التطبيع السعودي في ذكرى النكبة.. سقوط الأقنعة والمحرمات
الصمود / 17 / مايو
تتعدد المواقف التي تصدر عن الدول والجهات الرسمية فيها في بعض القضايا، وأحيانا نجد مواقف متطابقة وأخرى متعارضة أو مبهمة من نفس الدولة حول نفس القضية، فيحتار المرء في تحديد خيارات هذه الدولة وغاياتها الحقيقية من وراء ذلك، قبل أن يدرك الإنسان أنه في عالم السياسة تبقى العبرة بالأفعال وما يطبق على أرض الواقع وليست في بعض التصاريح التي تصدر من هنا وهنا دون أي جدوى أو فائدة.
هذه المقدمة تنطبق على المواقف السعودية الرسمية من القضية الفلسطينية، فمن يراجع الموقف الرسمي السعودي الصادر مؤخرا خلال القمة العربية التي عقدت في مدينة الظهران(شرق المملكة) والتي اسميت بـ”قمة فلسطين” والذي أعلنه الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود يراه تقليديا شبيها بتلك التي كانت تطلقها الملوك والأمراء والقيادات في المملكة تاريخيا، فقد قال الملك سلمان إن “القضية الفلسطينية ستبقى هي قضيتنا الأولى وستظل كذلك حتى حصول الشعب الفلسطيني الشقيق على جميع حقوقه المشروعة وعلى رأسها إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية”، وتابع “نجدد التعبير عن استنكارنا ورفضنا لقرار الإدارة الأمريكية المتعلق بـالقدس وننوه ونشيد بالإجماع الدولي الرافض له..”.
فلسطين والسياسة السعودية..
إلا أن هذه المواقف تحتاج إلى التدقيق والتمحيص أكثر في جداوها وأثرها العملي، خاصة مع كل ما تتعرض له القدس المحتلة والقضية الفلسطينية من مؤامرات تقودها الولايات المتحدة الأمريكية “الحليف الاستراتيجي والتاريخي” للمملكة السعودية التي تكتفي بالتعليق والتعبير عما يجري في فلسطين ببعض المواقف الإعلامية التي تصدر في بعض الأحيان من دون أي تأثير فعلي لها في أرض الواقع، مع العلم أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بات الصديق العزيز والمقرب لبعض الشخصيات الفاعلة في الإدارة الأمريكية لا سيما صهر الرئيس دونالد ترامب، جيراد كوشنر الذي يقف وزوجته على رأس الوفد الأمريكي الرسمي المشارك في احتفال نقل السفارة الأمريكية في كيان الاحتلال من تل أبيب إلى القدس المحتلة.
وهنا تطرح التساؤلات عن القدرة السعودية المؤثرة في القرار الأمريكي عندما تتعلق المسألة في قضايا الأمة الحقيقية وعلى رأسها القضية المركزية للأمة وهي قضية فلسطين، فهل فعلا لا تزال هذه القضية هي الأولى وعلى رأس أولويات المملكة السعودية؟ وهل التعاطي السعودي مع القضية الفلسطينية يظهر أنها أولوية لدى الرياض والسلطة الحاكمة هناك؟ وماذا عن كل المؤشرات التي تظهر التورط السعودي بما يسمى “صفقة القرن” والتقارب الحاصل مع الكيان الإسرائيلي في العديد من الملفات؟ وأي مواقف هي التي تعبر عن الرأي السعودي الرسمي، هل التي يطلقها الملك سلمان أم غيره من أمثال نجله ولي العهد؟
لا بد هنا من التذكير بما أطلق ابن سلمان من مواقف قبل فترة خلال زيارته الأخيرة للولايات المتحدة الاميركية، حيث قال إن “القضية الفلسطينية لا تشكل أولوية قصوى بالنسبة للحكومة السعودية.. هناك قضايا أكثر أهمية للتعامل معها مثل إيران”، ناهيك عن مواقفه التي تحدث فيها عن حق الإسرائيليين بإقامة كيانهم على أرض فلسطين وصولا لانتقاده مواقف القوى الفلسطينية المختلفة وعلى رأسها السلطة، حيث قال إن “القيادة الفلسطينية ومنذ 40 عاما وهي تُفوِّت الفرص وترفض جميع المقترحات.. وعلى الفلسطينيين القبول بالعروض المقدمة لهم والعودة إلى طاولة المفاوضات أو فليصمتوا ويتوقفوا عن التذمر”.
ترحيب ومباركة.. والعين على تطبيع
مواقف متناقضة تحتاج إلى قليل من التأمل لنعرف أي منها يتضمن الموقف الحقيقي للمملكة السعودية، والفيصل والمعيار يكون بالممارسة الفعلية وما يحصل على أرض الواقع، والحقيقة أن كلام ولي العهد هو الذي يطبق وينفذ ويستخلص من مجمل السياسات السعودية في المنطقة، وأكبر دليل على ذلك هو نجاح سياسة ترامب “الحليف القوي” لابن سلمان وداعمه المفترض للجلوس على كرسي الملك في المملكة السعودية، فترامب نجح حتى الساعة بتمرير قراره باعتبار القدس عاصمة لكيان الاحتلال، كما نجح في تمرير قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة ويجري تطبيقه بصمت سعودي وخليجي واضح لا يحتاج إلى تفسيرات كثيرة سوى أنه يندرج في خانة القبول والرضى عنه، وإلا كنا يجب أن نشاهد سلوكا مختلفا من قبل من يدعي الحرص على حقوق الشعب الفلسطيني الذي يقتل بالرصاص الحي للجيش الإسرائيلي على حدود غزة بينما تستكمل إجراءات سرقة أرضه وعاصمته وحقوقه وعلى رأسها حق العودة بقرار أمريكي وبترحيب إسرائيلي وبصمت سعودي لا يفسر إلا بالموافقة والمباركة.
كل ذلك يتلاقى مع كثير من المواقف السعودية التي أطلقت عبر المنابر الاعلامية والسياسية وبواسطة شخصيات مقربة من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والتي تتحدث عن تقارب في المصالح والرؤى بين الرياض تل أبيب، ناهيك عن تلك التي صدرت من شخصيات سعودية مرحبة بخطوة نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، والتي تندرج كلها في باب التزلف السعودية للأمريكيين والإسرائيليين وفي خانة السعي لتطبيع العلاقات بين الطرفين مع كل ما يتم تسريبه من وجود أسس متينة لهذه العلاقات منذ عشرات السنين وحتى اليوم.
ولعل تطبيع هذه العلاقات هو أحد أبرز الأولويات السعودية في المرحلة المقبلة وذلك في إطار التأكيد أن السياسات المستقبلية للقيادة السعودية هي فتح الأبواب الموصدة والتي كانت محرمة طويلا مع عدو الأمة الأول والأخير، وكما يبدو أن الزمن هو زمن تحليل المحرمات وإسقاط الممنوعات في حاضر ومستقبل المملكة السعودية ومحاولة فرض ذلك على الأمة، إلا أن هذا الأمر الأخير لمن يعتقد أنه يمكن تمريره بسهولة فهو يحتاج إلى الكثير من التدقيق لأن شباب فلسطين وشبانها لن يتنازلوا عن حبة تراب من أرضهم على الرغم من مرور عشرات السنين على ذكرى النكبة، ما يؤكد أن هذه القضية لا تسقط بمرور الزمن وغير قابلة للمساومة والبيع والشراء وعندها تسقط كل المشاريع السياسية والأقنعة المزيفة.