المشروع القرآني للشهيد القائد: مشروع لبناء ونهضة الأمة
التنمية الزراعية
الصمود | 1 التنمية الزراعية
السعيدة، هكذا أطلق على اليمن قديماً نظراً لشهرتها الزراعية، ولا غرابة في ذلك فقد وصفها الله سبحانه وتعالى في كتابة المبين بقوله (لقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ).
واشتهرت اليمن قديماً بالزراعة، ولعل سد مأرب خير شاهد على ذلك، حيث عرف الإنسان اليمني الزراعة كحرفة منذ الآلاف السنين وقد كانت معرفته لها خطوة متقدمة نحو الرقي والتحضر، حيث تعتبر محاصيل الحبوب من أهم المنتجات الزراعية في حياة الشعوب عبر العصور والحضارات، وأن أي نمو في حضارة الإنسان كان ملازماً لمدى كفاءة الإنسان وقدرته على إنتاج محاصيل الحبوب.
ونظراً لموقع الاستراتيجي وخصوبة أراضيها فقد تعرضت اليمن لعمليات الغزو الخارجي طمعاً في خيرات أراضيها.
وللزراعة أهمية بالغة في حياة الأمم والشعوب، فمن ملك غذاءه ملك حريته، وسَلِمَ أمن قراره من الوصاية والتدخلات في الشأن الداخلي لبلادة، فالدولة التي لا تزرع هي دولة اشبه بالميتة إن لم تكن في حكم الميّتة فعلاً والتي تمد يدها للغير بغية الحصول على غذائها سواء في حالة الحرب أم في حالة السلم.
التنمية الزراعية:
تُعد التنمية الزراعية المقدمة الضرورية لتحقيق التنمية الشاملة، وتعرف التنمية الزراعية على أنها مجموعه من الإجراءات والأساليب التي يكون لها دور كبير وفعال في التأثير على هيكل الاقتصاد الوطني، وتعرف أيضاً بإنها عملية تحسين الإنتاج الزراعي كماً ونوعاً لتحقيق الأمن الغذائي، وتقليل الاعتماد على الاستيراد، لاسيما وأن من أهم أهداف التنمية الزراعية تعظيم مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي الإجمالي، وتامين احتياجات المجتمع من الغذاء بدلاً من الاستيراد من الدول الأخرى.
ومن خلال التشخيص والتقييم الدقيق الذي يقدمه الشهيد القائد لواقع اليمن من الناحية الزراعية؛ يمكن أن نستشف ما المقصود بالتنمية الزراعية، حيث يشير إلى غياب التنمية الزراعية في اليمن، يقول:
“عد إلى واقع الحياة، أين التنمية الزراعية، أين الزراعة؟ أين قوت الناس الضروري؟ ألم يكن قد غاب؟ ألم يغب نهائياً؟ لقد غاب فعلاً، …” (اشتروا بآيات الله ثمناً قليلاً).
وتّعد قضية التنمية الزراعية وحصول الامة على الاكتفاء الذاتي الغذائي مطلب مُلح للأمة في ضل الهيمنة الاقتصادية على هذه الامة من قبل اعدائها من اليهود والنصارى، يقول الشهيد القائد:
“… ولهذه الأمة التي تهدد كل يوم الآن تهدد، وتهدد من قبل من؟ تهدد من قبل من قوتها من تحت أقدامهم، من فتات موائدهم. لا بد لها من الاهتمام بجانب الزراعة، لا بد أن تحصل على الاكتفاء الذاتي فيما يتعلق بحاجياتها الضرورية ” (في ظلال دعاء مكارم الأخلاق الدرس الثاني).
ويضيف: “أولسنا نسمع بأن اليمن مهدد؟ أن اليمن أيضا يقال عنه كما يقال عن العراق وعن إيران؟ وأن المسئول الأمريكي الذي زار اليمن لم يفصح عندما سئل: هل ما يزال اليمن ضمن قائمة الدول التي احتمال أن تتلقى ضربة؟ لم يفصح بذلك”(في ظلال دعاء مكارم الأخلاق الدرس الثاني).
ويردف بالقول: “إذاً فنحن مهددون أليس كذلك؟ صريحا من قبل أعداء؟ ماذا تعمل هذه الدولة لنا نحن اليمنيين حتى نكون قادرين على أقل تقدير أن نتحمل الضربة؟ أصبحت القضية إلى هذا النحو” (يوم القدس العالمي).
ويُشير الشهيد القائد الى بيان أن الأمة متى ما اتجهت إلى الزراعة فإنها ستملك قوتها الضروري، إلا أنه اتضح جلياً أن الأمة لا تستطيع أن تدافع عن نفسها وهي ما تزال فاقدة لقوتها الضروري الذي الزراعة أساسه يقول:
“… لأنه اتضح جليا أن الأمة لا تستطيع أن تدافع عن دينها، ولا تستطيع أن تدافع عن نفسها وهي ما تزال فاقدة لقوتها الضروري الذي الزراعة أساسه، وليس الاستيراد” (في ظلال دعاء مكارم الأخلاق الدرس الثاني).
وفي سياق ذلك، يتساءل:” هل يملك اليمن الآن ما يكفيه شهراً واحداً من إنتاج أرضه، من قوته من الحبوب؟ لا يوجد. ” (اشتروا بآيات الله ثمناً قليلاً).
وعندما يتساءل الشهيد القائد: “هل يملك اليمن الآن ما يكفيه شهراً واحداً من إنتاج أرضه، من قوته من الحبوب؟”، فهو بذلك يشير الى غياب الاكتفاء الذاتي من الحبوب في اليمن، ليست تلك الحبوب الموجودة في المخازن والمستوردة من بلدان أخرى وانما الحبوب التي يتم زراعها في اليمن.
ويشكل تحقيق الاكتفاء الذاتي في الغذاء أحد أبرز التحديات التي يواجها اليمن بعد أن تفنن أعداء الأمة وأمعنوا بمنهجية عالية على تحويل الشعب اليمني الى مجتمع مستهلك، غير منتج يعتمد على الاستيراد والاستهلاك المغلف القادم من الخارج.
وهنا يجسد الشهيد القائد الوضعية الخطيرة التي يعيشها الشعب اليمني، وأنه يعيش ألماً شديداً يتمثل في نقص في الكرامة والعزة، وفي الحياة الكريمة، ويبين أن توفير الغذاء هو العلاج الحقيقي، يقول:
” أين البناء الاقتصادي، والتنمية الحقيقية التي تجعلنا أمة تستطيع أن تقف على قدميها؟ إننا نعيش الألم النفسي، نعيش ألماً شديداً ليس من نقص في الفيتامينات إنما من نقص في الكرامة وفي العزة، نقص في الحياة الكريمة التي أراد ديننا أن تتوفر لنا، نعيش الألم فأين هو العلاج؟ نعيش الجوع الذي سيجعلنا مستسلمين أمام أعدائنا فأين هو الغذاء من أوطاننا؟ هذا هو العلاج الحقيقي، هذا هو العلاج الحقيقي.. هل هناك عمل على توفيره؟ لا يوجد” (لَتَحْذُنّ حَذْوَ بني إسرائيل).
وفي سياق ذلك، يحدد الشهيد القائد ماهية القوت الضروري بالحبوب، بالإضافة الى البقوليات الأخرى، حيث يشير في درس (معرفة الله، نعم الله، الدرس الخامس) بالقول:
– “…وإن كان في الواقع أن وضعيتنا تفرض علينا أن نهتم بزراعة الأشياء التي هي ضرورية بالنسبة لنا كالحبوب، والبقوليات الأخرى…”.
– “{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ}(الروم: من الآية41) فلم ير الناس أنفسهم متمكنين من زراعة الحبوب، ومن زراعة البقوليات الأخرى حتى يوفروا أو يؤمنّوا غذاءهم لأنفسهم, يؤمنّوا لأنفسهم الغذاء”.
وتطلق كلمة الحبوب على أي نوع من أنواع النباتات الحبيّة مثل: القمح، والذرة، والشعير، والذرة الشامية، وتُعتبر من أهم المحاصيل الغذائية، إذ تعد الحبوب ومشتقاتها الغذاء الرئيسي للشعوب.
وفي ضوء ذلك، يبين الشهيد القائد أن مفهوم التنمية الزراعية يشير بالدرجة الأساس الى توفير القوت الضروري للأمة (الحبوب والبقوليات الأخرى)، وذلك من خلال العمل على تحقيق الاكتفاء الذاتي في القوت الضروري، حتى تتمكن الأمة من الوقوف على أقدامها ومواجهة أعدائها المتربصين بها، يقول:
“… لا بد لها من الاهتمام بجانب الزراعة، لا بد أن تحصل على الاكتفاء الذاتي فيما يتعلق بحاجياتها الضرورية” (في ظلال دعاء مكارم الأخلاق الدرس الثاني).
ويضيف بالقول:
– “…وإن كان في الواقع أن وضعيتنا تفرض علينا أن نهتم بزراعة الأشياء التي هي ضرورية بالنسبة لنا كالحبوب، والبقوليات الأخرى، …” (معرفة الله، نعم الله، الدرس الخامس).
تحقيق الاكتفاء الذاتي في القوت الضروري يعُّد من كمال الإيمان:
إن كمال الإيمان في مجال مواجهة أعداء الله مرتبط ارتباطاً كبيراً بالاهتمام بالجانب الاقتصادي، وهذا ما يؤكد عليه الشهيد القائد، حيث يقدم قضية حصول الامة على الاكتفاء الذاتي في قوتها الضروري بأنها من كمال الايمان في مواجهة اعدائها، يقول:
“أليس من كمال إيماننا في مواجهة تهديد أعدائنا هو أن نكون أمة مجاهدة؟ أليس من كمال أن نكون أمة مجاهدة أن نكون أمة مكتفية معتمدة على نفسها في قوتها الضروري؟.. إذا فيصبح القوت الضروري، يصبح الاكتفاء الذاتي للأمة من كمال الإيمان، من كمال الإيمان” (في ظلال دعاء مكارم الأخلاق الدرس الثاني).
ويُبين الشهيد القائد أن كمال الإيمان في مجال مواجهة أعداء الله مرتبط ارتباطاً كبيراً بالاهتمام بالجانب الاقتصادي، بحيث تكون الأمة التي تريد أن تنطلق في مواجهة أعدائها قادرة أن تقف مواقف مشرفة في مواجهة أعدائها؛ لأنها مكتفية على ذاتها في قوتها الضروري، في حاجاتها الضرورية، ويؤكد ذلك قائلاً:
“كمال الإيمان في مجال مواجهة أعداء الله مرتبط به تماماً ارتباطا كبيراً، الاهتمام بالجانب الاقتصادي ستكون الأمة التي تريد أن تنطلق في مواجهة أعدائها، وأن تقف مواقف مشرفة في مواجهة أعدائها قادرة على ذلك؛ لأنها مكتفية بنفسها في قوتها الضروري، في حاجاتها الضرورية” (في ظلال دعاء مكارم الأخلاق الدرس الثاني).
وفي إطار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمعناه العام، يجزم الشهيد القائد بالقول:
“إن من المعروف أن نقول للآخرين: إن عليكم أن تهتموا بالجانب الاقتصادي فتجعلوا الشعوب قادرة على أن تقف على أقدامها مكتفية بذاتها فيما يتعلق بقوتها الضروري؛ لتستطيع أن تقف في مواجهة أهل الكتاب، أليس هذا من المعروف؟” (سورة آل عمران، الدرس الثالث).
ويضيف بالقول: “…لأن الجانب الاقتصادي بالنسبة للمسلمين مهم في أن يستطيعوا أن يقفوا في مواجهة أعدائهم، في أن يستطيعوا أن يقوموا بواجبهم وبمسئوليتهم أمام الله من العمل على إعلاء كلمته ونصر دينه، ونشر دينه في الأرض كلها” (معرفة الله ـ وعده ووعيده، الدرس الرابع عشر).
ومثلما الشعب اليمني لايزال يجاهد ويعمل بقُــوَّة في مواجهة العدوان الغاشم ويقدم التضحيات فالعظيمة فَإِن الاهتمام بالجانب الزراعي لتأمين الغذاء يعتبر أيضاً من الجهاد في سبيل الله ومن العوامل المساعدة لنصر دين الله والثبات في مواجهة أعدائه.
تحقيق الامة للاكتفاء الذاتي في قوتها الضروري سيجعلها قادرة على مواجهة اعدائها:
تعتبر قضية تحقيق الاكتفاء الذاتي والامن الغذائي من القضايا الاساسية التي لها الاثر الحاسم في تحديد موقع الدول العربية والاسلامية على خارطة التقدم والنمو بين مجتمعات العالم المتقدمة، بل يمكن القول ان تحقيق الاكتفاء الذاتي والامن الغذائي يعادل الامن الوطني والقومي في اهميته ان لم يكن يتخطاه بمراحل، ذلك أن أي ثغرة، أو ضعف في هيكل الامن الغذائي يشكل خطراً كبيراً على بنيان الامن الوطني والقومي بشكل عام لانعكاساته الخطيرة على كل نواحي المجتمع، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولا يمُكن الحديث عن الامن الوطني والقومي دون الحديث عن الاكتفاء الغذائي لأّنه المعبر الاجباري للولوج الى الامن الوطني والقومي، ومن خلال تحقيق الاكتفاء الغذائي يُمّكن الاطمئنان الى قدرة الاقتصاد الوطني على سد الاحتياجات الغذائية للسكان حاضراً ومستقبلاً من خلال الانتاج المحلي.
ويُشير الشهيد القائد إلى أنه متى ما زرعت الامة ملكت قوتنا، ستسطع أن نتخذ القرار الذي يليق بها أمام اعدائها، يقول:
“لا يريدون أن نزرع؛ لأنهم يعرفون ماذا يعني أن نزرع، متى ما زرعنا ملكنا قوتنا، متى ملكنا قوتنا استطعنا أن نقول: لا، استطعنا أن نصرخ في وجوههم، استطعنا أن نتخذ القرار الذي يليق بنا أمامهم، فما دمنا لا نملك شيئاً لا نستطيع أن نقول شيئاً…. ” (من نحن ومن هم).
الغذاء أهم من السلاح:
تكّمن أهمية تحقيق الاكتفاء الذاتي في أوقات الحروب، حيث يتعذر استيراد السلع من الخارج، وتكمن أهميته في توفير الأمن الغذائي للسكان، وتحصينهم من الأزمات والمجاعات التي تحدث أحيانا، كما يعد الاكتفاء الذاتي سبيلاً إلى الاعتماد على النفس وتطوير الإمكانات الذاتية، والتقليل في المقابل من الاعتماد على الخارج، وذلك مما يدعم استقلالية القرار السياسي والسيادي الوطني أمام تدخلات الدول الأجنبية، ويحّد من التأثيرات وبعض السلوكيات الابتزازية التي قد تمارسها الدول المصدرة لبعض الأغذية الاستراتيجية “القمح نموذجاً” في إطار التفاوض حول مصالحها ،أو مصالح حلفائها.
ويؤدي الاكتفاء الذاتي إلى التخلص من التبعية السياسية والاقتصادية والاستقلال بالقرار الوطني للبلد دون وضع اعتبار لمعونات اقتصادية خارجية مشروطة بانتهاج سياسة خارجية معينة، وبالتالي تستطيع الدولة المكتفية ذاتياً الاستغناء عن المساعدات الخارجية، مما يؤدي إلى التخلص من التبعّية.
ويُعَد الاكتفاء الذاتي شرطاً أساسياً لأي دولة تريد أنّ تتخلص من التبعّية والهيمنة عليها، وتُعزَى أهمية الاكتفاء الذاتي إلى إمكانية الاستغناء عن الاستيراد لاسيمّا في الظروف الحرجة التي قد تمر بها الدولة مثل حالة الحرب؛ حيث يتعذر إقامة علاقات اقتصادية مع دول أخرى.
وفي صورة بلاغية رائعة؛ يُقدم الشهيد القائد حاجة الامة للاكتفاء الذاتي في قوتها الضروري كحاجة المصلي للوضوء، وأنّ الأمة أصبحت بحاجة الى الغذاء أشد من حاجتها الى السلاح، حيث يقول: “أصبح شرطا، أصبح أساساً، أصبح ضروريا الاهتمام بجانب الزراعة في مجال نصر الإسلام أشد من حاجة المصلي إلى الماء ليتوضأ به.. هل تصح الصلاة بدون طهارة؟ إذا لم يجد الماء يمكن أن يتيمم فيصلي. إذا كانت الصلاة لا بد لها من طهور بالماء أو بالتراب، فلا بد للإسلام، ولهذه الأمة التي تهدد كل يوم الآن تهدد، وتهدد من قبل من؟ تهدد من قبل من قوتها من تحت أقدامهم، من فتات موائدهم “(في ظلال دعاء مكارم الأخلاق الدرس الثاني).
ويقول في موضع آخر: ” ما دمنا مفتقدين إلى تأمين غذائنا فلا نستطيع أن نعمل شيئًا، ….، لا نستطيع أن نقف موقفًا واحدًا ضد أعداء الله، أصبحت حاجتنا إلى الغذاء أشد من حاجة المسلمين إلى السلاح، هل تفهمون هذا؟ حاجتنا إلى الغذاء أشد من حاجتنا إلى السلاح في ميدان وقفتنا ضد أعداء الله.
مقومات تحقيق الاكتفاء الذاتي في القوت الضروري في اليمن
إن واقع الحال في ضل استمرار العدوان الأمريكي السعودي والحصار الغاشم على اليمن يُجبر على اتخاذ عددٍ من التدابير العاجلة والكفيلة بالسعي نحو التنمية الزراعية وتحقيق الاكتفاء الذاتي في القوت الضروري والذي يكفل الاستقلال عن الواردات الخارجية والاعتماد على الإنتاج المحلّي لتغطية الاحتياجات الأساسيَّة للاستهلاك قدر الإمكان.
ولا ينبغي اطلاقاً توسم الخير من دول الخارج من أجل أن يمدِّوا بما تحتاجه اليمن من الواردات لسدّ الاحتياجات الأساسية المتزايدة، أو غيرها، فالمشكلة الاستراتيجية التي تعانيها اليمن اليوم جرَّاء العدوان الظالم، والحِصار الجائِر؛ يُمكنها أن تتكرر في أي وقتٍ من الأوقات وفي سيناريوهات متوقعة مستقبلاً في ضل هيمنة قوى الاستكبار وسعيهم الدؤوب للهيمنة على اليمن ارضاً وانسانا، وسلب قرارها الوطني، وهذا ما يوجب علينا التأمل في ما يؤكد عليه الشهيد القائد، حين يقول:
“ولهذه الأمة التي تهدد كل يوم الآن تهدد، وتهدد من قبل من؟ تهدد من قبل من قوتها من تحت أقدامهم، من فتات موائدهم. لا بد لها من الاهتمام بجانب الزراعة، لا بد أن تحصل على الاكتفاء الذاتي فيما يتعلق بحاجياتها الضرورية” (في ضلال دعاء مكارم الاخلاق، الدرس الثاني).
إن اليمن بلد غني بإمكاناته وموارده الطبيعية، وبلدا زراعياً تتوفر له كل الإمكانيات والمقومات التي تجعل منه سلة غذاء واعد ليس لليمن فحسب بل ولغير اليمن أيضاً، غير أنه تحول إلى بلد مستورد للغذاء لسد حاجاته من السلع الضرورية، حيث أهلمت الأراضي الزراعية، ولم يتم إعطاء الزراعة ذلك القدر الكافي من الاهتمام، ناهيك عن اتساع نطاق الهجرة من الريف إلى المدينة، فلم يعد الإنتاج الزراعي قادرا على سد احتياجات المواطنين من الغذاء في ضل الاعتماد على الاستيراد.
وفي خضم ذلك، يشير الشهيد القائد إلى توافر المقومات الأساسية في اليمن، والتي تمكنها من التنمية الزراعية وتحقيق الاكتفاء الذاتي في القوت الضروري، لاسيما وأن اليمن يمتلك كامل المؤهلات الطبيعية للإنتاج الزراعي، ويما يؤهله لتحقيق الاكتفاء الذاتي في كثير من السلع الغذائية، ومرّد ذلك الأراضي الشاسعة والصالحة للزراعة والتي بمقدورها انتاج كل الحاجات من الغذاء وتحديداً الحبوب والتي تكفي إذا تمت زراعتها لليمن ولغير اليمن، يقول:
“في اليمن نفسه كم من الأراضي في اليمن تصلح للزراعة، ونحن نستورد حتى العدس وحتى الفاصوليا والقمح والذرة من استراليا ومن الصين وغيرها؟ واليمن يكفي – لو زُرع – لليمن ولغير اليمن ” (يوم القدس العالمي).
ويدحّض الشهيد القائد في نفس الوقت مزاعم من يقولون إن اليمن أراضي جبلية، حيث يقول:
“هذه مناطق جبلية، أراضي محدودة، لو تأتي لتلصقها بعضها لبعض لما ساوت منطقة صغيرة في بلاد تهامة، أو في حضرموت، أو في مأرب، أو في الجوف..” ليتساءل بعد ذلك بالقول: “لماذا لا تزرع تلك الأراضي؟” (في ضلال دعاء مكارم الاخلاق، الدرس الثاني).
وتبلغ المساحة الصالحة للزراعة في الجمهورية اليمنية (1.539.006) هكتار، فيما تمثل المساحة، وتتسم الزراعة في اليمن بالتنوع نظرا لما تتمتع به من تفاوت الخصائص المناخية الناتجة عن تفاوت معدلات الأمطار ودرجات الحرارة والرطوبة واختلاف الظروف الطبوغرافية مما أدى إلى اختلاف الأقاليم النباتية والذي ساعد على تنوع الإنتاج إلا أن اعتماد العديد من المناطق على الزراعة المطرية يؤثر على استدامة الإنتاج الزراعي.
ويقدم الشهيد القائد الشواهد من تجارب الشعوب الأخرى الشعب الياباني أنموذج والذي استطاعوا أن يزرعوا فوق أسطح المنازل وفي شرفات المنازل، حيث يقول:
“اليمن صخرة لا يصلح أن يزرع فيه شيء!! أصبح وكأنه صخرة واحدة…ولو كان صخرة واحدة لاستطاع الناس كما عمل اليابانيون أن يزرعوا فوق أسطح المنازل وفي شرفات المنازل، ألم يكن بالإمكان أن يزرعوا فوق الصخرة؟ يعمل قليل تراب فوق الصخرة هذه ويزرع فيها أي شجرة مفيدة؟” (من نحن ومن هم).