صمود وانتصار

دويلة الإمارات ونُسَخ “ابو غريب” بعدن

ما إن يدخل الأمريكي لاحتلال بلد معين، إلا وتطفو على السطح الكثير والكثير من الجرائم اللاأخلاقية والانتهاكات الجسيمة والتعذيب والاغتصابات الجنسية بحق المواطنين، ومختلفةٌ هي أساليب الامتهان وطرق التعذيب، الا أن الأمريكي يستحق دون سواه وسام التفنن في ممارسة أبشع أساليب التعذيب والاغتصابات الجنسية ليس فقط بحق النساء ولكن الرجال أيضاً، والشواهد على ذلك كثيرة أبرزها ما حصل في سجن ابو غريب بالعراق وما يحصل في سجن غوانتنامو ، ولكنا هنا نقف مع أحد أنظمة النفاق الذي حذا حذو أمريكا في هذا المجال حذو القذة بالقذة والنعل بالنعل وهو النظام الإماراتي ، حيث كشفت صحفاً ووثائق كثر أنه استحدث كثير من السجون الخاصة بمحافظة عدن المحتلة جنوب الجمهورية اليمنية وزج فيها بالآلاف من أبناء المحافظات الجنوبية وغيرهم لتصبح نسخاً من سجن ابو غريب الأمريكي في أساليب التعذيب المتنوعة والمذلة والمهينة .

وكالة “أسوشييتد برس” الامريكية نشرت تقريراً أعدته مراسلة التحقيقات الصحفية في الوكالة الصحفية “ماجي ميخائيل”، تحت عنوان : (رسومات تكشف عن وجود انتهاكات جنسية في السجون التي تديرها الإمارات في اليمن)

وكشفت الوكالة عن شهادات سجناء معتقلين بسجون في اليمن خاضعة لسيطرة دويلة الإمارات، أوضحوا خلالها تعرضهم لعمليات تعذيب بشعة وممنهجة وفق جدول زمني محدد، بالإضافة إلى استخدام العنف الجنسي، وكشف التحقيق الذي أجرته الوكالة عن السجون السرية التي تستخدم فيها الإمارات التعذيب على نطاق واسع، ومنذ ذلك الحين حددت الوكالة ما لا يقل عن 5 سجون تستخدم فيها قوات الأمن التعذيب الجنسي لقمع السجناء وإخضاعهم.

ووفقاً لشهادات ثلاثة مسؤولين أمنيين وعسكريين يمنيين تحدثوا إلى وكالة الأسوشييتد برس شريطة عدم الكشف عن هويتهم خوفًا من الانتقام، فإن من بين السجون الخمسة التي عثرت فيها الأسوشييتد برس على انتهاكات وتعذيب جنسي، هناك أربعة موجودة في عدن، وإحدى تلك السجون موجود في قاعدة البريقة – مقر قيادة القوات الإماراتية، والثاني في منزل شلال شايع، مدير أمن عدن المتحالف بشكل وثيق مع الإمارات، والثالث في ملهى ليلي تحول إلى سجن يعرف بـ”وضاح”، والرابع في بير أحمد، حيث وقعت فيه ممارسات فظيعة.

 

شهادات لمعتقلين

يروي المعتقلون قصصهم في المعتقلات، ووسائل تعذيبهم، ومنها أن جنوداً مقنّعين يقومون بتعريتهم وإدخال عصي حديدية خشنة مختلفة الأحجام في أدبارهم، ما يجعلهم ينزفون دماً لأيام، خصوصاً عند محاولة التبرز، ومن الأساليب أيضاً، إبقاء المعتقل أياماً متوالية ليلاً ونهاراً، في حفرة ضيقة في العراء، لا تتسع لجلوسه بشكل كاف،ٍ ناهيك عن الاستلقاء والنوم، ويستخدم الجنود في السجون أساليب التعذيب الشهيرة لدى الأمريكيين والمتمثلة في الإيهام بالغرق، حيث يغطى وجه المعتقل ويوضع في فمه قطعة قماش لامتصاص الماء، ويتم تثبيته مستلقياً على الأرض، ثم يصب الماء فوق وجهه بشكل مستمر في وضع يحاكي وضعية الغريق في الماء.

وبحسب الشهادات التي نقلتها الوكالة على لسان المعتقلين، يروى سجين يمني احتجز دون تهم سبل التعذيب والاعتداء الجنسي، وأوضح السجين وستة معتقلين آخرين لوكالة “أسوشييتد برس”، أن العنف الجنسي هو الأداة الأساسية في إلحاق العقوبة بالمعتقلين لاستخلاص الاعترافات”.

ومن خلال رسوماته التي هربت إلى “الأسوشييتد برس” من سجن “بير أحمد” في مدينة عدن جنوبي البلاد، وتقدّم لمحة قاتمة لعالم خفي من انتهاكات حقوق الإنسان الصارخة يرتكبها ضباط إماراتيون بمنأى عن المحاسبة والعقاب.

وتظهر التخطيطات التي رسمت على ألواح من البلاستيك رجلا عاريا معلقا من أغلاله أثناء تعرضه لصدمات كهربائية، ونزيل آخر على الأرض محاط بكلاب تزمجر فيما يقوم عدة أشخاص بركله، وتخطيطات لعملية اغتصاب.

ويكشف التقرير أن من أساليب التعذيب القيام بصعق الأعضاء التناسلية للسجناء، أو تعليق الصخور من خصيتيهم، كما ينتهكوا الآخرين جنسياً بقضبان خشبية وفولاذية، ويقول أحد السجناء “يجردونك من ملابسك، ثم تربط يديك بقطب فولاذي من اليمين واليسار فتصبح مقيداً ، ثم ينتهكون عرضك “.

وتظهر الرسوم رجلاً يعلق عاريا بالسلاسل أثناء تعرضه للصعق بالكهرباء، ونزيل آخر على الأرض محاط بكلاب زاحفة تنبح، بينما يركله عدة أشخاص، وتصويرًا بالرسومات للاغتصاب ، وكتب على رسم آخر “عراة بعد الضرب.

وتحدث السجين الذي قام برسم هذه اللوحات لوكالة الأسوشييتد برس بشرط عدم الكشف عن هويته خوفاً من مزيد من الاعتداءات، ومختصرا نحو عامين من الاحتجاز الذي بدأ العام الماضي بعد أن تحدث ضد الإماراتيين علنًا، وقال يتهموني بأي شيء، وفي بعض الأحيان، كنت أتمنى أن يعطوني تهمةً حتى أتمكن من الاعتراف لإنهاء هذا الألم”، وأردف بالقول: “أسوأ ما في الأمر هو أنني أتمنى الموت كل يوم ولا أستطيع العثور عليه”.

ويكشف تقرير “وكالة الأسوشييتد برس” عن شهود عيان قالوا إن الحراس اليمنيين العاملين تحت إشراف ضباط إماراتيين استخدموا أساليب مختلفة للتعذيب والإذلال الجنسي، حيث يغتصبون معتقلين ويلتقطون مقاطع فيديو لهم، بينما يتم الاعتداء على سجناء آخرين جنسيًا بواسطة قطع خشبية ومعدنية، حسبما قال رجل يبلغ من العمر 45 عامًا اعتقل أكثر من عامين وتحدث، مثل غيره من المعتقلين.

وقال مسؤول أمني سابق، تورط في عمليات تعذيبه لانتزاع اعترافات، لوكالة “أسوشييتد برس” إنه يتم استخدام الاغتصاب كوسيلة لإجبار المعتقلين على التعاون مع الإماراتيين في التجسس، وأضاف :”في بعض الحالات، يقومون باغتصاب المعتقل وتصويره، واستخدام الفيديو كوسيلة لإجباره على العمل معهم”.

وقال أب لأربعة أطفال إن الصراخ من الضرب في بعض الأحيان شديد لدرجة أنه كان يشعر بأن زنزانته تهتز، مضيفاً “لقد كان شيئاً أبعد من الخيال”.

التحرير بالطريقة الأمريكية

فضحت الوكالة في تقريرها السجون السرية التي تديرها الإمارات في اليمن، وهذا ما يؤكد أن ممارسات سجن أبو غريب العراقي عادت من جديد الى اليمن تحت يافطة التحرير بالطريقة الأمريكية، وخاصة في السجون السرية التي تديرها الامارات في جنوب اليمن المحتل والبالغ عددها نحو 18 سجنا تضم داخلها أكثر من ألفي معتقل.

 

ويشير تقرير وكالة “أسوشييتد برس” أن الحادثة بدأت في شهر مارس عندما فتح الجنود الزنزانات في الثامنة صباحاً، وأمروا جميع المعتقلين بالذهاب إلى ساحة السجن، ثم أمروهم بالإصطفاف وأجبروهم على الوقوف تحت الشمس حتى الظهيرة، وعندما وصلت القوات الإماراتية، كان المعتقلون مكفوفي الأعين ومكبلي الأيدي، واقتيدوا في مجموعات أو بشكل فردي إلى غرفة حيث كان الإماراتيون حاضرين، وطلب الإماراتيين منهم خلع ملابسهم والاستلقاء. ثم قام ضباط الإمارات بمفارقة أرجلهم ولمس أعضائهم التناسلية.

وقد سمع أحد السجناء يبكي ويقول “أنت تنتهك كرامتي”، فيما صاح أخر للإماراتيين: “هل أتيتم لتحريرنا أو نزع ملابسنا؟”، فيما صاح المواطنون الإماراتيون : “نحن نقوم بعملنا!”، فيما قال أحد السجناء إنه عندما أجبرهم الإماراتيون على الوقوف عراة، “كل ما كنت أفكر فيه هو أبو غريب” – في إشارة إلى السجن الموجود خارج بغداد حيث ارتكب الجنود الأمريكيون انتهاكات فضيعة ضد المعتقلين خلال حرب العراق.

وقال شاهد آخر لـأسوشييتد برس : “كانوا يبحثون عن هواتف محمولة داخل أجسادنا”. “هل تصدق هذا! كيف يمكن لأي شخص إخفاء هاتف هناك؟”.

اشراف وتدريب أمريكي

كشفت “وكالة الأسوشييتد برس”، في تحقيق مفصّل لها ، عن شبكة من السجون السريّة التي تديرها الإمارات في اليمن وتضمّ مئات المعتقلين الذين تمّ إخفاؤهم قسرياً في خضمّ العدوان على اليمن، وذلك بإشراف وتدريب أمريكي لأساليب التعذيب والاغتصاب، وهو ما أقرّ به أيضاً مسؤولين أمريكيين في البنتاغون، كشفوا عن وجود مشاركة أمريكية في عمليّات التحقيق، لكنّ تلك الممارسات والأساليب هي بالطبع أمريكية ينفذها جنود اماراتيين ومرتزقة ولعل ما حصل في سجن أبو غريب في العراق وسجن غوانتنامو لخير دليل على ذلك، اضف أن الاماراتيين لن يجرؤا على تنفيذ هكذا أساليب دون اشراف وتدريب أمريكي.

ويكشف تقرير “وكالة الأسوشييتد برس”، انه “وفي نفس المدينة، وفي السجن الذي تديره دولة الإمارات العربية المتحدة داخل قاعدة البريقة العسكرية ، أخبر سجينان أخران الأسوشيتد برس أنهما يعتقدان بأن أفراد من القوات المسلحة الأمريكية كانوا على علم ودراية بحدوث هذا التعذيب – إما لأنهم سمعوا صراخًا أو رأوا آثار التعذيب.

وقال مسؤول أمني كبير في سجن الريان في مدينة المكلا : أن “الأمريكيون يستخدمون الإماراتيين كقفازات للقيام بعملهم القذر”. وكان المسؤول قد تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته بسبب مخاوف أمنية، كما قال مسؤولان أمنيان آخران كانا مقربين من الإماراتيين، إن المرتزقة بمن فيهم الأمريكيون موجودون في جميع المعسكرات والمواقع العسكرية الإماراتية، بما في ذلك السجون، ومهمتهم هي أساساً الحراسة.

والأسواء من تلك الانتهاكات الجسيمة هي الوقاحة الأمريكية في التهرب من المسؤولية، حيث سبق وإن سئلت “وكالة الأسوشييتد برس” البنتاغون بشأن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي ارتكبتها الإمارات قبل عام؛ إلا أنه وعلى الرغم من التقارير الموثقة عن التعذيب التي تحدثت عنها وكالة الأسوشييتد برس، ومنظمات حقوق الإنسان وحتى الأمم المتحدة، قال المتحدث باسم البنتاغون،”رانكين غالاوي”، إن الولايات المتحدة لم تر أي دليل على إساءة معاملة المعتقلين في اليمن.

ويبرز التناقض الأمريكي بوضوح لاسيما وأن مسؤولين أمريكيون كانوا قد أقروا في وقت سابق بأن القوات الأمريكية تتلقى معلومات استخباراتية من شركاء إماراتيين، اضافة الى مشاركتهم في عمليات استجواب في اليمن، إلا أن ” غالاوي” قال إنه لا يستطيع التعليق على تبادل المعلومات الاستخبارية مع الشركاء.

واستناداً إلى التحقيق الذي أجرته وكالة الأسوشييتد برس العام الماضي، فقد صوّت مجلس النواب في 24 أيار / مايو ليطلب من وزير الدفاع الأمريكي “جيم ماتيس” أن يعترف ما إذا كان أفراد الجيش أو المخابرات الأمريكية قد انتهكوا القانون في استجواب المعتقلين في اليمن، وقد اعتمد مجلس النواب الأمريكي هذا الإجراء كجزء من مشروع قانون تفويض الدفاع لعام 2019.

لا سلطة لحكومة المرتزقة

من البديهي جداً أن حكومة غير شرعية قابعة في الرياض لن يكون لها سلطة اطلاقاً في اية تجاوزات تحدث في بلد هي من جلبت المحتل لاحتلاله وقتل أبنائه ، فقد قالت الحكومة المنتهية شرعيتها والقابعة بالرياض أنها لا تملك السيطرة على السجون التي تديرها الإمارات، وفي كل الأحوال؛ لا يفرج عن المعتقلين المشتبهين بدون ذنب إلا بموافقة السلطات الإماراتية في عدن، ولا تملك حكومة العدوان المزعومة أي صلاحيات في هذا الجانب، وهذا ما تؤكده تصريحات المسؤولين الأمنيين اليمنيين وآخرهم وزير الداخلية في حكومة العدوان، أحمد الميسري الذي صرّح قبل أيام أن السجون تخضع للإمارات ولا تملك وزارته أي سلطة عليها.

وفي هذا السياق، ينقل تقرير الوكالة أنه وبدلاً من اعادة الحكومة المنتهية شرعيتها والقابعة بالرياض والخائن هادي الى المناطق الجنوبية اليمنية المحررة على حد زعمهم، فقد احتجزته السعودية في الرياض لأكثر من عام، ولم يُسمح له بالعودة إلى اليمن حتى يوم الخميس الماضي في بداية الهجوم الذي قادته دويلة الإمارات للسيطرة على مدينة الحديدة الرئيسية.

ويكشف التقرير عن قيادي يمني يتواجد حاليًا في الرياض قولة: “في السجون، يرتكبون أكثر الجرائم وحشية”، مضيفاً “لقد أصبح الانضمام إلى تنظيم الدولة الإسلامية والقاعدة وسيلة للانتقام من جميع الانتهاكات الجنسية واللواط الذي يحدث”، ومن هنا نستنتج ان هذه السجون، هي عبارة عن مصنع لداعش”.

وبالرغم من الجرائم والممارسات الفظيعة وعمليات التعذيب الاعتصامات الموثقة، لم يلق التحقيق الذي أعدته ماجي ميخائيل ونشرته الوكالة، ردود فعل واسعة على الصعيدين المحلي والدولي ومنظمات حقوق الانسان الا ان كل تلك الفظائع انحصرت في فوز الصحفية ماجي ميخائيل التي تعمل لحساب وكالة أسوشيتدبرس الأمريكية بجائزة أفضل تحقيق استقصائي عن حقوق الإنسان، وذلك في التحقيق الذي كشفت فيه عن السجون السرية التابعة للإمارات في مدينة عدن (جنوبي اليمن)، وعن تعرض معتقلين للتعذيب على أيدي رجال الإمارات.