تابوتُ التحالف
مجزرةُ طلاب ضحيان في اليمن تُعْلِنُ استمرارَ مسلسل الدم العربي الذي بدأ يجدّدُ مشاهدَه المرعبة، ويقدِّمُ معها شهادةَ وفاة الإنْسَانية ويعرِضُ الانحدارَ القيمي الذي وصل إليه الإنْسَان، لقد تحجّرت القلوب، وتكسرت حجرات العيون، وسحقت أحلام كثيرة دون أن يهتز جفن لقاتل.
من أين نبدأ والدمُ النازفُ لأطفال اليمن يتسرب من بين الحروف، وكيف ندخل للكتابة والقاتل العربي المأجور يرقُصُ فوق جثث الطفولة والبراءة، ونحن لا نملكُ غيرَ التحسر والبكاء، كُـلُّ هذا الدم الطاهر سيروي ترابَ اليمن وسيكون شاهداً على سقوط آدميتكم، أصابعكم ملوثة، وتأريخٍ أسودَ سيلاحقكم، مهزومون أنتم، مهزومون ولا عزاء لكم، فهذا الكم من أشلاء الأطفال في اليمن قادرٌ على أن يعرِّيَكم وقد فعل، فضيحتُكم منشورةٌ في عيوننا العربية الدامية، وفي عيون المجتمع الدولي الخانع إزاء هذه الجريمة التي يرتكبها تحالفكم العربي في اليمن.
هل هؤلاءِ الأطفالُ بحافلتهم المتهالكة هم الخطرُ المحدقُ الذي يهدّد كيان دول التحالف؟ هل كانت ضحكاتهم هي الصواريخ التي استهدفت المدنيين في الجنوب السعودي كما صرّح المتحدث باسم التحالف تركي المالكي؟!، هل انتصرتم على اليمن العصي على الهزيمة بقتلهم وإنهاء أحلامهم، هل أوقفتم الزحف الإيراني كما تدعون بتحويل أجسادهم الطاهرة الشريفة إلى أشلاء متناثرة؟، كان بوسع نفطكم وملياراتكم أن تُعيدَ بناءَ اليمن وتمنح أسباب الحياة، لكنها وا خجلة الإنْسَانية تدفعُ لقصف مجالس العزاء والمدارس وحافلات التلامذة الصغار.
لو أنكم تملكون خلفَ هذه الصدور قلوباً لَمَا قذفتم حجراً على شعب بريء، ولو أن هذه الجماجم تعقل لما حلمتم واهمين بانتصار على أرض يمنية، تشرعنون جريمتكم النكراء بإجازة القانون الدولي لها، أي قانون دولي يجيز ذلك وأي قانون إنْسَاني يقبل أن يقتل الإنْسَان أخاه الإنْسَان؟!.
حافلةُ التلامذة الصغار إذن هي مجدُكم وانتصاركم المزعوم؟.. إن الجغرافيا الإيرانية معلومة، وتدعون معرفة ما تملك وما تملكون فاحترقوا معا بنيران أحقادكم وامنحوا الأطفال فرصة أن تعيش، فقد يقدرون على إصلاح ما أفسدتم في الأرض.
خمسون طفلاً يعلنون هزيمة المستأسدين، خمسون طفلاً يشهدون على موت الضمير العربي، خمسون طفلاً ستظل أرواحهم تطاردكم وتدخل بينكم وأحلامكم، خمسون طفلاً تزهق أرواحهم؛ لأنَّ يدا عربية رعناء تقود تابوتاً أمريكياً حمل إليهم الموتَ السريع، ونثرت أجسادهم كشظايا اللؤلؤ ونشرت فضيحة القاتل على كُـلّ السطوح، خمسون طفلاً خالداً، وقائد تابوت تركله أقدام التأريخ نحو أعمق نقطة في سلة المهملات البشرية.
إنَّ الانسحابَ الفوري وإنهاء هذه الحرب القذرة أشرفُ وأنفعُ لكم؛ لأنَّكم مهزومون في آخرة الأمر، مهزومون سياسياً وعسكرياً وأَخْـلَاقيا وإنْسَانياً، مهزومون على كُـلّ الأصعدة، فاحفظوا ماء وجوهكم وانسحبوا، انسحبوا من حياة لا قيمةَ لكم فيها، ومن ترابٍ شريفٍ لا يمكنكم المشي عليه، ومن نهار يمني يقاومكم، وليل يمني مملوء بالصلوات والدعوات، انسحبوا من كُـلّ هذا، فلا مكانَ لكم فيه، انسحبوا؛ لأنَّ هذا الجنونَ الذي تمارسون يقودُكم إلى الهاوية، عودوا واكتفوا بأبطالِكم المنتصرين على الطفولة والبراءة، وانفخوا شواربكم فخرا بمجد تلطِّخُه الدماء.
* كاتب عُماني