من مجلس التعاون إلى الجامعة العربية.. السعودية تحشد
هديل محمود
منذ اللحظة الأولى لاندلاع الأزمة بين السعودية وإيران، عملت الرياض على حشد كل إمكاناتها وطاقاتها وجهودها الدبلوماسية لكسب إجماع خليجي إسلامي لمواجهة طهران، وفي الوقت الذي كانت تبدي فيه إيران بعض الجهود لتهدئة الأوضاع أو على الأقل لوقف التصعيد، كانت السعودية تسعى إلى تدويل أزمتها.
قطع العلاقات وسحب السفراء
بعد إعدام الشيخ نمر باقر النمر من قبل المملكة، استشاطت إيران غضبًا، فوضعت الرياض هدف مقاطعة الدول العربية وخاصة الإسلامية، إيران، نصب أعينها ولم تحيد عنه، وبدأت الخارجية السعودية في اتخاذ الخطوات المناسبة لتحقيق هدفها المنشود، وكانت البداية بقرار المملكة قطع العلاقات مع طهران، وشاركتها فيه معظم الدول الخليجية.
وبعد ساعات من إعلان وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، قطع بلاده علاقاتها الدبلوماسية مع طهران وطرد دبلوماسيها من المملكة، حذت الإمارات حذو الحليفة السعودية، مقررة تخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسى مع إيران إلى مستوى قائم بالأعمال، بجانب استدعاء سفير الدولة فى طهران، سيف الزعابى، أما دولتي الكويت وقطر، فأمسكتا العصا من المنتصف، على غرار ما فعلت الإمارات، فقررتا استدعاء سفرائهما لدى إيران، دون قطع العلاقات.
البحرين والسودان وجيبوتي طبقوا القرار السعودي بحذافيره، فأعلنت وزارة الخارجية البحرينية قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران، وطالبت من جميع أعضاء بعثتها مغادرة طهران خلال 48 ساعة، كما قررت المملكة إغلاق بعثتها الدبلوماسية لدى طهران، وسحب جميع أعضاء بعثتها، وفى الخرطوم أعلنت الرئاسة السودانية طرد السفير الإيرانى وكامل البعثة، واستدعاء السفير السودانى من إيران، أما جيبوتي فأعلنت قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران، لتنضم الدولة الصغيرة الواقعة في القرن الإفريقي بذلك إلى السودان والبحرين.
مجلس التعاون الخليجي.. على خطى المملكة
استضافت الرياض السبت الماضي، اجتماعًا طارئًا لوزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي؛ لبحث حرق السفارة السعودية في طهران، وخرج الاجتماع برؤية مشتركة، فقال الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، عبد اللطيف بن راشد الزياني، إن دول المجلس تدين الاعتداء الإيراني على السفارة السعودية، وطالب في كلمته إيران بإعادة الجزر الإماراتية الثلاث، لافتا إلى النظر في إجراءات جديدة ضد إيران إذا استمرت في سياساتها الحالية.
جامعة الدول العربية.. حشد سعودي
لم يتوقف التصعيد والحشد السعودي عند مجلس التعاون الخليجي، بل امتد لمحاولات قيادة وزراء الخارجية العرب إلى الجهة التي تريدها المملكة، فتقدمت الأخيرة بمذكرة إلى جامعة الدولة العربية لطلب عقد اجتماع غير عادي لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية العرب الأحد الماضي، وهو ما استجابت إليه الجامعة.
وعقد وزراء الخارجية العرب اجتماعًا طارئا في القاهرة، وخرج البيان الختامي بموقف موحد، منددا بالهجمات التي تعرضت لها السفارة السعودية في طهران والقنصلية السعودية في مدينة مشهد الإيرانية، كما أدان اكتشاف البحرين خلية إرهابية قالت إنها مدعومة من الحرس الثوري الإيراني، وأيد كل أعضاء الجامعة العربية البيان باستثناء لبنان التي أعلن وزير خارجيتها، جبران باسيل، التضامن مع السعودية ضد الاعتداءات على بعثاتها الدبلوماسية، لكن في الوقت نفسه أكد على رفض ربط اسم حزب الله بالإرهاب.
مصدر في الخارجية العراقية، قال إن بغداد لم توافق على بيان الجامعة العربية كاملاً ولديها تحفظات على بعض البنود التي وردت فيه، مضيفا أن العراق شاطر الدول العربية قرار إدانة ما تعرضت له البعثتان السعوديتان في إيران، رافعًا شعار «الإجماع العربي»، لكنه تحفظ واعترض على بعض النقاط التي تضمنها بيان وقرار جامعة الدول العربية، كما اعترض على ربط اسم حزب الله بالإرهاب ورفع ذلك خطياً لجامعة الدول العربية.
ورغم أن اجتماعي دول مجلس التعاون الخليجي في السعودية، ووزراء الخارجية العرب في جامعة الدول العربية بالقاهرة، خرجا بموقف داعم ومساند للسعودية، ونجحت المملكة في انتزاع إجماع خليجي وعربي على إدانة ممارسات إيران، إلا أنها لم تستطع جر هذه الدول لاتخاذ خطوات عملية ضد إيران، ليكتف الجميع بالإدانة والإعراب عن مسانده السعودية فقط، ناهيك عن اعتراض لبنان وتحفظات العراق وغياب وزراء خارجية كل من تونس والجزائر والأردن وسوريا.
زيارات سعودية متتالية إلى باكستان
الحشد السعودي لم يتوقف عند حدود الدول العربية والخليجية، بل قفز إلى القارة الآسيوية، فحمل وزير الخارجية السعودي هموم المملكة ليضعها على الطاولة الباكستانية، في محاولة منه لانتزاع تعهد بضمان أمن المملكة في حال تعرضها لأي خطر أو تهديد إيراني، ومن ناحية أخرى حاول الوزير السعودي من خلال زيارته إفساد العلاقات الحيادية التي تحافظ عليها إسلام آباد على مر العصور، مع طهران.
زيارة وزير الخارجية السعودي لباكستان، كانت بمثابة زرع البذور لتتبعها زيارة مماثلة لولي ولي العهد السعودي ووزير الدفاع، محمد بن سلمان، ليجني الأخير عدة نتائج، أهمها انتزاع موقف باكستاني داعم للمملكة، واتضح في تصريحات قائد الجيش الباكستاني، الجنرال راحيل شريف، الذي تعهد بضمان أمن المملكة في حال التعرض لأي تهديد، وأن بلاده تولي أهمية كبيرة لأمن المملكة العربية السعودية ودول الخليج.
الإنجاز الثاني الذي حققه سلمان، إعلان إسلام آباد انضمامها رسميًا للتحالف العسكري الإسلامي، الذي أعلنت عنه السعودية منذ شهر تقريبًا، فبعد أن أحرجت باكستان المملكة من خلال إبداء استغرابها واندهاشها من إدراج اسمها دون علمها على قائمة التحالف الإسلامي، عادت إسلام آباد بضغوط سعودية لتؤكد أنها عانت من الإرهاب وأنها دخلت تحالفا دوليا لمحاربته.