صمود وانتصار

العمل الحقوقي والإنساني في بلادنا

منظماتُ المجتمع المدني من أهمّ الهيئات غيرِ الحكومية التي تعملُ بشكل مكثف وطوعي عابر للحدود لتقديم خدمات للأفراد والمجتمعات البشرية البائسة والفقيرة، بما يحفَظُ للإنْسَان حياتَه وحريتَه وكرامتَه، وقدّمت طوال تأريخها الحديث العديد من الخدمات الجليلة التي لم تكن أيَّةُ دولة لتقدِّمَها مهما كانت قويةً وغنيةً..

وإن عدم قدرتنا على فهم طبيعة عمل هذه المنظمات، وعجزنا عن التعامل معها بشكل صحيح يحرمنا من الاستفادة من العديد من خدماتها بشكل كامل أَوْ جزئي، ولا يعني هذا أن الخللَ فيها، بل الخللُ بنا نحن وبقدراتنا في فهم طبيعة وطريقة عملها والتعامل معها بأسلوب مناسب ولائق بنا كأُمَّـة منظمة وكدولة نظام وقانون..

ليس ذلك فحسب بل ومن المؤسف إن بعض الناشطين والحقوقيين اليمنيين أنفسهم -رغم مناهضتهم للعدوان أَوْ على اقل تقدير عدم تأييدهم له- لا يؤدون عملهم بطريقة مهنية صحيحة، ولا بشكل دائم ومستمر حيث ينشطون في بعض الأوقات ويتكاسلون -والبعض منهم يتغافلون- في أوقات أُخْـرَى، وقد يرجع ذلك لقلة الإمْكَـانات المتاحة وانعدام التسهيلات التي كانت تمنحها الحكومة أَوْ بعض قوى الفساد ومراكز النفوذ خلال الفترة الماضية، وقد يكون بعضهم غير مقتنع بجدوى عمله الحقوقي والإنْسَاني أصلاً ولم يكن ليقومَ بعمل ما لولا توجيهات مموليه المحليين أَوْ الأجانب، وبعضهم انخرط في العمل الحقوقي والإنْسَاني من قبيل مكره أخاك لا بطل، حيث لم يجد لا شغلة ولا مشغلة غير هذه “المهرة”!!

وللأسف إن السلبياتِ الحاصلة في عمل معظم المنظمات المحلية وارتباطاتها المشبوهة هي أَوْ بعض موظفيها، وفشلها في تقديم خدمات حقيقية شاملة وعامة، ساهم إلى حَدٍّ كبير في انتشار السخط عليها في أوساط الشعب اليمني، وتشويه سمعة منظمات المجتمع المدني بشكل عام..

إن عمل منظمات المجتمع المدني بات من الضرورة بمكان في ظل استمرار مجازر وجرائم وانتهاكات وحصار تحالف العدوان السعودي الأمريكي، لرصد وتوثيق تلك الوقائع وآثارها بحق المدنيين والبنية الخدمية، وكذا إصدار ونشر التقارير التي تفضح وتكشف حجم الجرائم الوحشية التي يرتكبها تحالف العدوان على اليمن، ومتابعة المنظمات الدولية المعنية والمهتمة لاطلاعها على تلك التقارير واعتمادها والتنسيق معها للقيام بتغطية التجاوزات والانتهاكات والمجازر التي تُرتكب من العدوان أَوْ أيِّ طرف مشارك معه من المرتزقة، أَوْ حتى من قِبل الجيش واللجان الشعبية إن وُجد، وطالما أن المنظمات الدولية تعمل وفق آلية عمل واضحة بمعاييرَ ومقاييسَ شفافةٍ ومقبولة ومتفَّق عليها، فتستطيعُ المنظماتُ المحلية العملَ معها كشريك محلي معتمَد من قبل الجهات الرسمية في الدولة.. على أن الواقع سيميز الخبيث من الطيب.

وللعلم يجبُ أن يدركَ الجميعُ أهميّة السماح للمنظمات المحلية بالعمل بمصداقية وتقديم التسهيلات اللازمة لموظفيها للوصول للمعلومة من مصادرها، والرفع بنتائج عملهم ونشر تقاريرهم حتى لو كانت تتضمن مخالفات وانتهاكات منسوبة لأفراد وجنود محسوبين على الجيش واللجان الشعبية.

صحيحٌ أن واقعَ العمل الحقوقي والإنْسَاني في بلادنا غيرُ صحي ولا سليم؛ بسبب اقتحام ميدانه من قِبل أجهزة استخبارات دول الهيمنة والاستكبار العالمي، وبعض قوى ومراكز الفساد المحلية والاقليمية، لكن لابد من العمل على تصحيح وتقويم وضع المنظمات المحلية لتعمل بصورة مستقلة عن أيَّة تدخلات محلية أَوْ خارجية، وبالشكل الذي يجعلها قادرة على تأدية دورها الايجابي في المجال الحقوقي والإنْسَاني داخل بلادنا. وعلى أن تنتهج في عملها ذات القواعد والآليات والمعايير الدولية المعتبرة التي تسير عليها كُـلّ المنظمات المماثلة في العالم؛ كونها في نهاية المطاف لا تخرج عن الهدف الذي أنشئت من أجله وهو خدمةُ المجتمعات الإنْسَانية وحمايتها من أية اعتداءات مباشرة أَوْ محتملة، مع إمْكَـانية الاتّفاق على بعض الاستثناءات البسيطة التي تتلاءَمُ وخصوصياتِ المجتمع اليمني المسلم.

وهنا لا ننسى الإشارة إلى أهميّة وفاعلية الدور الرقابي الذي يصاحب عمل هذه المنظمات على اختلاف وتنوع أَهْـدَافها وتخصصاتها، ووجوب حصولها على التراخيص التي تسمح لها بمزاولة العمل داخل الجمهورية اليمنية، وكذا التصاريح اللازمة لتحَـرّكها ونزولها الميداني لعمل المسوحات وجمع البيانات وفق النماذج المحددة، وأية أعمال أُخْـرَى متصلة بالمواطنين، كما يحق للجهة المختصة في الدولة الاطلاع على سير عمل أية منظمة من واقع مقراتها وسجلاتها ودفاترها ومذكراتها وتقاريرها، وحتى الجانب المالي والإداري لها لا ينفك عن الرقابة أَيْضاً.

هذا ويعتمد نجاح عمل منظمات المجتمع المدني على مدى الثقة والشفافية التي تعتمدها في تعاملها مع النظام العام للدولة ومع الأفراد والتجمعات التي يتصل عملها بهم، ولا داعيَ للقلق من أيَّة ارتباطات مشبوهة لأية منظمة دولية أَوْ أيٍّ من موظفيها طالما وأن الثقة حاصلةٌ في الشريك المحلي وفي الدوائر الرسمية المعنية بالرقابة والاشراف على عمل المنظمات.

وبالإمْكَـان التعرف عن كثب على التجارب الرائدة في بعض الدول العربية والإسْلَامية التي نجحت وتفوقت في العمل الحقوقي والإنْسَاني والخدمي والخيري..، بالتعاون مع المجتمع المحلي والمنظمات الدولية على حد سواء.

أخيراً لا يزال واقعنا اليوم يفتقد لهذه الأدوات والمكونات الهامة والأساسية في بنية الدول والمجتمعات الحديثة، حيث نجد عدداً قليلاً من المنظمات المحلية معظمُها يعملُ في الجانب الخيري، وعددٌ محدودٌ لا يتجاوز عددَ أصابع اليد الواحدة غير فاعل بالشكل اللازم في العمل الحقوقي والإنْسَاني..

ومن هنا أدعو الناشطين والحقوقيين وعلى رأسهم القضاة المتقاعدين والمحامين للمبادرة في تغطية العجز الحاصل وإنشاء أَوْ تنشيط وتفعيل العمل الحقوقي الإنْسَاني، وأدعو الدولةَ للتشجيع على هذا التوجه الهام الذي سيخفّف الكثيرَ من الأعباء والمسؤوليات عليها بما يجعلُها تتفرّغُ بشكل أَكْبَـر لإنجاز المهام والوظائف الأُخْـرَى.. والله الموفق والهادي إلى طريق الرشاد.