صمود وانتصار

السيد عبدالملك الحوثي : واقع الشهداء

الصمود |ثقافة قرآنية | فالله سبحانه وتعالى يقابل عطاء الشهيد بعطاء عظيم, عاجل هنا وهناك وآجل في الآخرة, عاجل هنا في واقع الحياة, في واقع أمته, فعطاؤه وتضحياته واستبساله, وما قدمه في سبيل الله يثمر نصراً, ويبني أمة قوية عزيزة, ويهب للأمة عزة ورفعة ومكانة وقوة, فيهابها الأعداء ويحسبون لها ألف حساب, وأثراً له هناك عند الله فيما صار إليه, فيما تحقق لنفسه, فهو لم يخسر مع الله أبداً, وهذه الحياة التي بذلها, هذه الحياة التي قدمها في سبيل الله أبدله الله عنها حياة هي خير منها عند الله؛ ولهذا يقول الله سبحانه وتعالى: {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ}(البقرة:الآية154)، لا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات, لا يكون لديكم هذه النظرة الخاطئة تجاه الشهداء فتقولوا مثل هذا الكلام, تعتبرونهم أنهم أموات وأنهم ساروا إلى الفناء وانتهى كل شيء بالنسبة لهم, لا, المسألة ليست كذلك, فلا تعتبرونهم كذلك أموات ولا تقولوا أنهم أموات؛ لأن هناك حالة مختلفة بالنسبة لهم, رحيلهم ليس رحيلاً إلى الموت والفناء إلى يوم القيامة, لهم امتياز خاص, لهم وضع خاص بهم, تكريماً من الله لهم, وهو يدل على عظيم مكانتهم, على رفيع منزلتهم عند الله سبحانه وتعالى, بل أحياء, هم أحياء ووهبهم الله حياة خيراً من هذه الحياة, وفي مقر خير لهم من الدنيا وما فيها, {بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ}, لا يشعر الإنسان بحياتهم, أين وكيف, لكن الله أكد هذه, أكد هذه, {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثاً}(النساء:87), ومن أحسن من الله حديثاً.

يقول الله سبحانه وتعالى: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً} لا تكن النظرة إلى الشهداء, وحساباتنا تجاه الشهداء أنهم انتهوا وانتهت حياتهم, لا, هم موجودون وهم أحياء, المسألة أنهم انتقلوا من حياتنا هذه, من دارنا هذه, من الدنيا هذه إلى حياة أخرى هي أسعد, وإلى مقام هو أعظم {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}(آل عمران:الآية 169) وكلمة عند ربهم تعني الشيء الكثير, الشيء العظيم, تعني أنهم في ضيافة الله, في ضيافة الله, يُكرِم الله نزلهم, وضيوف الله سيحضون من الكرامة, من التكريم بما لا يساويه شيء, لا يرتقي إلى مستواه شيء, هل هناك من هو أكرم من الله؟ هل هناك من هو أغنى من الله؟.

إن الله غني مقتدر كريم، غني مقتدر كريم، فهو يقدر ولديه ما يقدم لهم من عطائه، من فضله، من منه, من نعمه الشيء العظيم العظيم العظيم، بقدر منزلتهم عند الله وأكثر زيادة من فضله, وزيادة من نعمه, لهم الحسنى وزيادة فالله سبحانه وتعالى عندما يقول: {بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ} عند ربهم, في ضيافة الله سبحانه وتعالى, هذا هو الشرف الكبير, هذا هو الفضل العظيم {لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ}(الصافات:الآية61) هل هناك من خسارة؟ هل هناك من نقص؟ هل أنهم فقدوا كل شيء وانتهى كل شيء بالنسبة لهم؟ كلا {بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} يرزقون، فهم في ضيافة الله، يمنحهم الله من نعمه ومن عطائه ومن رزقه ما يجعلهم في سعادة، وهم في حالة نفسية مختلفة عما نحن عليه هنا.

نحن هنا – أيها الإخوة – في واقعنا في حياتنا هذه تعترضنا الآفات والهموم والمحن والآلام والمنّغصات, وإن عرض للإنسان سرور أو راحة أو فرح فهي حالات مؤقتة, حالات مؤقتة تنتهي, كل فرح يعقبه حزن, مشاكل الحياة, تغيرات الحياة, هموم الحياة لا تفارق الإنسان, ويكون السرور والراحة, راحة النفس وراحة البال والفرح والاستبشار حالات عارضة تزول كل وقت ثم تعود لتزول وهكذا في حالة تقلب وتغير, هذا هو شأن حياتنا.

أما واقع الشهداء فهو واقع مختلف عما نحن عليه, رزق من الله وعطاء عظيم ومستمر, لم يعد لديهم لا هَم المعيشة, ولا هَم توفير متطلبات الحياة أصلاً؛ لأنهم في ضيافة مستمرة, ضيافة دائمة إلى يوم القيامة, ومن هناك مصيرهم إلى جنة المأوى يُرزقون فيها بغير حساب, في أثناء هذه الضيافة هم في حالة فرح, فرح دائم, {فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ} وما آتاهم الله من فضله هو عظيم عظيم فوق خيالنا, فوق تصورنا, عطاء عظيم وعطاء متجدد وعطاء مستمر, يستمر أمد هذه الضيافة والتي هي إلى يوم القيامة, فرحين فلا هم يشعرون بحزن, لا هم يستشعرون خسارة, لا هم يستشعرون الفقد لما فقدوه؛ لأنهم ربحوا ما هو أعظم وما هو خير, {فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ} وهم بانتظار أن يعقب تلك الضيافة وذلك النزل أن يعقبه ما هو أيضاً خير منه ما هو أعظم, جنة المأوى عند الله سبحانه وتعالى, {فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ}.

وهم مع ذلك يستذكرون إخوتهم المجاهدين معهم, السائرين في نفس الطريق معهم, وهم يترقبون مجيئهم إليهم, وهم يستبشرون لهم أنهم سيصيرون إلى ما صاروا إليه هم من نعيم ومن سعادة ومن ضيافة عند الله سبحانه وتعالى, ومن مصير عظيم, مصير السلام والأمن والسعادة والخير كله, {فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ}.

فهذا الواقع الذي صاروا إليه, ما حققوه لأنفسهم, وما وصلوا إليه من نعيم عظيم, ومكانة عظيمة عند الله, وما هيأ الله لهم من وضع خاص، فهناك في هذا العالم, في ذلك العالم الذي ينتقلون إليه, في ذلك المقام العظيم حيث يعيشون في ضيافة الله سعداء في كرامة وعزة وخير ونعيم عظيم وفرح دائم واستبشار بمن تبقى خلفهم من مجاهدين ومؤمنين هناك.

ومعلوم أن خط الشهادة – أيها الإخوة – طريق الشهادة فيه الكثير من الأنبياء, ومن أولياء الله الصالحين لو لم يكن هناك إلا مرافقتهم والعيش معهم, مرافقتهم لوحدها تشريف كبير وتشريف عظيم, وهذا ما تحقق للشهداء بفضل الله سبحانه وتعالى, وهنا نعرف كيف هي الشهادة وأنها كرامة, الشهادة كرامة, والشهادة منحة إلهيه عظيمة وعز أبدي خالد يعيشه الإنسان ويهبه الله له ويحقق له من خلالها الشيء الكثير الكثير.

[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

دروس من هدي القرآن الكريم

من كلمة السيد القائد/ عبد الملك بدر الدين الحوثي/ حفظه الله.

بمناسبة الذكرى السنوية الثالثة للشهيد