة وقيّمة أولاً، وثانياً، هي في مساحة ثابتة نسبياً.
ولقد أصبحت الموارد الطبيعية في الوقت الحاضر ذات أهمية استراتيجية، ففي التسعينات كانت المنابع الطبيعية سبباً رئيسياً لاندلاع عدة حروب كالحرب بين العراق والكويت على حقول النفط الكويتية، أو الحرب الأهلية على الماس في غرب إفريقيا أو….
تم استخدام مصطلح “حرب الموارد الطبيعية” لأول مرة في أوائل الثمانينيات، بعد ازدياد التهديد السوفياتي لمصالح أمريكا النفطية في الشرق الأوسط. وبناءً على ذلك، تعتبر المياه مورداً نادراً في الشرق الأوسط، لذلك قد يكون استمرار تفاقم “ندرة المياه” في المستقبل عاملاً في تهديد الأمن البشري للحكومات الإقليمية، ما يزيد من المنافسة في الحصول على هذه الموارد. ووفقاً لما يقوله الاقتصاديون الغربيون الكلاسيكيون، مثل جون ستيوارت ميل وديفيد ريكاردو، فإن الموارد نادرة بطبيعتها (محدودة من حيث الكمية والموقع)؛ وبالتالي تعدّ المنافسة على الموارد المحدودة بمثابة اختبار للنمو الاقتصادي للبلاد.
هل ستكون هناك حرب على الماء في الشرق الأوسط؟
يشهد القرن الواحد والعشرون ضغوطات كثيرة، حيث ستزيد الضغوط الناجمة عن ازدياد عدد السكان، وزيادة الطلب على المياه للاستخدام الزراعي، والحاجة المتزايدة للموارد في جميع أنحاء العالم من المنافسة على المياه العذبة. وفي الوقت نفسه، يقول خبراء اقتصاديون إن ندرة المياه في الشرق الأوسط تحوز أهمية أكبر من أي مكان آخر في العالم، حيث لعبت هذه الندرة منذ آلاف السنين دوراً مهماً في تحديد العلاقات السياسية في المنطقة، حتى ارتبطت الاختلافات الأيديولوجية والدينية والجيوسياسية بالتوترات المرتبطة بالمياه، ما أدّى إلى ازدياد الضغوط على أجزاء من دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وخاصة تلك البلدان التي تحتوي على أنهر كبيرة كالنيل ونهري دجلة والفرات. ويعدّ التنافس على الموارد المائية في المنطقة قديم جداً، حيث كان سكان هذه المنطقة في العصور القديمة يتقاتلون من أجل الحصول على المياه، لكن المنافسة اشتدت في السنوات الأخيرة كالتنافس المصري الاثيوبي والتنافس التركي العراقي.
مستقبل الأمن المائي في غرب آسيا
إن التاريخ يشهد على صراعات طويلة من أجل الحصول على الماء، وخاصة في حوض نهر الأردن، ويعدّ التغير في المناخ، وقلة هطل الأمطار وسوء إدارة الموارد المائية، وعدم وجود خطة اقتصادية صحيحة للاستفادة من الماء والتربة من بين العوامل التي ستؤدي إلى ازدياد المنافسة على الموارد المائية. وفي هذا الشأن تحاول تركيا الحفاظ على موارد المياه داخل البلاد من خلال تنفيذ مشاريع عدة من بينها مشروع الفجوة وسد إليوسو، كما يحاول الكيان الإسرائيلي السيطرة على المنابع المائية الفلسطينية واللبنانية، من أجل زيادة الإنتاجية في المياه، ويشير استخدام تقنيات الري الجديدة وإعادة تدوير سبعين في المئة من مياه الصرف الصحي إلى تزايد أهمية موارد المياه في الشرق الأوسط. ويمكن القول، إن أزمة المياه وعدم قدرة دول المنطقة على إدارتها يمكن أن تزيد من الصراعات الداخلية، والتي قد تؤثر على تفاقم الأمن الغذائي والمصالح الحيوية الأخرى للدول القومية، ما يؤدي إلى المزيد من “حروب المياه”.