صمود وانتصار

استراتيجية السعودية.. الأقارب عقارب

الصمود|وكالات
لم يكن أحد يتصور أن تنحدر السعودية في سياستها الخارجية إلى هذا المستوى، الواضح أن هناك تخبط داخل الأسرة الحاكمة يذكرنا بالمرحلة التي سبقت ظهور الدولة السعودية الثالثة، هذا التخبط ظهر في مواقف السعودية تجاه القضايا الدولية المهمة وعلاقاتها مع الدول القريبة والبعيدة، وبدأت السعودية تنكمش على نفسها بعد أن استطاعت لفترة من الزمن أن تأخذ موقعاً لنفسها بشكل جيد بين دول المنطقة، وما يجري بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ووالده الملك سلمان يظهر مدى الفشل الذي وصل إليه الأمير الشاب بعد عامين من طرح مشاريع وأفكار كانت غايتها وضع البلاد على سكة الحداثة التي تماشي العالم الغربي بروح شرقية ولكن لم يحصل شيء مما كان يعمل عليه ابن سلمان وبدأ بالاختباء خلف عباءة والده لتبرئة نفسه مما جرى.
الملك سلمان في الواجهة
أعطى الملك سلمان نجله محمد صلاحيات كبيرة لإدارة البلاد وكأنه الحاكم الفعلي لها، ولكن الأمير الشاب لأسباب ربما تتعلق بقلة خبرته في عالم السياسة وعدم إدراكه لتفاصيل علاقة بلاده مع دول العالم وخصوصية هذه العلاقة وكذلك خصوصية بلاده التي تحمل طابعاً دينياً محافظاً ليس من السهل إقحامه داخل دائرة منفتحة لا تناسب عاداته وتقاليده، وهذه النتيجة وصل إليها ولي العهد نفسه، حيث فشلت جميع مشاريعه في هذا الخصوص، وتمكن إلى حدّ ما في البداية من إيهام الغرب بأنه سيغيّر وجه بلاده ويعطيه شكلاً أكثر عصرية مما هو عليه، ولكي يقوم بذلك شنّ حملة اعتقالات على رجال الدين والدعاة الذين يعارضون مشاريعه الجديدة ووضع كبار هؤلاء في السجن منذ أكثر من عام ولوّح بإعدامهم.
هذا الكلام شنّج الأوضاع في السعودية أكثر، وما زاد الطين بلّة هو انقلاب محمد بن سلمان على نفسه، ففي نفس الوقت الذي سمح فيه للمرأة بقيادة السيارة كان يعتقل ناشطات في مجال الدفاع عن حقوق المرأة، وهذا ما وسع دائرة الانتقاد الغربي نحوه إلى درجة أنه قطع علاقة بلاده مع كندا على خلفية الأمر نفسه.
هذا من ناحية الحريات، أما من ناحية الاقتصاد فكانت الغاية فتح البلاد أمام الاستثمارات الخارجية وطرح مشاريع من شأنها تخليص البلاد من عقدة النفط والاعتماد عليه لمصلحة مشاريع غير نفطية من باب تنويع الاقتصاد، وبناء على هذا قدم ولي العهد رؤيته “2030” وطرح أسهم من شركة آرامكو العملاقة للاكتتاب العام، ولكن الملك سلمان أنقذ الموقف لكون هذه الشركة تمثل “دجاجة تبيض ذهب” للعائلة والبلاد، فضلاً عن كون طرح هذه الأسهم للبيع يجبر الشركة على الكشف عن تفاصيل الشركة الداخلية المتعلقة بمبيعاتها وأرباحها وما شاكل ذلك وهذا ما لا يسمح الملك به ولا مديرو الشركة أنفسهم.
الملك سلمان يبدو أنه يحمل أعباء أخطاء نجله على عاتقه ويتجه حالياً نحو إعادة البلاد إلى مسارها الكلاسيكي القديم والمعهود لدى الجميع، وموضوع أرامكو وأسهمها لم يكن الإنقاذ الوحيد من قبل الملك، فهناك العلاقة مع فلسطين وقضيتها المركزية التي تجاهلها ابن سلمان وعمل على تقويضها وإنهائها عبر صفقة القرن التي جرّه إليها صهر الرئيس الأمريكي جاريد كوشنر ولكن تناسى ولي العهد أن هذه القضية خط أحمر بالنسبة لبلاده التي تدافع عنها ولو بشكل صوري، ولكنها مهمة لكون السعودية تصدّر نفسها على أنها قائدة للأمة الإسلامية والعربية، فكيف يمكن لها أن تقود وفي نفس الوقت تساعد أمريكا في إنهاء أهم قضية مركزية لدى الأمة الإسلامية العربية.
قطر كذلك الأمر، إذ وصلت أخبار من أمريكا أن ابن سلمان وابن زايد كانا يريدان شنّ حملة عسكرية على قطر واحتلالها لولا تدخل وزير الخارجية الأمريكية السابق ريكس تيرسلون وإنقاذ الموقف قبل أن تدخل المنطقة في فوضى مجهولة النتائج، وبعد أن فشل حصار قطر وإرضاخها لا نعلم إن كان الملك السعودي سيحاول إعادة المياه إلى مجاريها أم لا.
في اليمن هناك مليارات تصرف يومياً لحرب لا معنى لها، استنزفت السعودية وشوّهت صورة الأمير الشاب قبل وصوله إلى كرسي العرش، فقد كانت حرب جوفاء لا هدف ولا معنى لها، ونتائجها تمثلت بقتل الآلاف وتشريد الملايين وتفقير اليمنيين وهدم بنيتهم التحتية دون جدوى.
مع سلطنة عمان لم تكن العلاقة بأحسن من غيرها، فقد حاول ولي العهد السعودي بتحريض إماراتي إقحام السلطنة في حرب اليمن وغيرها من المشاريع التي أدّت إلى إحداث شرخ داخل مجلس التعاون، وجاءت هذه المحاولات عبر استفزازات متكررة في محافظة المهرة، لكن حكمة السلطان قابوس وسياسته الذكية حيّدت البلاد الدخول في اتون مشكلات لا جدوى منها.
المعلوم حالياً أن ولي العهد السعودي انسحب إلى الخلف لمصلحة والده الملك سلمان علّه ينقذه من الفوضى التي أحدثها داخل البلاد وخارجها، المهمة ليست سهلة على الملك وقد تؤدي إلى خلافات مع الإمارات لكونها قد تعارض الخط الذي يبحث عنه ابن زايد.