مسلمو الروهينغا… إبادة جماعية وسط صمت أممي مخزٍ
الصمود
خلال العقد الماضي، بدأ المجتمع الدولي والإسلامي يسمع عن أقلية مسلمة غربي ميانمار (بورما سابقاً) معروفة باسم “الروهينغا” تتعرض لأبشع عمليات التنكيل والانتقام من قبل الجيش الميانماري والمليشيات البوذية المتحالفة معه، كل ذلك حصل ويحصل وسط سمع وبصر المنظمات الحقوقية العالمية والمحلية التابعة للأمم المتحدة إلا أن المأساة واقعة لا محالة بسبب التقاعس العالمي عن إيقاف حمام الدم الذي لم ينتهِ حتى يومنا هذا.
تقرير الأمم المتحدة
وبعد مرور عام على الأزمة، خرج تقرير الأمم المتحدة إلى النور الاسبوع الماضي، ليقرّ بأن جيش ميانمار ارتكب عمليات قتل واغتصاب جماعي بحق مسلمين من الروهينجا “بنية الإبادة الجماعية”، وأضاف التقرير إنه ينبغي محاكمة القائد الأعلى للجيش، مين أونج هلاينج، و5 جنرالات بتهمة التخطيط لأفظع الجرائم المنصوص عليها في القانون وهم نائب القائد الأعلى للجيش “سوي وين” وقائد مكتب العمليات الخاصة-3 اللفتنانت جنرال “أونج كياو زاو” وقائد القيادة الغربية الميجر جنرال “ماونج ماونج سوي” وقائد الفرقة 99 للمشاة الخفيفة البريجادير جنرال ثان أو.. وأضاف المحققون الدوليون إن الحكومة المدنية بزعامة أونج سان سو كي سمحت بانتشار خطاب الكراهية ودمرت وثائق وفشلت في حماية الأقليات من جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب ارتكبها الجيش في ولايات راخين وكاتشين وشان.
وأعلنت لجنة تقصي الحقائق في تقريرها النهائي الذي يتألف من 20 صفحة أن مسؤولي ميانمار لم يسمحوا لأعضاء اللجنة بدخول البلاد، وبالتالي اضطروا إلى إجراء تحقيقاتهم من خلال الضحايا والشهود في بنغلاديش وإندونيسيا وتايلاند وبريطانيا، وعبر صور الأقمار الاصطناعية، كما وسيكون تقرير اللجنة متاحاً رسمياً للجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة في جنيف في الثامن من سبتمبر القادم.
وفي ختام التقرير وجه محققو الأمم المتحدة انتقاداً لاذعاً لشركة فيسبوك، حيث قالوا إن ردها على المزاعم بما في ذلك تلك التي ساقها أعضاء في لجنة الأمم المتحدة نفسها في مارس آذار وأشارت إلى استخدام منصة التواصل الاجتماعي للتحريض على العنف وكراهية الروهينجا، وقال التقرير: إن رد فيسبوك كان بطيئاً وغير فعال، وينبغي النظر بطريقة مستقلة ومستفيضة في حجم الدور الذي لعبته منشورات ورسائل فيسبوك في أعمال تمييز وعنف في الواقع.
ردود الأفعال الدولية على تقرير الأمم المتحدة
بدورها قالت نيكي هيلي مندوبة أمريكا لدى الأمم المتحدة إن حقائق التطهير العرقي للروهينغا يجب أن تقال ويجب أن تسمع، مشددة على ضرورة محاسبة المسؤولين من ميانمار في مجلس الأمن الدولي، وكشفت أن وزارة خارجيتها أعدت في السابق تقريراً للجرائم التي ارتكبتها حكومة ميانمار ضد الروهينغا ووصلت إلى نفس نتيجة تقرير الأمم المتحدة وقالت “هنا في مجلس الأمن الدولي يجب أن نحاسب هؤلاء المسؤولين عن العنف”، وأضافت هيلي أيضاً إنه قبل عام، بلغ العنف درجة كبيرة وبشكل لا يمكن وصفه في بورما (ميانمار)، حيث شهدنا عملية تطهير عرقي بكل ما للكلمة من معنى، ما أدى إلى نزوح أكثر من 700 ألف من الروهينغا بنغلادش، إلا أنه لوحظ من خطاب هيلي تجنبها وسفراء آخرين استخدام كلمة “إبادة” التي ورد ذكرها في تقرير لبعثة تقصي حقائق.
بدوها أعلنت المفوضية الأوروبية أيضاً أنها ستعقد اجتماعاً مع محققي الأمم المتحدة، وقالت المتحدثة باسم المفوضية الأوروبية: “المسؤولون عما توصف بأنها سلسلة من انتهاكات حقوق الإنسان الممنهجة يجب أن يحاسبوا… أي خطوات أخرى يتخذها الاتحاد الأوروبي هي أمر يجب مناقشته مع الدول الأعضاء”، لافتة إلى أن تقرير الأمم المتحدة صدر في وقته، إذ يظل الوضع في ميانمار “شديد الخطورة”.
كما ووصف الأمير زيد بن رعد الحسين المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة الحملة ضد الروهينغا بأنها مثال صارخ على التطهير العرقي.
من جهتها نفت حكومة سو كي معظم مزاعم ارتكاب فظائع في حق الروهينغا على يد قوات الأمن، وأقامت الحكومة مراكز مؤقتة لاستقبال الروهينغا العائدين إلى ولاية راخين غرب ميانمار لكن وكالات إغاثة تابعة للأمم المتحدة قالت إن الوضع ليس آمناً بعد حتى يتسنى لهم العودة.
ما أهمية هذا التقرير؟!
في المقابل اعتبر بعض الحقوقيين أن التقرير تأخر كثيراً وأضحى غير مجدٍ بسبب الإبادة التي حصلت والتي حصدت الكثير من الأرواح، خاصة أنه أتى بعد انتقاد الأمم المتحدة وأمريكا وحلفائها الأوروبيين بسبب إهمال الإبادة الجماعية الإسلامية في ميانمار، وعلى سبيل المثال، في بداية فبراير من العام الماضي، نقلت صحيفة واشنطن بوست عن المسؤولين الأمريكيين قولهم إنهم قلقون بشأن الإبادة الجماعية لجيش ميانمار، وأشارت الصحيفة الأمريكية إلى أن هناك لا مبالاة أمريكية في مسائل تدهور الديمقراطية وازدياد المجاعة والجوع وخطر وفاة عشرات الملايين في دول العالم من بينها اليمن وجنوب السودان والصومال و … ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، بما في ذلك الإبادة الجماعية والكوارث في سوريا وتعرب فقط عن قلقها.
وعلى الرغم من أن أمريكا وحلفاءها متورطون في العديد من هذه الجرائم والمآسي الإنسانية في العالم، إلا أنهم يحاولون دائماً الحفاظ على مظهرهم، لكن يبدو أن حكومة ترامب قد تجنبت هذا الأسلوب، لذا فهي تواجه هذه الانتقادات، وبالرغم من كل هذا القلق خرج المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية ليقول إن نتائج تحقيق للأمم المتحدة نشرت يوم الإثنين تضاف إلى “معلومات متزايدة تشير إلى انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان” من قبل قوات الأمن في ميانمار بحق الروهينغا المسلمين، وأضاف إن أمريكا لن تتخذ قراراً بشأن ما إذا كانت ميانمار ارتكبت جرائم إبادة جماعية أو جرائم ضد الإنسانية إلا “بعد مراجعة متأنية للحقائق المتاحة والتحليل القانوني”، وأمام هذه التصريحات، إن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو ما هي خلفية المواقف المتناقضة للبيت الأبيض حول الجرائم التي ترتكب ضد مسلمي الروهينغا في بورما؟
ختاماً.. يمكننا القول إن مأساة المسلمين في ميانمار ستستمر، كما أن العالم متواطئ ومتورط حتى النخاع في إبادة أكثر من 4 ملايين مسلم في إقليم أراكان، وسط أغلبية بوذية تقارب 50 مليوناً، وقد قال البعض إن الصمت حكمة، لكن في حالة مسلمي الروهينغا فالصمت خزي وعار على كل قادر أن ينقذ هؤلاء، فما يحدث تجاههم جريمة لا تغتفر.