صمود وانتصار

كاتب عُماني: صراع جنوب اليمن يثبت صواب الرأي بعبثية حرب اليمن

كاتب عُماني: صراع جنوب اليمن يثبت صواب الرأي بعبثية حرب اليمن

الصمود || جمال الكندي

منذ الإعلان عن “عاصفة الحزم” في اليمن التي اتخذت عدة عناوين لتبرير حربها ضد من خرج عن الشرعية – كما يقال – بحرب الشرعية ، بحرب تخليص اليمن من الأيادي الخارجية ،حرب إرجاع اليمن للحاضنة العربية وغيرها من العناوين التي كانت تريد تبرير الحصار القتل والتدمير الممنهج في هذا البلد الذي يعاني من فقر ومرض وبنى تحتية متهالكة.

فماذا تحقق في اليمن منذ ذلك الوقت؟ وأين أصبح شعار “شرعية هادى” في حكم اليمن؟ وهل كانت سلطنة عمان صائبة في قرارها بعدم خوض هذه الحرب والوقوف على الحياد الإيجابي.؟

هذه الأسئلة كلها سنحاول أن نجيب عليها من خلال ما حصل ويحصل في اليمن اليوم .

حرب اليمن كما كان يقدم لها بأنها حرب خاطفة ، سريعة ، تبدل حلفاء الأمس الذين ركبوا موجة الربيع العربي ، بحلفاء جدد خاصة أن ربيع اليمن أبرز القوى التي كانت تحارب الرئيس الراحل “علي عبدالله صالح” وهم “الحوثيون ” فقد خاض معهم ستة حروب ، ولكن الخصم أصبح حليفاً ولو بشكل مؤقت، من باب “عدو عدوي صديقي” .

حرب اليمن بدأت في بيئة كانت تبشر بقرب توقيع وثيقة السلم والمصالحة إبان مبعوث الأمم المتحدة السابق إلى اليمن “جمال بن عمر ” حيث ذكر ذلك ابن عمر في مؤتمر صحفي عقد بمدينة نيويورك الأمريكية بأنه تفاجأ بالقصف الجوي على اليمن وقال “إن اليمنيين كانوا قريبين من التوصل إلى اتفاق سياسي قبل بدء غارات عاصفة الحزم ” وهو بذلك يحمل مسؤولية فشل المفاوضات للتحالف الذي تقوده السعودية.

هذا الاتفاق كان سيبرز قوى يمنية معينة تخالف الخط السياسي لبعض دول الخليج والأمريكان ، وهذا ما ظهر في رمزية قرار الحرب الذي صدر من أمريكا في إعلانه الأول، وكان التدخل العسكري هو الخيار الأخير،
وهذا يدل على عدم رغبة هذه القوى السياسية في تغير خارطة تبعية اليمن السابقة ، والتي اليوم نراها شبيهة بالواقع السياسي اللبناني الغيررمقبولة خليجياً وعند الأمركان، بوجود قوى سياسية وعسكرية خارج الدائرة الأمريكية، وهذا هو الحاصل في اليمن أثناء الحرب وحتى بعد أن تضع الحرب أوزارها ، وأمريكا تدرك ذلك جيداً، ولا تقدر أن تغييره عسكريا، وفشل حلفائها في تحقيق نصر إستراتيجي في اليمن يبنى عليه في المخرج السياسي أصبح واضحاً .

ما يحدث في جنوب اليمن اليوم يضع علامة استفهام كبيرة في شعار شرعية هادي ، فمن كان يحارب لارجاع شرعيته للحكم في اليمن وينعت من يقاتلون في شمال اليمن بالانقلابيين نراهم اليوم يتقاتلون في ما بينهم،وهذا ما خلق الخلاف العسكري والسياسي بين السعودي والإماراتي ، فالأول يدعم مليشيات هادي في جنوب اليمن خاصة الأخوان المسلمين “حزب الإصلاح اليمني” والثاني يدعم الفصائل المسلحة التي تتبنى عقيدة انفصال الجنوب عن الشمال ولها علمها الخاص ، ومازال الصراع العسكري قائم هناك،ومساعي تخفيف التوتر في اجتماع جده لم تؤت ثمارها إلى الآن بل عكس ذلك طالبت ما تسمى الشرعية في اليمن إستبعاد الإمارات من التحالف العربي بسبب سلوكها في الجنوب.

إن هذا الصراع في جنوب اليمن يظهر لنا هشاشة هذا التحالف بسبب تضارب المصالح، واختلاف الأيدولوجيات التي لا تسيرها العقيدة الوطنية ، والصراع في جنوب اليمن يعد من المفرقات السياسية والعسكرية، فبعد تدمير اليمن لمدة قاربت على الخمس سنوات تحت ذريعة شعار الشرعية يستبدل هذا الشعار بمعادلة جديدة سببها فشل التحالف الخليجي في الشمال، وصراع أخوة السلاح في الجنوب، وهي إحياء المحادثات السياسية مع “الحوثيين” وهذا ما سربته الصحافة الأمريكية، فهنالك خط ساخن بينهم وبين الأمريكان لإنهاء هذا الصراع وفق أجندة تقسيم اليمن مع وجود نفي من “الحوثيين”، وهو المرفوض عند قوى الشمال اليمني كذلك، وعلى هذا الأساس ومن رحم فشل التحالف الخليجي في تحقيق الخريطة السياسية التي تبعد “الحوثيين” وحلفائهم عن إدارة اليمن عسكرياً، ولد التوجه الجديد لانفصالي الجنوب تحت قيادة زعيمهم “بن بريك ” . المدعوم إماراتياً وهذا بحد ذاته أوجد الخلاف السياسي والعسكري لجسم التحالف الخليجي وهي المعادلة الجديدة التي تبحث خلف الكواليس لتمزيق اليمن .

الذي تحقق في اليمن هو دمار ممنهج تحت غطاء وهمي كان يراد منه السيطرة على الجغرافية اليمنية ذات البعد الملاحي في المنطقة ، وهذا كان على حساب دماء اليمنيين ، ولو أعطينا الوقت الكافي لمبعوث الأمم المتحدة في اليمن “ابن عمر ” لكنا رأينا اليوم من يتحاربون في اليمن يتشاركون في إدارتها، وفق رؤية وطنية لا تدع للقوى الخارجية مهما كان اسمها أن تتدخل في شأنها الداخلي.

إن المراقب للأزمة اليمنية وما يحصل فيها يدرك اليوم صوابية الرأي العماني في الحيادية الإيجابية لما يحدث فيها ، والحيادية الإيجابية بالمنظور العماني تعني الوقوف على خط سياسي واحد مع فرقاء هذه الأزمة ومن يدعمهم، والتواصل معهم لإيجاد المخرج السياسي الملائم الذي يحفظ وحدة اليمن ، فسلطنة عمان ومنذ بداية حرب اليمن كانت عوناً لهذا وذاك، واستضافة على أرضها جرحى الفريقين، ولكن هنالك أقلاماً مسمومة تحاول شيطنة عمان ووضعها على خط المواجهة مع الحلف الخليجي، وتتهمها بتسهيل تهريب السلاح عبر أراضيها لحوثيين وهذا ما نفته سلطنة عمان جملة وتفصيلاً .

حرب اليمن بعد بداية صراع أدوات الحلف الخليجي في الجنوب، تظهر لنا مدى هشاشة المبدأ والغاية من هذه الحرب، فهي حرب عبثية لم تحقق شي في الموازين السياسية والعسكرية، وهو الفشل الذي سيقود هذا الحلف للسعي إلى الحل السياسي عن طريق البوابة العمانية، وهذا بحد ذاته انتصار للسياسة العمانية في اليمن وصواب رأيها في طريقة حل الازمة اليمنية سياسياً، وهو ما كانت تدعوا له سلطنة عمان. فهل يتحقق ذلك عبرها؟ نرجوا ذلك من أجل وحدة اليمن سياسياً وجغرافياً .

كاتب عُماني
“رأي اليوم”