صمود وانتصار

“الوهابية جرم” باعتراف ولي العهد السعودي… الأسباب والتداعيات

الصمود- حتى يوم أمس كان أمراء وملوك آل سعود يمجدون ويمدحون الوهابية ومؤسسها محمد بن عبد الوهاب، ويحثّون على صونها ونشر أفكارها لدرجة أنها أصبحت الدين الرسمي للبلاد القائم على التكفير والقتل، إلى أن أعلن ولي عهد السعودية محمد بن سلمان في حواره مع صحيفة واشنطن بوست الأخير بأن الوهابية تهمة وخطأ من الماضي يجب التخلص منها بالرغم من تصريحاته السابقة التي عبر فيها عن صدمته من الربط بين الوهابية والإرهاب، واتهم يومها الأمريكيين بوجود سوء فهم عميق لديهم حيال الموضوع.

اعتراف ابن سلمان لم يكن الأول داخل الوسط السعودي، إذ سبقه مسؤولون آخرون ، إلا أن اعترافه يشكل أهمية كبيرة لأنه يأتي على لسان ولي العهد، أي ليس شخصاً عادياً ولا يمكن تجاهله أو العبور من جانبه دون التطرق إليه. هذا الاعتراف شكل نوعاً من الصدمة في الشارع السعودي الوهابي والعالمي، طارحاً تساؤلات حول مستقبل التيار الوهابي في الوطن العربي والعالم الإسلامي، حيث تجاهل الأمير الشاب فيه تاريخاً طويلاً من الوهابية داخل السعودية التي بدأت في أواخر القرن الثاني عشر الهجري، الموافق للثامن عشر الميلادي على يد محمد بن عبد الوهاب (1703 – 1792) والتي تدرّس أفكارها التكفيرية في كل مدارس السعودية، مختصراً كل ذلك من أجل أخذ المباركة الأمريكية وتبرئة ساحته لدى إدارتها الجديدة من أجل الوصول السريع إلى كرسي العرش.

تصريحات ابن سلمان الأخيرة

أعلن ابن سلمان طلاقه الأخير من الوهابية، وفي تصريحاته لصحيفة واشنطن بوست منذ يومين حيث قال إن الاستثمار السعودي في المدارس والمساجد حول العالم مرتبط بفترة الحرب الباردة عندما طلبت الدول الحليفة من بلاده استخدام مالها لمنع تقدم الاتحاد السوفييتي في العالم الإسلامي. وأضاف إن الحكومات السعودية المتعاقبة فقدت المسار والآن نريد العودة إلى الطريق. وأوضح قائلاً إن التمويل الآن يأتي من مؤسسات سعودية وليس من الحكومة متوعّداً بإعادة الأمور إلى نصابها. وأكد ابن سلمان خلال المقابلة أنه بذل جهداً كبيراً لإقناع المؤسسة الدينية في السعودية بأن القيود المفروضة على المرأة ليست جزءاً من التعاليم الإسلامية. وأضاف أعتقد أن الإسلام عقلاني وبسيط ولكن البعض يحاول اختطافه، وقال إن الحوارات مع المؤسسة الدينية كانت طويلة ولهذا السبب يزيد حلفاؤنا داخل المؤسسة يوماً بعد يوم”.

اعتراف ابن سلمان سيكلّفه الكثير

يعتقد محللون أمريكيون أن تصريحات ابن سلمان أتت بسبب تسرّعه، بل أكدوا أنه يجب عليه تغيير طاقمه المساعد الذي يساعده في وضع استراتيجياته وخططته، حيث شكلت تصريحاته الأخيرة إقراراً صريحاً بأن الوهابية جرم ويجب إيقافه، كما قدم اعترافاً جديداً بشأن علاقة الوهابية بأمريكا، كسلاح استراتيجي يشهره النظام السعودي بوجه العدو بناء على طلب واشنطن وقت الضرورة، وعلاقة واشنطن بالمجموعات الإرهابية كداعش وأخواتها اللاتي يحملن العقيدة الوهابية التكفيرية. وبذلك يكون ابن سلمان قد اعترف بعلاقة السعودية وأمريكا بشكل مباشر بالتفجيرات والدماء التي سالت بفعلها وعلاقتهما في ظهور داعش وأخواتها في سوريا والعراق والتي قتل بسببها مئات الآلاف من الأبرياء، حتى أحداث 11 أيلول/سبتمر والتي كانت مبرراً للغزو الأمريكي للعراق وأفغانستان والتي يتهم فيه 19 سعودياً وهابياً بتنفيذها تكون قد تكشفت خطوطها بأن الوهابية الداعشية الإرهابية ذات الصناعة الأمريكية والتمويل السعودي هي المسؤول المباشر عنها، أي بمعنى آخر إن السعودية وأمريكا مسؤولتان عن الدماء والدمار الذي حلّ بالعالم العربي والإسلامي وفي المنطقة والعالم ككل منذ الحرب الباردة إلى يومنا هذا.

نتائج هذا الاعتراف

ابن سلمان كان عنده الجرأة للاعتراف بهذا الجرم، وكما ذكرنا سابقاً إن هذا الاعتراف أتى بهدف كسب الرضى الأمريكي على إجراءاته في الداخل السعودي ومن أجل التسريع في وصوله إلى كرسي العرش، لكن هذه الجرأة سوف يدفع ثمنها الكثير، إذ إن ابن سلمان لا يدرك جيداً الخبث الأمريكي، وخاصة في عهد رئيس وصف بالتاجر الذي يبحث عن المصالح الأمريكية فقط، ومن المؤكد أن ترامب سوف يتنصل من هذا الاتهام كما تنصل من سبقه من أسلحة الدمار الشامل في العراق، وذلك من أجل تفعيل قانون جاستا الأمريكي الذي يتيح للمواطنين الأمريكيين الحق بمقاضاة السعودية بزعم تورطها في دعم هجمات الحادي عشر من سبتمبر. ومن المتوقع أن يتم تسديد فاتورة أحداث برجي التجارة الأمريكية من الأصول الرسمية السعودية في أمريكا والتي تتراوح بين 500 مليار دولار وتريليون دولار، ومن هنا تنبع أهمية القرار وخطورته في ظل تسريبات وتوقعات تشير إلى إمكان حجز أمريكا لهذه الأموال أو دفعها إلى المتضررين من هجمات سبتمبر، الأمر الذي من شأنه إحداث هزة كبيرة وغير محدودة تهز أركان الاقتصاد السعودي.

ختاماً، سهام ابن سلمان القاتلة قد أصابت الوهابية وأصابت نفسه أيضاً، وهو ينتظر اليوم ردة فعل المؤسسة الوهابية وجمهورها الذين لم يحركوا ساكناً بعد بالرغم من استفزازات الأمير الشاب المتكررة لهم في السابق باعتقال مبشريهم وإقرار قوانين تتعارض مع تعاليمهم. ويمكن القول إن هذه المرة تختلف عن سابقاتها، فهل ستشهد الأيام القادم انتفاضة وهابية في وجه ابن سلمان أم تبقى احتمالات عدم جدية تصريحات الأمير الشاب في المسألة الوهابية أمراً وارداً.  وحتى اتضاح المسألة يبقى السؤال كيف سيخرج ابن سلمان نفسه من المأزق الأمريكي الجديد الذي أدخل نفسه فيه إذا ما فعّل قانون جاستا؟!