السعوديةُ والجماعات التكفيرية.. أدواتُ المشروع الأمريكي الصهيوني في المنطقة.. من يكبح (معول التفتيت)؟
حسين الجنيد
ما يحدُثُ اليومَ في المنطقة وللأمة العربية من تَشَظٍّ وصراعاتٍ داخليةٍ، لم يكُن من بابِ الحدث العَرَضي أو نتاجاً تراكمياً لفشل الأنظمة الحاكمة وانهياراتها الدراماتيكية، بقدر ما هو مشروع معد سلفاً، الغاية منه تدمير دول المنطقة من الداخل ليسهل بعد ذلك إعادة تقسيمها وفق رؤيةٍ إستراتيجيةٍ لا تخدم إلا المصالح الأمريكية الإسرائيلية، فهل ستدرك عقلية الشعوب هذه الحقيقة لتستيقظ من سباتها وتواجه هذا المشروع؟.
كُلُّ ما يجري في الوقت الراهن؛ الغايةُ منه تغييرُ الوجهِ الحقيقي لمنطقة الشرق الأوسط وبالأخص الدول العربية ومحيطها، وتقسيمها إلى دويلات لتبقى إسرائيل القوة الوحيدة في المنطقة، وتستطيع الولايات المتحدة أن تتمتعَ بالقدر الأكبر من ثروات هذه المنطقة.
وإذا نظرنا بعُمق إلى توجُّهات الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، نجدها تسيرُ في اتجاهاتٍ متعددةٍ ولكن وفقَ إيقاعٍ محدَّدٍ تترابَطُ فيه الاتجاهات بنمطٍ ديناميكي، يتضح في هذا النمط قالب أساسي يختلف من اتجاهٍ لآخر وفق متغيرات الوضع مع بقاء أسس هذا القالب.
أمريكا وباعتبارها من الدول العظمى القوية، إذا لم نقل الدولة العظمى الأولى في هذا العالم، والمعروف عن الدول العظمى أن صناعة الاستراتيجيات فيها قائمةٌ على دراساتٍ تعدها مؤسساتٌ ومراكزُ بحثيةٌ متخصصةٌ يشرف عليها نخبةٌ من رجالات الظل، دورهم وضع الخطط والاستراتيجيات والخطوط العريضة لسياسات دولهم وهم من يُطْلَقُ عليهم اسم الدولة العميقة، فإن أمريكا ومن خلال هذه الدولة العميقة صنعت مشروعاً استراتيجياً يهدف للهيمنة الكاملة على المنطقة برمتها، ولتنفيذ مثل هذا المشروع الضخم على أرض الواقع كان لا بد من مراعاة بعض العوامل الأساسية الهامة، أهم هذه العوامل تجزئته إلى عدة مراحل؛ كي يسهل عليها إدارة خطوات تنفيذه وفقاً للمتغيرات الطارئة على كافة الأصعدة حتى لا تفقد السيطرة على موجهاته، وتتحقق الأهداف المرسومة بنسب نجاحٍ عاليةٍ وبأقل الخسائر الممكنة.
المشروع الأمريكي ومراحل التنفيذ
ليس خافياً على أحد طموحاتُ الولايات المتحدة بالهيمنة الكاملة على المنطقة الأهم في العالم؛ كونها منبع الثروات ومركز طرق التجارة العالمية، فقد أعلنتها صريحةً إداراتها ونخبها السياسية كاشفين مشروعهم وخطتهم بكل وضوح، قد يسأل البعض ما الجديد؟ الجديد بأنهم لم يطلعونا على كيفية التنفيذ، حيث يكمن الخطر الذي يجب على شعوب أمتنا التنبه له حتى لا يساهموا في تنفيذه من حيث لا يشعرون. لو كان هذا السؤال طُرح قبلَ عقدَين من الزمان لوقفنا حائرين فعلياً عن سَبْرِ غَوْرِ هذا المشروع لمعرفة خطوات تنفيذه، ولكن حالياً بإمكاننا إيجاد الإجابة عليه، فخلال العقدين الماضيين جرت أحداثٌ كثيرة ظننا في حينها بأنها مجرَّد حوادثَ سياسية عرضية، ولم ندقّق في ترابُطِ تلك الأحداث، اتضحت لنا الآن، وحتى لا نطيْلَ الشرْحَ سنركّزُ على مراحل تنفيذ المشروع الأمريكي؛ كي ندرك الحقيقة الكاملة لما يخطط له الأمريكان وما هو مصير بلداننا وشعوبنا. إذن أمريكا تريد السيطرة على المنطقة بأقل خسائر ممكنة كي تنعم بثرواتها، كيف؟.
حتماً أمريكا لا تستطيعُ إسقاط كامِلَ المنطقة إذا اصطفَّ شعوبُ المنطقة في مواجهتها، لهذا وضعت أمريكا في حساباتها هذه المسألة فبَنَت مشروعَها على تفتيت المنطقة بإثارة الصراعات وإشعال الحروب بين دولها وخلق العداوات بين شعوبها، كي تكسرَ هذا الاصطفاف، ومن ثَـمَّ بدأت في عملية الاستهداف على مستوى الدولة الواحدة لكسر اصطفافها الداخلي، واختصاراً للمسافة الزمنية التي قد تطول كان لا بد لها من وضع الخطة التي تستهدف خلالها أكثر من دولة على التوازي، فكان مشروع الربيع العربي الذي ضرب عدة دول ودمّرها من الداخل.
مخطط الربيع العربي ومرحلة التهيئة
ولضمانِ تنفيذِ المشروع الأمريكي بنجاح كان لا بد من إحداث عملية تهيئة للمنطقة، وهذه التهيئة تعتبر أحد عوامل التنفيذ إلى جانب عامل التنفيذ المرحلي، وهذه التهيئة من خلال ضرب النسيج المجتمعي للدول من الداخل وبأدواتٍ داخليةٍ حتى تتحقق الخطة بشكلٍ فاعل.
تم توجيه مخطط الربيع العربي في الدول التي تمتاز بتنوعها الديموغرافي السكاني من الناحية العرقية والإثنية والطائفية والمذهبية لخلق الصراعات على أسس هذه الاختلافات، وهذا ما تم فعلياً، فها هي اليوم تونس وليبيا ومصر والـيَـمَـن وسوريا تعاني من تمزُّقٍ رهيب في أنسجتها الاجتماعية وإن كانت بنسبٍ متفاوتةٍ، لكنها حققت الغاية المرجوة.
تم تدميرُ تونس على المستوى البنيوي المجتمعي للدرجة التي تحول فيها شبابها إلى قنابلَ موقوتةٍ تتفجر في المجتمعات العربية تحت عناوينَ دينيةٍ جهادية مشوهين المعنى السامي والحقيقي لهذه المفاهيم الإسلامية. وتم تدمير التعايش المجتمعي في للموزاييك المصري المتنوع بمسلميه ومسيحييه وأقباطه، فخرجت مصرُ عن المعادلة الإقليمية، أما ليبيا فقد تم تدميرها على كافة الأصعدة وأصبحت بؤرةً للصراع والاقتتال بين أبنائها ومرتعاً خصباً للجماعات والتنظيمات الإجرامية، وسوريا ها هي اليوم تدمَّرُ تدميراً ممنهجاً على المستوى المؤسسي والبنيوي والعسكري، ولكنها ما زالت تقاومُ ولم تصل لما وصلت إليه ليبيا، وأما الـيَـمَـنُ فقد عانت هي الأخرى من تبعات هذا الربيعليمن ولكنها استطاعت الخروجَ من النفق المظلم بعد أن برزت فيها قوىً ثوريةٌ وطنيةً وعت المشروعَ الأمريكي وواجهته، فاضطرت أمريكا إلى استخدام القوة في النموذج الـيَـمَـني، وذلك بالإيعاز إلى أدواتها في المنطقة من الدول التابعة لها والمساهمة وبشكل فعال في تنفيذ المشروع الأمريكي الكبير، والتي تظُنُّ هذه الدول بأنها ستكون بمنأىً عنه نظيرَ خدماتها الطوعية، فشَنَّت عدوانها العسكري الظالم على الـيَـمَـنِ وفقاً للإرادة الأمريكية، ولكن الـيَـمَـنَ بصمودها الأسطوري لا زالت في خطِّ المواجَهة صامدةً ومعرقلةً لهذا المشروع، وتخوض حربها دفاعاً عن الأمة والمنطقة بأسرها.
تفريخٌ للجماعات الإجرامية والأدوار الوظيفية لها
أدركت الدولةُ العميقةُ في أمريكا بأن هذا المشروعَ بحاجة إلى أدواتِ مساعدة للتسريع في عملياته التفاعلية وضرب دول المنطقة من الداخل بشكل تدميري دموي لجعل الوضع على الصعيد الشعبي والحكومي في تلك الدول سهلَ التطويع من خلال إيصاله إلى أقصى درجات الضعف، فكانَ لا بد من إيجاد كيانات تقومُ بهذه المهمة الدموية، فتم خلقُ التنظيمات الإجرامية النابعة من صلب مجتمعات دول المنطقة المعتقة بالفكر المتطرف المنحرف عن العقيدة الإسلامية السمحاء والحقيقية، وهنا برز الدورُ الوظيفي الذي لعبته حكومة السعودية في خلق وتمويل تلك الجماعات والتنظيمات وفق منظومة الفكر الوهابي الذي تبنّته وغرسته في المجتمعات العربية والإسلامية حتى تحينَ لحظة إشعال قادح هذا الفكر الإجرامي لتأدية مهامه المعدة سلفاً، وها نحن نرى اليوم تنظيمَ داعش والقاعدة باتوا يسيطرون على دولٍ بشكلٍ كامل مثل ليبيا، وبشكلٍ جُزئي في بعض الدول كالعراق وسوريا والـيَـمَـن ومصر وتونس، وتخدُمُ المشروعَ الأمريكي وبشكلٍ واضح للعيان دون الحاجة للتأويل أو عبقريةٍ لإدراكه، وهدفُها إغراقُ دولِ المنطقة في الصراع وضرب البنية الأمنية والسلم المجتمعي فيها حتى يصلَ بها الحال إلى الانهيار التام فتصرخ مستنجدةً المجتمعَ الدوليَّ للتدخل وإنقاذها من جرائم هذه التنظيمات، وفي وضع المؤسَّسات الدولية الحالي وخروجها عن نطاق الخدمة، تبرُزُ أمريكا في لباس المنقِذ والمخلِّص، وبهذا تكون أمريكا راعيةَ الأمن والأمان لكل دول المنطقة وجهازها العسكري الذي يحفظ مجتمعاتها من بطش وإجرام تلك التنظيمات، وبالثمن الذي تطلبه أمريكا، حتى لو وصل بهم الحال للركوع والخضوع لها فقط في سبيل عيشهم تحتَ مظلة الأمان الذي ستوفره المنقذة أمريكا.
وهكذا تكونُ أمريكا حقَّقت ما تصبو وتطمحُ إليه بالهيمنة على المنطقة، وبأقلِّ خسائرَ ممكنة، وهذا ما تحدَّثَ عنه السيدُ القائدُ في خطابه الأخير بمناسبة المولد النبوي الشريف، تحدث بكل تفاصيل هذا المشروع ورسم ملامح الطريق للخروج من هذا النفق المظلم وإيقاف هذا المشروع الأمريكي الذي يسعى لتدميرِ منطقتنا ودولنا وشعوبنا، لقد وجّه نداءَه إلى أحرار الأمة بالنهوض، والاصطفاف خلف المشروع المحمدي الحقيقي، الضامن الوحيدِ لعزتنا وكرامتنا.