علن الرئيس الاميركي دونالد ترامب وفي خطوة مفاجئة سحب القوات الاميركية من سوريا زاعما بانه تم القضاء على جماعة “داعش” الارهابية وان مهمة بلاده انتهت في هذا البلد. هذا في حين ان غالبية اعضاء الكونغرس رفضوا استدلال ترامب، فيما قالت بريطانا بان “داعش” لا زال يشكل خطرا كبيرا في سوريا.
في الواقع انه وبعد الانتصارات التي حققتها ايران، روسيا، العراق وسوريا على جماعة “داعش” في الموصل وحلب فانه لم يعد لهذه الجماعة الارهابية أي وجود يذكر، والاشتباكات التي تجري بين حين واخر مع بعض جيوب هذه الجماعة الارهابية، هي في الاساس ترتكز على تطهير المنطقة من العقائد المنحرفة لهذه الجماعة المنحرفة.
رغم هذه الحقائق الا ان ترامب وفي بداية توليه منصب رئاسة الجمهورية وفي حين كان يعلم بان ايران روسيا وتركيا وسوريا لها اليد العليا في القضاء على “داعش”، هدد بسحب قوات بلاده من سوريا، وطبعا تشبث لاحقا بذرائع جديدة للبقاء في هذا البلد بعد ان تم دفع نفقات تواجد قواته من قبل أعراب الخليج الفارسي. في تلك الفترة كان من الواضح للجميع بان البقاء في سوريا سواء بذريعة “داعش” او بذريعة اسقاط النظام ورئيس الحكومة السورية هو مجرد غطاء لتحقيق مأرب وحيد وهو قطع يد ايران وبالطبع روسيا من سوريا.
الان وبعد مضي فترة وانتهاء النفقات التي تم دفعها لاميركا لتواجدها في سوريا، يبدو ان سمسار الادارة الاميركية كان امام تحديات جديدة ومخاطر تحمل نفقات جديدة وبالطبع غير مجدية، وعلى راس هذه القائمة يمكن التنويه الى امكانية الاصطدام مع الاتراك في شمال شرق سوريا. الاكراد الذين كانوا يخوضون حربا بالوكالة من قبل اميركا ضد بقايا “داعش” في هذه المنطقة، وفي ضوء الظروف الاخيرة لاسيما بعد هزيمة “داعش” في “هجين” كانوا يتوقعون من اميركا مكافأة قيمة . وأقل ما كان يفكر به الاكراد هو دعم واشنطن لهم في مواجهة الهجوم التركي المحتمل. تلبية مطلب الاكراد من قبل ترامب كان يستلزم الاصطدام مع الاتراك والدخول في حرب، بمنأى عن تكلفتها الباهظة، لم تكن نهايتها ولا المدة التي ستستغرقها واضحة.
وعلى هذا الاساس ليس فقط فضل ترامب غض الطرف عن مطلب الاكراد بل ساوم عليهم مع الاتراك في مقابل بيع 120 مقاتلة من طراز اف 35 وفي نفس الوقت تقديم وعد بدراسة موضوع استعادة المعارض التركي فتح الله غولن الى هذا البلد، ومن خلال خطوته هذه ضمن الحصول على عوائد جيدة من جهة، والحيلولة دون توجه الاتراك نحو روسيا من جهة اخرى ( الامر الذي يشعر ترامب بقلق كبير حياله)، ليخرج هكذا من سوريا مرتاح البال.
فيما يخص سوريا، الحقيقة هي أن اوباما وترامب فشلا في اسقاط الاسد وهزيمة ايران وروسيا في هذا البلد، هذا في حين ان اسقاط النظام السوري وأقصاء ايران وروسيا عن سوريا كانت من اكبر الامال الاقليمية التي تتطلع اليها اميركا. لكن خروج ترامب من سوريا لا يعني ان سمسار الادارة الاميركية تغاضى كليا عن احلامه، لذلك لا نستبعد ان ينهار ترامب في المستقبل امام وسوسة العودة الى سوريا، ان تم تسديد نفقات تواجد قواته من قبل دول البترودولار. والى ذلك الحين فانه سيتم الحفاظ على ذريعة باسم “داعش” أو خلق صنيعة اميركية مشابهة.
بانسحاب اميركا من سوريا نتوقع بان تشهد عمليات “داعش” الميت مسبقا او ما شابهه من جماعات ارهابية وتيرة متصاعدة للايحاء بان التواجد الاميركي في سوريا امر ملح جدا. في مثل هذه الظروف، لا شك ان فاتورة الطلبات الاميركية سترتفع نظرا الى حجم تحركات الارهابيين. كما يمكن تفسير انسحاب ترامب من سوريا باعتباره خطوة لاستنزاف القدرات الايرانية الروسية في مواجهة “داعش” او الدواعش الجدد الذين يتم تاسيسهم من قبل اميركا. هذه الخطوة محكومة بالفشل لحد الان، لان تجربة السنوات السبع الماضية للازمة السورية تكشف عن ان ايران وروسيا وسوريا كانت لها اليد العليا في ساحة القتال ليس فقط في مواجهة “داعش” بل في مواجهة المئات من الجماعات الارهابية المنتشرة في شتى انحاء سوريا.