“خبر قد لا يسعد الكثيرين “كيف تحوّلت “غرفة الموك” إلى “غرفة الموت” واندثرت؟!
الصمود
خبر قد لا يسعد الكثيرين ممن خسروا أمولاً طائلة لدعم الجماعات المسلّحة المعارضة للحكومة السورية لكنها الحقيقة وإن كانت مُرّة بالنسبة لهم، درعا اليوم عادت إلى قبضة الجيش السوري ومعها معبر “نصيب” الحدودي الحسّاس للغاية، ولم يتبقَ حالياً سوى المنطقة الحدودية قرب التنف وفي محيط وادي اليرموك حيث يتمركز “جيش خالد بن الوليد”، خارج السيطرة الحكومية، ولكن إن غداً لناظره قريب بناءً على مجريات الأحداث ومسيرها.
غرفة “الموك“
عندما نتحدث عن تحرير درعا من قبل القوات الحكومية السورية أول سؤال يخطر ببالنا بعد “معبر نصيب الحدودي” ما هو مصير “غرفة الموك” هذه الغرفة التي كلّفت السوريين الكثير في سبيل مقاومتها وتفكيك خلاياها المدعومة من كبرى الدول “أمريكا، فرنسا، بريطانيا، والأردن، وبمشاركة من السعودية والإمارات وتركيا” والتي تشكلت قبل حوالي 5 سنوات لتصل بكل هذا الدعم والتمويل والاستخبارات إلى حائط مسدود لم تستطع تجاوزه، حيث رجّحت الكفّة لمصلحة الحكومة السورية المدعومة من الشعب نفسه، إذ وصل الشعب إلى نتيجة مفادها أن المسلحين غير قادرين على أن يأخذوا مكان الحكومة ويديروا الدولة بمنشآتها ومؤسساتها لكونهم لا يملكون شعبية بالدرجة الأولى ومشرذمين وليس لديهم خطة عمل واضحة لذلك كان مصيرهم الاستسلام أو الفناء.
حاولت هذه الغرفة فكّ شيفرة الجيش السوري وتعطيل مهامه بحماية الحدود عبر الدعم العسكري والاستخباري للفصائل المسلّحة العاملة في الجنوب، وكذلك في الشمال لأن الغرفة كانت تملك مقرّاً رئيساً آخر في تركيا، وتحديداً في أضنة لدعم الجبهات شمال سوريا، المقرّ الثاني في تركيا أصبح خارج الخدمة بعد تحرير الجيش السوري وحلفائه لمدينة “حلب” في ديسمبر 2016، وفي الأمس تم تعطيل المركز الأول من خلال تحرير درعا بالكامل، ولهذا التحرير أهمية استراتيجية كبيرة وانتصار كبير للحكومة السورية بعد ثماني سنوات من عمر الأزمة، ويحمل النصر الجديد في طياته الكثير من الدروس والعبر لجميع الأجيال القادمة التي قد تفكر يوماً بالمراهنة على الدول الأجنبية، أما أسباب انهيار المسلحين وداعميهم يمكننا تلخيصها بالتالي:
أولاً: دعونا نبدأ من نصر حلب الذي قضى على مقر هذه الغرفة في الشمال وقصم ظهر المسلحين هناك لتصل ارتدادته إلى باقي المناطق التي يسيطر عليها المسلحون، لتكون الوجهة الثانية والضربة الثانية في ريف دمشق وبالضبط في منطقة الغوطة الشرقية، التي أرهقت سكان العاصمة دمشق من كثرة القذائف التي كانت تطلق منها على المدنيين للحصول على مكاسب سياسية في أي مفاوضات قادمة ولكن هذا الأمر ولسوء حظ المسلحين لم يحصل، فقد تمكنت قوات الجيش السوري من تحرير الغوطة الشرقية وبقية المناطق بسرعة كبيرة عندما اتخذت قرارها بهذا الخصوص، وكان ذلك في 31/3/2018 وتم تحرير مئات المواطنين والعسكريين في ذلك الوقت.
تردد صدى هذا التحرير مجدداً بين أروقة الغرف المظلمة التي يديرها المسلحون في باقي المناطق، خاصةً بعد أن أبعدت الحكومة السورية أكبر خطر يهدد العاصمة عن كاهليها، فكانت الوجهة الجديدة درعا، والتي تملك أهميتها من كونها تملك حدوداً مشتركة مع الأراضي الفلسطينية والسورية المحتلة فضلاً عن حدودها مع الأردن، وخلال أسبوعين فقط تمكّن الجيش السوري من تحرير هذه المحافظة التي خرجت عن سلطة الدولة منذ عدة سنوات.
ثانياً: بالإضافة إلى رغبة الجيش الحثيثة بتحرير جميع الأراضي التي يسيطر عليها المسلحون، كان هناك مستقبل الأردن ومصيره في ظل تردي الأوضاع على حدوده الشمالية، فبعد أن رفعت أمريكا يدها عن المسلحين في الجنوب السوري، ماذا بإمكان الأردن أن يفعل وهو يعاني من أزمات اقتصادية كادت أن تهدّد عرش الملك لولا امتصاص ذلك من قبل عدة أطراف إقليمية ودولية، وبالتالي كان هناك حاجة ملحّة لتسوية الأوضاع شمالي البلاد والتي كان لها تأثير كبير على الداخل الأردني سواء من خلال عجز الأردن عن استقبال المزيد من اللاجئين وعدم القدرة على استضافة الموجودين مدة أكثر، يضاف إلى ذلك خطر المسلحين والذي قد يؤدي عراكهم مع الجيش السوري إلى سقوط صواريخ على القرى الأردنية، وهذا يعني عدم استقرار أمني للبلاد في تلك المناطق الحساسة.
الأمر الثالث يتعلق بشكل مباشر بمعبر “نصيب” الحدودي، وحركة التجارة مع دمشق والتي توقفت إثر سيطرة المسلحين على هذا المعبر برعاية أردنية ولكن المملكة الهاشمية أدركت أن بقاء المسلحين هناك سيساهم في زيادة نزيف الاقتصاد الأردني خاصةً أن المسلحين غير قادرين على توفير حركة التبادل التجاري بين دمشق وعمان، وبالتالي كان لا بدّ من إعادة فتحه مجدداً لمصلحة البلدين.
ثالثاً: أثبت الغربيون مجدداً أن كل من يراهن عليهم، قد يربح اقتصادياً لكنه في المقابل يدفع حياته ثمناً لهذا الدعم، وقد شاهدنا مصير المسلحين في جميع جبهات القتال وكيف تسببوا بهدم منازلهم وأفقروا المناطق التي يحلّون بها، وعند احتدام الأمور يبدو واضحاً كيف يترك الغربيون من كان يصفهم بالأمس بالحلفاء في منتصف الطريق.
تجربة “الموك” يجب أن تدرّس للأجيال القادمة، لكونها تحمل من العبر والدروس ما يكفي للتعامل مع أي أزمة قد تأتي في المستقبل البعيد، وعلى الأبناء ألّا يقعوا في مطبّ الآباء وأن يميّزوا جيداً العدو من الصديق.