اليمنيون في جمعتهم الأخيرة: حيّ على القدس، حيّ على خير البقاع
الصمود|أكثر من ستة عقود، والقدس تقبع تحت صلف الاحتلال الإسرائيلي ونيرانه، ويتجرع أهلها صروف العذاب وأبشع أساليب القتل والإجرام والتنكيل، عقود من الاستيطان والتهجير والأسر والإخفاء القسري، بتواطؤ عربي، وتآمر حكام وزعماء، ارتموا في أحضان الغرب، وباعوا سيادة أوطانهم وقرارها السياسي بثمن بخس لا يتعدى مواقف الانبطاح، وسلّموا قيادتها لأمريكا، فجعلت منهم حرّاساً أشاوس للكيان الغاصب، وشرطة رخيصة لقمع الأحرار، ومناهضة الشعوب الساعية للتحرر والاستقلال.
مخططات خاسرة
لم تفلح مخططات الأعداء عبر أياديهم الخفية داخل الأنظمة العربية، من خلق عدو بديل للعدو الإسرائيلي، رغم النجاحات المتفاوتة للمشروع الأمريكي في جرّ الشارع العربي إلى صراع بعيد عن الكيان الغاصب، من خلال مشاريع طائفية بأبواق الوهابية الرديفة للمشروع الصهيوني، التي جعلت من إيران عدواً بديلاً، إلا أن الشارع العربي والإسلامي بأطيافه المختلفة، وقياداته الثورية التحررية تجاه القدس، جعل القدس قضيته المركزية، وأعطاها الأولوية في المواجهة مع العدو، والركيزة الأساسية في مشروعه النهضوي والتحرري.
صنعاء هي القدس
رغم الجراح النازفة، والواقع المؤلم، والحال الكارثي الذي يعيشه الشعب اليمني الحرّ، تأتي قضية الأقصى الجريح على رأس قضاياه المقدسة، وتحتل الصدارة في الموقف والقرار، وتأخذ منه كل اهتمامه المستوحى من وعيه القرآني، فاليمنيون يعتبرون إحياء يوم القدس العالمي، شعلة توقظ الهمم، وتعيد الأمل إلى القلوب، كونها حيّة في القلوب والمشاعر والضمائر. فيحتفلون بيوم القدس، وهم مثخنون بجراحاتهم، يحيونه ودماؤهم تسفك، وجثثهم تتفحم، ومنازلهم تدمّر على رؤوس النساء والأطفال، لكن ذلك لم يثنيهم أو يغير من موقفهم، فهم يدركون أنهم لو لم يعيروا القضية الفلسطينية أي اهتمام؛ لما شُنّ عليهم العدوان، ولما أعلنت ضدهم الحرب من الأعراب المنبطحين، ويعلمون أيضاً، أن هذه الحرب صهيونية بامتياز، انتقاماً لمواقف أحرار اليمن التي لا يمكن أن تتزعزع، مهما كانت التضحيات والتبعات، وستظل قضية القدس في قلوبهم ومشاعرهم حتى التحرير والانتصار.
وعد بلفور من جديد
من الطبيعي جداً بعد كل هذا الذل والارتهان، أن يتمخض ويولد قرار بتهويد القدس، وأن تتشكل استمرارية أمريكية بإهانة كرامة العرب، إذ لم يكن على ترامب أن يقلق أبداً من أي غضب عربي أو ثورة عربية، وكان عليه أن يمضى بكل ثقة لإعلان قراره، فهو يدرك تماماً أن العرب قد صاروا خاضعين، وأن كل قوتهم باتت موجّهة لضرب الأمة من الداخل، وخلخلة استقرارها، وشنّ الحروب عليها لإضعافها، فنجحت محاولات أمريكا من خلال عملائها العرب، من ضرب المقاومة، أو أي صوت يهتف بالعداء لها ولـ “إسرائيل”، ووجدت في نظام آل سعود والإمارات، المُنقذ المخلص والخادم الأمين، فكانت اليمن وأهلها هم أول المستهدفين، لصدقهم وتبنيهم ودفاعهم الجاد عن قضايا الأمة.
اليمن تغني للقدس
شهدت جميع المحافظات اليمنية يوم الجمعة تظاهرات حاشدة؛ لتخليد يوم القدس العالمي في الجمعة الأخيرة من شهر رمضان المبارك، وكانت اللجنة المنظّمة لإحياء يوم القدس العالمي، دعت جماهير الشعب للاحتشاد في العاصمة صنعاء وباقي المحافظات تضامناً مع الشعب الفلسطيني، وأكدت اللجنة في بيان صدر عنها أهمية المشاركة الواسعة في المسيرة للتأكيد على وقوف الشعب اليمني إلى جانب الشعب الفلسطيني الذي يتعرّض لأبشع المجازر من قبل العدو الإسرائيلي الذي ينتهك المقدسات الدينية بما فيها المسجد الأقصى مسرى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وجدد السيد عبدالملك الحوثي دعوته لجماهير الشعب في خطاب له مساء الخميس، إلى الحشد والمشاركة لإحياء يوم القدس العالمي، مؤكداً أن قضية القدس هي قضية اليمنيين الأولى رغم كل التحديات والإرهاصات والحرب والحصار.
السلاح نحو العدو
إن مواقف الوفاء المتواصلة للشعب اليمني، تتلاقى مع الجهود العسكرية التي تقدّمها القيادة اليمنية في الجيش واللجان الشعبية عبر تخريج دورات عسكرية تحت اسم فلسطين والقدس، ما يؤكد أن القدرات اليمنية في مختلف المجالات هي في خدمة القضية الفلسطينية، وإن السلاح هدفه الأساس هو التوجه صوب العدو الصهيوني للأمة، وما العدوان السعودي الأمريكي الإماراتي على اليمن إلا أحد الأساليب لإلهاء الشعب اليمني الحرّ عن قضية فلسطين، وعن العدو الذي اغتصب أرضها، حيث يسعى حكّام الخليج ومن ورائهم الأمريكيون والصهاينة إلى تركيع الشعب اليمني، وإخضاعه، وإخراجه من الحضور الفاعل مع القضايا العربية والاسلامية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، لكن هيهات لهم ذلك ما بقي في عروق اليمنيين دماء، فالشعب اليمني مهما زادت جراحه لا ينشغل عن قضايا الأمة؛ ولن يتخلى عن فلسطين مهما بلغت التضحيات.