صمود وانتصار

عاجل.. الصماد يحدد مسار المرحلة المقبلة

حسين الجنيد

مع ازدياد وكثرة الحديث عن مفاوضاتٍ مقبلةٍ، وتصعيد تحالف العُـدْوَان لمستويات إجْــرَامه ووحشيته، كان خطابُ الصماد بتوقيته، بوصلة المسار، ومحدداتٍ للخيارات القادمة.

في ظل ضبابية المرحلة الراهنة، والواقع القائم الذي فقد موجِّهات القراءة، ومؤشرات الفهم لما ستؤول إليه الأحداث في قادم الأيام، خصوصاً بعد أن وصل ملف المفاوضات إلى طريقٍ مسدود، واتضحت أجندة الأمم المتحدة في رعايتها لتلك المفاوَضات، بممارستها دوراً وظيفياً، لم يخدم سوى دول العُـدْوَان على الـيَـمَـن، بمنحهم المساحة الزمنية للعب على ورقة الهُدنة المزعومة لتغيير معادلة الأَرْض.

جاء خطاب الأستاذ صالح الصماد رئيس المجلس السياسي لأنصار الله في التظاهرة الجماهيرية الحاشدة يوم الجمعة بالعاصمة صنعاء، المنددة باستهدَاف تحالف العُـدْوَان للمحافظات الـيَـمَـنية بالقنابل العنقودية والأَسْلحَة المحرمة دولياً، في توقيتٍ كان من الأهمية بمثابة بوصلة الاتجاه التي حددت وجهة السير، واضعاً النقاط المفقودة، فوق حروف التكهنات السياسية، كاشفاً حجم التآمر العالمي على الـيَـمَـن أَرضاً وشعباً، وموجهاً العديد من الرسائل للداخل والخارج، تحمل في فحواها مفاتيح التحولات.

استهدَاف وحشي، وتواطؤٌ أممي

وفي قراءةٍ تحليليةٍ لمضامين خطاب الصماد، من خلال تناول أهم المحاور التي شكلّت دليل التعاطي مع المرحلة المقبلة عبر تلك المضامين، نجد أن البداية كانت في تناوله للمؤسسات الدولية والأممية، ومدى تواطؤها مع دول تحالف العُـدْوَان، فعشرة أشهرٍ من العُـدْوَان البربري على الـيَـمَـن، وهذه المؤسسات لم تبدِ أية ردة فعلٍ إزاء هذا الصلف وهذا الإجْــرَام غير الصمت المخزي والذي أسقط كُلّ عناوين “حقوق الإنسان والشعوب” وَ”استقلال الدول” وَ”مواثيق حفظ السلام الدولي” التي يتشدقون بها، واتضحت حقيقة استخدامهم لتلك العناوين في استهدَاف بعض الأنظمة التي تشبُّ عن طوق الإرادة الأمريكية والصهيونية، مغلقاً باب الركون إلى تلك المؤسسات أَوْ مخاطبة ضمائرها نهائياً.

وفي رؤيته لاستهدَاف طيران العُـدْوَان للبنى الاقتصادية والمنشئات الحيوية واستخدام القنابل العنقودية والأَسْلحَة المحرمة دولياً يشير الصماد في خطابه، إلى أن غاية العُـدْوَان من هذا الاستهدَاف، تكمن في كسر صمود الشعب وتركيعه من خلال القضاء على مقومات الحياة المعيشية في البلد، وصمت الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية أعطى التحالف الجرأة لهكذا استهدَاف وتمادٍ، وصل حد استخدام القنابل العنقودية والأَسْلحَة المحرمة دولياً على أحياء العاصمة المكتظة بالسكان، وهنا ينبغي علينا توضيح مسألةٍ هامة، وهو التوقيت الذي صادف فيه قيام كوريا الشمالية بتنفيذ عملية تجربة نوويةٍ، وبين استهدَاف العاصمة صنعاء بالقنابل العنقودية، يتضح لنا مدى تواطؤ تلك المؤسسات الدولية، فقد أعلن مجلس الأمن عقد جلسةٍ طارئةٍ لبحث مسألة عملية التجربة النووية التي أجرتها كوريا الشمالية، وما هو الرد العقابي الذي ينبغي على الأمم المتحدة اتخاذُه ضد كوريا لمخالفتها القانون الدولي، في حين لم يكترث ولم تلتفت للجريمة التي اقترفها تحالف العُـدْوَان باستهدَافه لأحياء العاصمة والعديد من محافظات الـيَـمَـن بالقنابل العنقودية والأَسْلحَة المحرمة، ومن جهةٍ أُخْــرَى هذا التزامن تعمده التحالف الأمريكي السعودي ليقول من خلاله، بأنه لا يكترث ولا يهتم للشرعية الدولية ولا لمؤسساتها، مستعرضاً قواه وعضلاته من خلال هذا التصعيد الوحشي للضغط على صمود الشعب الـيَـمَـني في محاولة النيل منه معنوياً.

لا تفاوض، والخيار الوحيد هو المواجهة

وفيما يتعلق بمسألة المفاوضات التي جرت في جنيف، تناول الصماد في خطابه تفسيراً واضحاً لتلك المفاوضات، أنها لم تكن سوى مسرحية هزليةٍ قامت بها الأمم المتحدة لمنح دول تحالف العُـدْوَان مستقطعاً من الوقت لاستعادة أنفاسه، ولاستغلال ظروف الهدنة ووقف إطْلَاق النار لتغيير مجرى المعركة في الميدان بشن هجومٍ متعدد المحاور وبشكل مفاجئ لتحقيق مكاسب وانْتصَارات لتحسين وضعه الحرج أمام العالم. قاطعاً طريق التكهنات بما يدور خلف الكواليس والحديث عن مرحلةٍ قادمةٍ من المفاوضات، أن هذه الأحاديث وتلك التخرُّصات ليست إلا ضرباً من الهلوسات السياسية المراد منها تثبيط عزيمة الشعب الـيَـمَـني واستدراجه مرةً أُخْــرَى لمصيدة الهدنات الملغومة، وفي قراءةٍ استباقيةٍ، لما يعدّ ويخطط له تحالف العُـدْوَان، يؤكد الصماد أن الحديث عن المفاوضات المقبلة مجرد سحابةٍ يخبّئ خلفها العدو مخططاً لشنّ هجومٍ كبيرٍ وشاملٍ على تعز والجوف وحرض، ولكن تكرار الكرّة لن يجدي، حيث كانت هدنتهم السابقة درساً جعل الشعب والجيش واللجان الشعبية على درايةٍ ووعيٍ تام بمؤامرات تحالف العُـدْوَان، إذ لن يُلدَغ من هذا الجحر مرتين. وهنا نستخلص أن مسألة الرهان على أية مفاوضات باتت مجرد ركضٍ خلف سراب؛ لأن القوى الوطنية طرقت كُلّ الأبواب وجلست على كُلّ الطاولات التفاوضية، وسارت على كُلّ الدروب المقترحة؛ من أجل رفع المعاناة والحصار عن الشعب وقدمت كُلّ التنازلات؛ من أجل الوصول لحلٍّ يفضي بإخراج الوطن مما هو فيه من دمار، وهذا ما جعل الصماد يؤكد على سرابية هذا الرهان، وتعتبر دعوة الصماد لعدم الالتفات والاكتراث لكل من يدعو لمفاوضاتٍ جديدةٍ، بمثابة الباب الثاني الذي تم إغلاقه في وجه الرهانات.

منهجية المرحلة القادمة، ورسائل للداخل والخارج

وفي لغةٍ تملؤها الثقة وصوتٍ يضجّ بنبرات القوة، يدعو الصماد أبناء الشعب للصمود والاستعداد والتعاضد مع أبطال الجيش الـيَـمَـني واللجان الشعبية، في مواجهة تحديات المرحلة القادمة والتمسك بالخيارات الاستراتيجية، باعتبارها هي الحل الوحيد والخيار المتاح أمامهم، بالتوكل على الله، لتحقيق الانْتصَار وانتزاع الحرية، ولا شيء آخر سيحقق لهم ذلك.

هذا وقد وصل الصماد إلى أعلى درجات الثقة بالشعب والجيش واللجان الشعبية، ويقين الانْتصَار بالتوكل على الله، عند إرْسَاله للرسائل الموجهة للداخل والخارج، حيث كانت أولى رسائله موجهةً لعموم الشعب الـيَـمَـني وأبطال جيشه ولجانه الشعبية، بالشد على أياديهم في مواصلة الصمود ومواجهة العُـدْوَان، ووجّه رسالته الثانية إلى الأعداء، بألا يراهنوا على إطالة عمر العُـدْوَان ورفع مستوى وحشيته واستهدَاف الاقتصاد لتركيع الشعب، مستدلاً ومرتكزاً في رسالته على خطاب السيد القائد في المولد النبوي الشريف حين قال “إن الشعب سيحارب ويواجه العُـدْوَان عبر الأجيال القادمة حتى يوم القيامة”، وفي هذا الاستناد دلالةٌ واضحةٌ في أن هذا التوجه بات منهجيةً وعقيدةً سيسير عليها الشعب في قادم أيامه. فيما كانت ثالث رسائله موجهةً إلى أَصْحَـاب الأقنعة المزيفة التي تخبئ خلفها قبح الأفاعي، في بث سموم الفتنة والاصطياد في الماء العكر، تحت شعارات الحياد تارةً، والدعوة للسلام تارةً أُخْــرَى، للنيل من عزيمة وصمود الشعب، وضرب الجبهة الداخلية، بنشر ثقافة الانهزام، والدعوة لتقديم التنازلات للوصول إلى الحل السلمي، حيث جاءت رسالة الصماد لهم بمثابة القول الفصل، أن التنازل عن كرامة الشعب وحريته، مسألةٌ غير قابلةٍ للنقاش والتنازل عنها من ضروب المحال، فبعد تقديم كُلّ التضحيات بالبيوت والممتلكات والأطفال والنساء والشيوخ وكل البُنَى التحتية للبلاد، لم يعد هناك أي مجال لرفع الراية البيضاء وإعْلَان الاستسلام، وهنا تأتي الدلالة القطعية على تحديد المسار نحو المواجهة حتى آخر قطرة دمٍ تنبض في شريان مواطنٍ يمني. ورابع رسائله وجّهها إلى مرتزقة العُـدْوَان الممثلين بالدُّمَى القابعة في فنادق الرياض، أنهم ليسوا إلا مطيةً لتلك الدول لا أكثر، وفي ذلك دلاليةٌ على إسقاطهم من أيَّة حساباتٍ حتى وإن كانت هامشيةً، وهذا في حد ذاته يعد تقزيماً لهم وتسمية الأشياء بمسمياتها وكأنه يقول لهم: لستم حتى في مستوى أن نعتبركم خصوماً؛ كونكم تعدون مجرد أدوات لمن هم الخصوم الفعليون للشعب وللجيش واللجان الشعبية. مردفاً رسالته التالية إلى دول الأعراب، حيث غلّف الرسالةَ بنوعٍ من الوَسْمِ على تشخيص دورهم الوظيفي في المنطقة؛ كونهم مطيةَ الأمريكان والصهاينة، ومن خلال إرداف الرسالة إلى المرتزقة برسالته إلى دول الخليج، تأكيدٌ من الصماد على ارتباط الرسالتين، بترابط المعنيين بها، من جهة تشابه وتكامل الدور الوظيفي لهم، وبتبعيتهم ومصيرهم الحتمي في نهايات الأحداث من جهةٍ أُخْــرَى.

واختتم الصماد خطابه عقب تلك الرسائل، بالتأكيد على منهجية خيار المواجهة والصمود؛ كونه الركيزة الأساسية لتحقيق الانْتصَار، بعد التوكل على الله والمراهنة على تأييده ونصرته لعباده المؤمنين والصابرين.