صمود وانتصار

علماء الوهابية يحاولون آل سعود من الغرَق!!

إبراهيم السراجي

يُجمِعُ كثيرٌ من المراقبين أن السعُوديَّة حين قررت تغييرَ سياستها المعهودة بالدخول في حروب مباشرة اختارت الوقتَ الخطأ لفعل ذلك، بل إن الوقت قد تجاوز قُدرتَها على ذلك؛ وذلك لسببين رئيسين، أولهما تراجُعُ الولايات المتحدة باعتبارها القوة العظمى الأولى في العالم، والثاني أن نظام آل سعود شن عُــدْوَانها على الـيَـمَـن وتكفّل بتبعات العُــدْوَان مالياً في الوقت الذي تفقد فيه السعُوديَّة قوَّتَها المالية وتقف على مقرُبة من الإفلاس، بحسب تقارير اقتصادية وعلى رأسها تقرير صندوق النقد الدولي.

بعد مرور تسعة أشْهر على عُــدْوَانها على الـيَـمَـن أعلنت السعُوديَّة موازنتَها للعام 2016 بعجز بلغ 326 مليار ريال، وترتب على هذا العجز رفعٌ نسبيٌّ للدعم الحكومي على المشتقات النفطية وإجراءات تقشف لم يعتد عليها الشعب السعودي، فهل يتوقف هذا التدهور عند هذا الحد؟

للإجابة على هذا السؤال يجدر التنويه إلَـى أن نظامَ آل سعود وضَعَ موازنته المالية للعام 2016 على أساس توقعاته بإيرادات النفط بـ40 دولاراً للبرميل الواحد لكن سعر البرميل تدهور خلال الشهر الأول من العام ليصلَ إلَـى 27 دولاراً، وهناك توقعات اقتصادية شبه مؤكدة أن السعر سيتدهور ليصل إلَـى ما دون 20 دولاراً، وإذا كان النظامُ السعودي يعتمد في موازنته على إيرادات النفط بنسبة تتجاوز الـ60% بمعنى أن العجز الحقيقي الآن في موازنة السعُوديَّة للعام 2016 لم يعد 326 ملياراً الذي قُدِّرَ على أساس 40 دولاراً للبرميل؛ ولذلك فالعجزُ الحقيقي بحسب أسعار النفط اليوم والمتمثلة 27 دولاراً سيصل العجزُ إلَـى نحو 500 مليار ريال والرقم سيزيد كلما انخفض سعر النفط.

ويرى المحللون الاقتصاديون أن السعُوديَّة ستلجأ لمزيد من الإجراءات التقشفية وستعلن عن رفع جديد في دعم المشتقات النفطية، بما يعني زيادةً جديدةً في الأسعار سيتحملها الشعب السعودي، بالإضافة إلَـى الزيادة التي جرى إقرارُها مطلع العام الحالي، وهو ما يهدد الاستقرارَ الذي كان ينعم به النظام السعودي في أيام الرخاء، حيث كان يعتمدُ على ذلك في كسب صمتِ الشعب، بالإضافة إلَـى اعتمادِه على دَور المؤسسات الدينية التي تلعب دوراً ترهيبياً في خدمةِ النظام السعودي، ولكن النظرة اليوم تختلفُ، حيث يؤكد المراقبون أن الانهيارَ الاقتصادي في السعُوديَّة سينعكس خطراً على نظام آل سعود.

 

المؤسسة الوهابية تحاولُ انقاذَ آل سعود من الغرق

إلى جانب اعتمادِ نظام آل سعود على إيرادات النفط لضمان بقائه وشراء الولاءات الداخلية والتحالفات الخارجية فَإن انهيار أسعار النفط بدأ يفقدُ آل سعود هذه الورقة ولم يعد بيده سوى الورقة الدينية متمثلة بالمؤسسة الوهابية التي صنعت جيلاً مؤدلجاً ومجتمعاً يقوم على الولاء الأعمى لآل سعود ولعب الماُل دوراً رئيسياً في استجابة ذلك المجتمع لهذا النوع من الأيديولوجيا، لكن سقوط ورقة المال دق ناقوسَ الخطر لدى آل سعود ليدفعوا بالورقة الدينية لتمارس مزيداً من الضغوط والاملاءات على الشعب والزامهم بالولاء لهم بلا مقابل.

وبما يؤكد عُمْقَ المشكلة الاقتصادية لدى آل سعود وخطرها على بقاء نظامهم، يظهر ذلك في تحذيرات أطلقها أحدُ أئمة الحَرَم من علماء الوهابية الذي دعا للالتزام بالولاء لآل سعود وعدم ربطه بالمال، وعادةً ما يتم استخدامُ علماء الوهابية في مخاطَبة الشعب السعودي اعتماداً على الأيديولوجيا الوهابية التي زُرعت في شعبهم، ولا يتم الاعتمادُ على المؤسسات الحكومية في كافة المجالات؛ ولذلك يتمُّ الدفع بإمام الحرَم للتعبير عن مشكلة اقتصادية تهدد النظام.

واعتلى صالح بن حميد منبرَ الحَرَم المكي الجمعة الماضية، محذراً مما أسماه المخطّطات التي تستهدف هذا البلادَ “السعُوديَّة” عن طريق ما وصفه بنشْر الشائعات، “فيسعَون عبر شبكات التواصُل الاجتماعي – حسب بن حميد – إلَـى تكبير الصغير، ونشر الأكاذيب، داعياً أبناء المملكة إلَـى الحفاظ على استقرار وطنهم وعدم تمزيقه بظلمات المشاحنات”.

الشائعات التي يتحدث عنها إمامُ الحرم ليست سوى كتابات يعبّر بها ناشطون سعوديون عن الفساد الذي يمارسه آل سعود ودخولهم في حروب خارجية أثّرت بشكل مباشر على استقرار اقتصادهم، ولكن المؤسسة الدينية اعتادت على تحريم أيِّ نوع من النقد أَوْ التعبير عن الرأي، خَاصَّــة فيما يمُسُّ سياسةَ آل سعود والذي يفرِضُ النظامُ عقوباتٍ كبيرة بحق كُتّاب الروايات والمدونات ونشطاء وسائل التواصل الاجتماعي.

ووصف خطيب جمعة الحرم “أية دعوة أَوْ كلمة أَوْ تعليق أَوْ تدوين يولد حقداً ويثير نعرةً بأنها من أمر الجاهلية”، وهكذا يصبح انتقادُ الفساد والمغامرات من الجاهلية، غير أن إمامَ الحرم هذا قد عبّر في خطبته عن حقيقة هذا القلق الذي يشعر به النظام السعودي في ظل الانهيار الاقتصادي عندما حذر من ربط الولاء للملك بالمال.

حيثُ هاجم بن حميد في خطبته الذين يربطون ولاءَهم بولاة الأمور بالمصالح المادية، في إشارة منه إلَـى تدهور الأحوال المادية للمملكة، محذراً من الإثارة والفتن التي يسعى البعض لإحداثها.

 

 

الصمود الـيَـمَـني في معادلة الانهيار السعودي

هناك إجماعٌ من قبل مراكز الدراسات أن مغامرة النظام السعودي في الـيَـمَـن كان لها دور كبير في الترنُّح الاقتصادي الذي تعاني منه مملكة النفط السعُوديَّة وإذا كانت تلك المراكزُ قد اختلفت في تقدير حجم الخسائر المالية والعسكرية لنظام آل سعود فإنها اتفقت أنه لو لم يُقدِم النظام السعودي على عُــدْوَانه على الـيَـمَـن لما وصل به الانهيار الاقتصادي إلَـى هذا الحد بالتزامن مع انهيار أسعار النفط.

عشراتُ المليارات التي يكبدها النظام السعودي سواء بشكل مباشر أَوْ غير مباشر في عُــدْوَانه على الـيَـمَـن فهو إلَـى جانب ما يدفعه من أَمْوَال لتمويل تحالفه الذي يمتد من أَمريكا إلَـى بريطانيا إلَـى دول التحالف ذاتها والمرتزقة المحليين والدوليين فهو يوزع الأَمْوَال الطائلة لشراء المؤسسات الدولية ويستجيب لابتزاز الدول الغربية له ويمولها بالمليارات.

ودخل النظام السعودي في مغامرته بالـيَـمَـن ظناً منه أن الحملة ستؤتي أكلها في أيام قليلة لكنه وجد نفسها يغرق لعشرة أشْهر وما يزال الأفق مفتوحاً دون أن يحقق أي نتائج تذكر بل على العكس يجني الهزائم في جبهات الحدود والجبهات الداخلية ولذلك يؤكد كثيرون أن الصمود الـيَـمَـني كان جزءاً رئيسيا من معادلة الانهيار السعودي ووصوله لمرحلة الخطر.

بحسب تقرير اقتصادي لتلفزيون “دويتشه فيتله” الألماني والذي بثه التلفزيون في مايو الماضي عن خسائر النظام السعودي مالياً في عُــدْوَانه خلال عشرين يَــوْماً من العُــدْوَان فقد بلغت 30 مليار دولار.

وجاء في تقرير التلفزيون الألماني أنه ” لا يستطيع أحد حتى الساعة تقديم أَرْقَام دقيقة عن تكلفة الحرب التي تقودها السعُوديَّة على الـيَـمَـن تحت اسم “عاصفة الحزم”. ويعود السبب في ذلك إلَـى رفض القائمين عليها تقديم معلومات يمكن الاعتماد عليها بهذا الخصوص. غير أن التقديرات الأولية المبنية على تكاليف حروب أخرى مشابهة ترجّح بأن التكلفة وصلت بحلول أواسط أبريل 2015 إلَـى نحو 30 مليار دولار تتضمن تكاليف تشغيل 175 طائرة مقاتلة وتزويدها بالذخائر وتكلفة وضع 150 ألف جندي سعودي في حالة استنفار تحسبا لاحتمالات توسيع نطاق الحرب.”

واللافتُ أن التقديرات التي أوردها التقرير الألماني وبلغت 30 ملياراً كانت بعد مرور 20 يَــوْماً على العُــدْوَان أي حين كانت العملية لا تزالُ في إطار القصف الجوي وقبل بداية الرد الـيَـمَـني في الحدود والجبهات الداخلية والتي خلفت مئات الدبابات والآليات المدمرة وكبدت النظام السعودي عشرات الطائرات الحربية والاستطلاعية.

وإذا كان النظام السعودي قد تكبد 30 ملياراً من الدولارات خلال أول 20 يوماً من العُــدْوَان فكم سيكون المجموع خلال 300 يوم من الصمود الـيَـمَـني وإدخال الخسائر البرية في الحسابات التي يتضمنها التقرير الألماني عندما كان العُــدْوَان في مرحلة القصف الجوي فقط؟.

بهذه القراءة والقراءات الأخرى يدق الصمود الـيَـمَـني شعبياُ وعسكرياً واجتماعياً في وجه تحالف العُــدْوَان المساميرَ الأخيرَة في نعش النظام السعودي وسيسجل التأريخ له أنه أسقط أكبر امبراطورية نفطية في عالم ترتبط بقوى الاستكبار العالمي ولا شك أن الشعب الـيَـمَـني ما يزال لديه مخزون كبير من الصمود لسنوات قادمة فيما تشير المعلومات أن النظام السعودي لم يعد يقوى على مواجهة كُلّ هذه التحديات.